د. عادل القليعي
فلسفة الأخلاق طبيعتها وخصائصها 7-10
مفهوم السعادة في الفكر الأخلاقي اليوناني
بداية، رب سائل يجابهني بسؤال: لماذا بدأت بالفكر اليوناني، ولم تبدأ بحضارات الشرق القديم، أو حتى تبدأ بتخصصك الدقيق الفكر الفلسفي الإسلامي؟!
وهذا سؤال منطقي ومشروع، لكن لنا رد عليه، نقول، صحيح ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو معاند أو مكابر أنه كان لحضارات الشرق القديم دور فاعل في بناء الفكر الأخلاقي عند اليونان، لا ننكر ذلك، ولكن بناء النظرية الأخلاقية لم تتحدد أركانها إلا مع فلاسفة اليونان أصحاب الرؤية العقلانية ولا سيما أرسطوطاليس، على النحو الذي سنعرضه لاحقا.
أما الشق الثاني من السؤال: لمَ لمْ أبدأ بالفكر الفلسفي الإسلامي، خصوصا أن حتى المتكلمين المعتزلة والأشاعرة والماتريدية كان لهم فكر أخلاقي تمثل في موقفهم من قضية الخير والشر والحسن والقبح.
لكن نقول وبمنطق العقل، إن الفكر الفلسفي الإسلامي أستقى روح معرفته من الفكر الفلسفي اليوناني عن طريق ترجمات مؤلفات فلاسفة اليونان- صحيح لم يكونوا نقلة ومقلدين وتابعين ونحن نرفض التبعية البغيضة، وإنما ظاهرة التأثير والتأثر لإثراء الفكر الإنساني وجد هي ظاهرة محمودة غير مرذولة- لذا آثرنا أن نبدأ بفلاسفة اليونان.
تعالوا معي أصحاب العقول المستنيرة المتفتحة نطوف بكم حول هذا المفهوم.
نبدأ بطرح سؤال مهم: من منا في عصرنا هذا بكل ما فيه من كادورات تعكر صفو الإنسان، إنسان العصر، وحتى كل العصور السالفة، لا يرغب في الوصول إلى سعادة دائمة، تجعله يقضي نهاره سعيدا منشرح الصدر، ويمضي ليله كذلك على حالته، في سعادة دائمة.
يا سادة، لا بد أن نفرق بادئ ذي بدء، بين مصطلحين قد التبس فهمهما عند كثير من الناس، اللذة والسعادة.
اللذة تعني المتعة الاستلذاذ بالشيء، واللذة حسية وقتية تزول بزوال المؤثر، مجرد أن يأكل الإنسان ويشبع نهمه لشهوة الطعام تزول لذته، وهكذا دواليك في كل ما يشبع حاجات الإنسان البيولوجية والفسيولوجية ولا مندوحة من ذلك، فالإنسان بما هو كذلك يحب المأكل والمشرب والملبس والجنس، وما شابه ذلك كمقومات لوجوده لكن دون إفراط أو تفريط، أي لا يهمل بالكلية ولا يسرف بالكلية.
أما السعادة- وهذا غرضنا من مقالنا- فهي التي تظل باقية لا تزول بزوال المؤثر لأن مبناها العقل الذي يسيطر بدوره ويكبح جماح شهوات وملذات الجسد، فيجعل الإنسان معتدلا لا يميل بكليته إلى إشباع الجوانب المادية ولا كذلك الإسراف والمغالاة في الجوانب الروحية، وهنا تتحقق السعادة المرجوة.
فتكمن سعاداتنا في اعتدالاتنا وفي وسطيتنا، فبالاعتدال القائم على العقل تحصل لنا السعادة المرجوة من حياتنا، فليس من اللائق أن نفني أعمارنا لهثًا وراء شهواتنا، ومن يفعل ذلك تكون حياته أشبه بحياة البهائم والأنعام.
وليس من المعقول أيضًا أن نفني أعمارنا قديسين ورهبانا، بل لنا متطلباتنا ولنا حياتنا التي أمرنا الله أن نحياها، لكن سعادتنا في المواءمة والتوفيق بين الجانبين المادي والروحي.
السؤال: هل تحدث الطبيعيون الأوائل عن السعادة بمفهومها الذي ذكرته أم جاء حديثهم عن اللذة، هل تحدث هيراقليطس، فيلسوف التغيير، وأن الكون في حالة صيرورة مستمرة وتغير دائم عن السعادة، أم جاء حديثه عن اللذة.
هل تحدث انباذوقليس عن ديمقريطس فيلسوف الذرة عن السعادة.
ما مفهوم السعادة عند سقراط، هل هي في المال، الجاه، السلطان، الجمال.
هل العدالة القائمة على عقلانية الفيلسوف عند أفلاطون تحقق السعادة.
هل الوسط الاعتباري عند أرسطو يحقق الطمأنينة العقلية التي يستشعر معها الإنسان سعادته ويشعر بكيانه وكنهه الحقيقي؟
هل الحدس والجذب والوجدان الذي حدثنا عنه أفلوطين وتواصل النفس الإنسانية مع العالم الآخر المفارق، عالم المجردات، اللامتناهي، يحقق للإنسان سعادته.
هل ما حدثنا عنه صغار السقراطيين، المدرسة الكلية والمدرسة القورينيائية سعادة أم لذة البسوها ثوب السعادة.
وإذا ما ذكرنا هاتين المدرستين فلا بد لنا أن نتوجه بعقولنا قبل قلوبنا إلى مدرستي العصر الهلينستي الذي ارتبطت فيه عقلانية يونان بشرقية وروحية وتصوف الشرق مدرستي الابيقورية والرواقية، وما موقفهما من السعادة.
جد ما أحوجنا إلى الكتابة عن هذا الموضوع لما له من أهمية بالغة تؤثر تأثيرا فاعلا في واقعنا المعيش لعلنا نجد ضآلتنا المنشودة والوصول إلى السعادة الحقيقية التي تجعلنا نشعر بالرضا عما نفعله من أفعال ونقوله من أقوال.
أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان