عيسى جاد الكريم
سائقو التاكسي وهيئة تنشيط السياحة
منذ أيام التقيت مع صديق لي جاء لزيارة مصر، لم أكن التقيته منذ سنوات، وجدته شغوفًا بزيارة خان الخليلي والحسين ومتحف الحضارة بعدما شاهد افتتاحه في احتفالية عالمية عبر شاشات العالم.
وبعد جولتنا قررنا أن نستقل تاكسي هذه المرة إلى حيث يقيم بفندق على ضفاف النيل، مبتعدين عن استخدام التطبيقات الذكية الخاصة بسيارات الأجرة مسبقة التسعير.
وكما يقولون سائقو التاكسي هم أول من يستقبلونك وآخر من يودعونك في أي بلد، ومنهم يمكن أن تحب البلد الذي تزوره لتكرر الزيارة أو يعطونك انطباعًا سبئًا يجعلونك لا تكرر الزيارة.
وحتى لا أُطيل عليكم قررنا استقلال التاكسي ومن اللحظة الأولى أعلن سائق التاكسي أن العداد لا يعمل، ودخل في فصال عقيم لسعر الأجرة التي طلبها أضعافًا مضاعفة، وحتى لا أظهر بمظهر من يبخل على أصدقائه وافقت، وما إن تخطينا وسط البلد حتى وجدته ينحرف باتجاه ميدان رمسيس، وهنا سألته "أنت رايح فين يا أوسطى؟!"،
فكان رده: رايح ميدان رمسيس عشان ناخد كوبري أكتوبر. استغربت الأمر ونهرته بأنه يطيل المسافة من دون داعٍ، المسافة من الحسين للكورنيش لا تستغرق عشر دقائق في ظل انسياب حركة المرور بعد منتصف ليل القاهرة.. انصاع لطلبي بعد أن وجدني أعرف تفاصيل الطريق، وكان يحسبني غريبًا عن القاهرة فعاد متخذًا الطريق للكورنيش.. قلت للرجل أنت عارف إنك كده بتبوظ السياحة وتعطل نفسك، وأنت المفروض تساهم في إنعاش السياحة وتساعد اقتصاد البلد بإنعاش السياحة، أنت مخدتش دورة في هيئة تنشيط السياحة عشان تعرف قيمة التاكسي اللي أنت راكب عليه؟! فكان رد سائق التاكسي: بتوع السياحة مالهم ومالي هيدوني إيه يعني؟ إحنا شغالين بالبركة يا أستاذ.. وحديث ومناكفة وححج واهية .
الخلاصة وحتى لا أطيل عليكم وجدت أن العيب ليس في سائق التاكسي، الذي يعتبر أهم ما في المنظومة السياحية في بلد يزخر بكل مقومات السياحة من متاحف وآثار عمرها سبعة آلاف سنة، مرورًا بمعابد ومساجد أثرية من شتى العصور وعمارة فريدة وأهرامات هي الباقية من عجائب الدنيا السبع، ونهر ساحر حبانا الله به، وطرق وكباري ومحاور صرفت الدولة عليها المليارات خلال السنوات الماضية لتسهل حركة الناس والمركبات. نعم العيب ليس في سائق التاكسي أو غيره ممن يلتقيهم السائح والزائر لمصر ومدنها، العيب كل العيب في هيئات من المفترض أن شغلها الشاغل هو تنشيط السياحة.
فهل فكرت هيئة تنشيط السياحة في إعطاء دورات لسائقي التاكسي لكيفية التعامل مع السائح؟ هل فكرت في عمل لوجو يوضع على كل تاكسي أخذ من يقوده دورة لتعطي الأمان للسائح أن هذا التاكسي موثوق فيه، مع عمل قاعدة بيانات بكل من أخذ الدورة ومتابعته وتقييمه من خلال باركود يوضع على كل تاكسي وفي أماكن بارزة أمام كل مستقل للتاكسي بما يمكن الراكب من الوصول لكافة المعلومات عن التاكسي وقائده وتقييمه..
فيكفي الراكب وضع كاميرا هاتفه الذكي للوصول لهذه المعلومات في ثوانٍ، بل وتقييم التاكسي وقائده، وبما يمكن الهيئة من تقييم التاكسي وإعطاء حوافز السائقين، سواء لسائقي التاكسي أو لغيرهم من المركبات والأتوبيسات العاملة في مجال السياحة، ونفس الأمر حتى مع سائقي الحنطور وخيالة الهرم، وإعطاء حوافز حقيقية للعاملين سواء مادية أو معنوية بشهادات تقدير يستحقونها، أو بخصومات تعطى لهم عند تجديد التراخيص يمكن أن تصل للإعفاء من رسوم الترخيص مثلًا، مكافأة وتشجيع للسائفين على حسن معاملة السائحين. تطبيق بسيط قد يكلف آلاف الجنيهات من ميزانية الهيئة التي تتخطى الملايين سنويًا ولا نجد للأسف لها مردودًا على أرض الواقع، فالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي التي أنشئت في مارس 1981، بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 134، والمُعدل بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1523 لسنة 2020، كهيئة عامة تتبع وزير السياحة، وتهدف إلى رفع معدلات النمو في حركة السياحة الدولية الوافدة إلى مصر، لإبراز الصورة الحقيقية لتاريخ مصر الحضاري ونهضتها الحديثة ومقوماتها السياحية المختلفة والعمل على إزالة المعوقات التي تحول دون نمو الحركة السياحية، تشجيع السياحة الداخلية، زيادة الوعي السياحي، وربط المواطنين بتراثهم.. فهل تبخل الهيئة بعمل الدورات لسائقي التاكسي وغيرهم من المواطنين الذين يحتكون بشكل مباشر بالسائحين؟
يجب أن تعمل الهيئة اليوم وليس غدًا للقيام بدورها. ورسالتي لوزير السياحة المحترم السيد أحمد عيسى أن يضطلع بمهامه كرئيس لمجلس إدارة الهيئة، وأن يعيد لها حيويتها بما يجعل مصر تنال المكانة التي تستحقها كمقصد سياحي مهم متفرد في منطقة الشرق الأوسط والعالم.