افتتاح بنك مصر " أول بنك وطني"
عادل عبدالمحسن
في 10 مايو عام 1920، تم افتتاح بنك مصر رسميا ،بعد مجهود كبير بذله الاقتصادي طلعت حرب باشا، حيث تقدم بفكرة إنشاء بنك ذو رسالة لاستثمار المدخرات القومية وتوجيهها لتسريع النمو الاقتصادي والاجتماعي، ويساعد في تحرير الاقتصاد المصري من التبعية الأجنبية ، وألقى طلعت باشا خطبة في دار الأوبرا المصرية أثناء الاحتفال بالافتتاح.
أقنع طلعت حرب باشا 126 من المصريين بالاكتتاب لإنشاء البنك ، فأصبح بنك مصر هو أول بنك مصري يؤسسه ويمتلكه المصريون 100% بالكامل. استطاع البنك من عام 1920إلى 1960 في تأسيس 26 شركة في مجالات اقتصادية مختلفة تشمل الغزل والنسيج والتأمين والنقل والطيران وصناعة السينما ، من أجل تحسين اقتصاد البلاد ،واستطاع طلعت حرب أن يؤسس منظومة اقتصادية متكاملة من خلال تمويل البنك للشركات الصناعية والإنتاجية ونهض بها مؤسسا قلعة مصر الاستثمارية.
وكان أول مقر للبنك كان في شارع الشيخ أبو السباع، وأول رئيس لمجلس الإدارة كان أحمد مدحت يكن باشا ، ومحمد طلعت حرب بك نائبا ،ويوسف أصلان قطاوي وكيلا.
وكان عبدالعظيم المصري بك هو أكبر مساهم في البنك عند نشأته ،والذي اشترى ألف سهم. ومازال دور بنك مصر في مختلف المجالات الاقتصادية ملحوظ، فحصل على جوائز عدة في مجال إدارة النقد والسيولة من مجلة جلوبال فاينانس "Global Finance" العالمية ففي العامين 2009و 2010 حصل على جائزة "أفضل بنك لإدارة صناديق أسواق النقد في إفريقيا والشرق الأوسط" وجائزة "أفضل بنك لإدارة صناديق أسواق النقد في الشرق الأوسط" على مدار عدة أعوام منها 2008 و 2012.
كما حصل على جائزة "أفضل بنك لإدارة صناديق أسواق النقد والاستثمارات قصيرة الأجل في منطقة الشرق الأوسط في 2015 و2016 و 2017 و 2018 و 2020 و 2021 و2022 و 2023، و جائزة "أفضل بنك لإدارة صناديق أسواق النقد والاستثمارات قصيرة الأجل في إفريقيا والشرق الأوسط " في 2019.
وأصبح بنك مصر متواجد عالميا وإقليميا من خلال وجود خمسة فروع في دولة الإمارات وفرعاً في فرنسا، بالإضافة إلى فروع البنك التابعة في كل من لبنان وألمانيا وأيضًا مكاتب تمثيل في كل من الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا.
كانت فكرة إنشاء بنك مصري وطني حلم يراود الكثيرين منذ أيام محمد علي باشا، فبالرغم من أن محمد علي قبل وفاته أمر بإنشاء مصرف برأسمال قدره 700 ألف ريال، إلا أن مشروع المصرف انهار كسائر مشروعات والي مصر لمّا أصابه المرض بعد أن ضاعت ثمرة حروبه عليه نتيجة التواطؤ الدولي على حصار قوته، ثم عادت فكرة “مصرف مصر” إلى الحياة بعد أن دعا إليها «أمين شميل» في مقال له في 26 إبريل 1879 في جريدة “التجارة”، واجتمع على أثر ذلك عدد من أعيان مصر، غير أن الخلاف الذي نشب بين الجمعية الوطنية المصرية التي أنشأها الخديوي إسماعيل وبين الخديوي والتي وقعت في أعقابه الثورة العرابية أعاق إتمام الفكرة، ويحكي صديق عرابي الشهير "مستر بلنت" في مذكراته عن الثورة العرابية عن عزم عرابي إنشاء "مصرف تسليف" للفلاحين لولا أن الاحتلال داهم الحكومة العرابية وقضى المشروع.
ثم عادت فكرة مصرف مصر إلى الظهور عندما بدأ «عمر لطفي بك" عضو الحزب الوطني ووكيل كلية الحقوق في إلقاء محاضرات في نادي المدارس العليا ابتداء من اليوم الأول في نوفمبر 1908 عن نظام التعاون والتسليف في ألمانيا وإيطاليا، لكن الفكرة عانت من الخلاف بين التيارات التقدمية والرجعية، ولم تنجح الفكرة مجدداً إلا مع مجهودات طلعت حرب الذي بدأ بطرح الفكرة في بعض خطبه، وعقب انعقاد المؤتمر المصري الأول في 29 إبريل 1911 انتهز طلعت حرب اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء مصرف مصري، وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء مصرف مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار طلعت حرب للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء المصرف بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوربية، فلما صدر كتاب طلعت حرب بعد هذا، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعو لها وإلى تنفيذها، لكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في 4 أغسطس سنة 1914 أدّت إلى تأجيل فكرة المصرف لأكثر من 8 سنوات، وعادت من جديد الدعوة لإنشاء المصرف بعد قيام ثورة 1919.
وتمكن 126 مصريًا من الاكتتاب لإنشاء المصرف، وبلغ ما اكتتبوا به80 ألف جنيه، تمثل 20 ألف سهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة الذي اشترى ألف سهم، وفي الثلاثاء 13 إبريل 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى “بنك مصر”، كان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من 126 مساهمًا جميعهم مصريون، وحرر بصفة عرفية في 8 مارس 1920، ثم سجل في 3 إبريل أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، طلعت حرب، عبد العظيم المصري بك، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفي أفندي، إسكندر مسيحه أفندي، عباس بسيوني الخطيب أفندي.
نص عقد الشركة الابتدائي على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والاعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد، وأنه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين، على أن يقوم بإدارة الشركة أو المصرف مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية، وتم انتخاب مجلس الإدارة المكون من من:
• أحمد مدحت يكن باشا.. رئيسا لمجلس الإدارة • يوسف أصلان قطاوي.. وكيلا • محمد طلعت حرب بك.. نائب للرئيس وعضو مجلس الإدارة المنتدب • الدكتور فؤاد سلطان بك.. عضو مجلس الإدارة المنتدب بالإنابة
أما الأعضاء فهم: عبد الحميد السيوفي، علي ماهر، عبد العظيم المصري، إسكندر مسيحة، يوسف شيكوريل وعباس بسيوني الخطيب.
اشترط العقد أن يملك عضو مجلس الإدارة مائتين وخمسين سهماً على الأقل، ولا يجوز له التصرف فيها طول مدة عضويته، وألا يكون عضواً بالجمعية العمومية من يملك أقل من خمسة أسهم، وتأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية وهي إنشاء بنك مصري برأسمال مصري وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية وتحويل تنموي للاقتصاد الوطني من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار الصناعي.
وفي 10 مايو 1920 تم افتتاح البنك رسمياً، وألقى طلعت حرب خطبة في دار الأوبرا المصرية بمناسبة بدء أعمال بنك مصر، وكان أول مقر له في شارع الشيخ أبو السباع، وبدأت رحلة بنك مصر في تمصير الاقتصاد المصري والقيام بدور كبير في الاقتصاد المصري، حيث ساهم في تأسيس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعاً وأدت سياسته إلى الكثير من التطورات التي شوهدت في الاقتصاد الوطني والتي كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه·