عاجل
الأربعاء 29 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
فلسفة اللامبالاة 

فلسفة اللامبالاة 

ما المقصود باللامبالاة؟ وهل هي رذيلة يحاسب عليها الضمير الفردي والجمعي؟ هل أصبحت منهجًا وأسلوبًا للحياة؟ هل السلبية تبني أمة؟ ما الحلول المقترحة للتخلص من هذه السلبية واتقائها قبل الوقوع في شراكها؟!



 

ما أثر اللامبالاة على حياتنا؟!

إذا أردنا أن نقدم تعريفًا للامبالاة فهي عدم الاهتمام، والاكتراث بكل ما يقع ويثار حولنا من قضايا ومشكلات، ليس هذا فحسب بل هي عدم اهتمام المرء بنفسه، غده كأمسه، ليله كنهاره، فاقدا قيمة النعم التي وهبها الإله له، غير مبالٍ بواقعه ولا مهتم بمستقبله، تتقاذفه الأهواء والميول، فالشخص اللامبالي خانع ذليل لشيطانه الذي يصور له كل شيء سيئ، لا أمل في الحياة لا أمل في غده، ومن ثم يصبح يائسا بائسا لا مبال غير مكترث غير مهتم بشيء، ذا شخصية سلبية، ومثل هذه الشخصيات كثير، نراها في بيوتنا، في مدارسنا، فكم من معلم غير مكترث بالعملية التعليمة ليس له هم إلا جمع المال، غير مبال بتعليم التلاميذ فهموا دروسهم أو لم يفهموا، في جامعاتنا نرى اللامبالاة رأي العين- إلا ما رحم ربي- كذلك الأمر بالنسبة لبعض الطلاب لا مبالاة بالمحاضرات لا اهتمام بالحضور، وإذا ما قيل له إن ثمة حفلة ترفيهية ستقام على الفور يبادر بحجز مكانه، يا بني احجز مقعدك في مدرجك، قاعة درسك أولا ثم اذهب إلى الترفيه- معتمدا على زميله أو زميلته في نقل المحاضرات، وأين تكوين شخصيتك وأين تكوين فكرك النقدي، وأين رؤيتك للمستقبل، تجد الردود جاهزة وماذا سأفعل بعدما أتعلم؟ لن أجد عملا.. وهل تتعلم لتجد عملا؟ العمل موجود المهم تسعى للتعلم وبعدها ستجد عملا، أطرق الأبواب مرات ومرات فالحكمة تقول كتبت الإجابة لمن أدمن الطرق، تجد الرد جاهزا: يا عم ومن تعلم قبلنا ماذا أخذ؟ أقول أخذ كثيرا أصبح متعلما قارئا وكاتبا ومثقفا، أيهما تختار أن تتعلم أم تصبح جاهلا لا تعلم شيئا حتى كتابة اسمك لا تعرفها!

 

اسمحوا لي هذه سلبية مقيتة ومرذولة. هذه سلبية يرفضها الضمير الفردي، فإذا ما عرض الإنسان الأمر على نفسه وذاته وعلى ضميره فماذا سيختار، أن يكون سلبيًا أم يكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه، أن يكون متفائلا مقدمًا مباليًا بحياته، أم يكون يائسا بائسا لأنه فشل مثلا في الحصول على فرصة عمل من أول مرة.

 

هل تبني الأمم والمجتمعات الراقية بالسلبية واللامبالاة؟! هل يبنى الإنسان باللامبالاة، لا وألف لا، الأوطان تبنى بتشابك الأيدي، أن يصبح الجميع على قلب رجل واحد، طارحين خلفهم هذه السلبية، ملتفين حول بعضهم البعض، مستشرفين المستقبل، متمسكين بالأمل الذي يحقق لهم الطموحات والآمال، وهذا هو الفارق بين الإنسان العربي والإنسان الأوروبي، الجميع متساوون في صفة الإنسية، لكنهم مختلفون في نظرتهم للمستقبل، فالأوروبي شعلة نشاط، فور إتمام دراسته يسعى ويعمل أي شيء، المهم أن يحقق ذاته ويحقق شخصيته، أما العربي فتجده يصاب بالإحباط ويركن إلى اللامبالاة مهملا نفسه: لماذا يا بني؟ هل لأنك لم تجد فرصة عمل، أقول لك اصنع أنت هذه الفرصة فكم من الحاصلين على شهادات ونجحوا في مجالات غير مجالات تخصصهم.

 

فلسفة الاباثيا أو اللامبالاة اتخذتها المدرسة الكلبية (تلاميذ سقراط)، طريقا للإفراط في الزهد فكانوا لا يهتمون بشيء لأن حياتهم ليس لها قيمة وكانوا يعيشون عيشة رديئة غير مهتمين بشيء لأنهم كانوا يعتقدون أن في هذا تهذيبًا للنفس، لكن تهذيب النفس والزهد ليس هكذا، بل هذه سلبية ولا مبالاة، أما الزهد الحقيقي فهو أن تخالط الناس وتزهد في ما في أياديهم، هذا هو الزهد الحقيقي وما كانت هذه دعوة سقراط، سقراط دعا إلى تحقيق السعادة للإنسان لا إلى تحقيق الشقاء والبؤس، وكذلك تلقفت هذه الفكرة فلسفة الرواقية فزهدوا في حياتهم غير مكترثين بها غير مبالين.

 

اللامبالاة في اعتقادي هي رذيلة خلقية، فليس ثم خلق قويم صاحبه غير مبال ولا مهتم بما وبمن حوله، ومن ثم بات علينا بل أصبح الأمر ملحا إلى لفت النظر إلى هذه الرذيلة الرزية وكيفية علاجها، وسأحدد عدة نقاط لعلاج هذه المأثمة.

 

أولها: دور الإعلام في مواجهة هذه الرذيلة، الإعلام المسموع، المقروء، المشاهد، مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق عمل برامج إرشادية لتوجيه الناس وتوضيح هذا المفهوم عن طريق استضافة متخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم الدين والاقتصاد، كل يدلي بدلوه في هذه المسألة موضحين خطورتها على الفرد وعلى المجتمع وتكدير السلم العام، نعم السلم العام، فإذا لم يتحقق السلام الذاتي الداخلي للإنسان تكدر السلم العام، فإذا لم يتصالح المرء مع نفسه فهل سيتصالح مع مجتمعه؟!

 

أما ثاني الحلول: فيكمن في الأسرة، بمعنى الأسرة الصالحة ستنشئ صالحين، عن طريق المتابعة متابعة الأبناء، ولو بجلسة أسبوعية توضيحية إرشادية كل يشارك فيها ويحكي همومه ومشاكله وفي ذلك تفريغ للطاقة السلبية للجميع، كذلك أسرة المدرسة تفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس والاستماع إلى هموم ومشاكل التلاميذ، وكذلك أسرة الجامعة، فعلى الأساتذة احتواء الطلاب فلا تكون العلاقة علاقة محاضر بطلابه يدخل يشرح الدرس وينصرف وإنما لا بد من مصادقتهم والوقوف على مشاكلهم ولو بتخصيص جزء بسيط في نهاية المحاضرة أو يفرغ نفسه ربع ساعة في مكتبه بعد المحاضرة للاستماع إلى أبنائه الطلاب.

 

وثالث الحلول: وهو في يد الدولة التي لا تألو جهدًا في محاولة تحقيق التنمية المستدامة، وعليها دور رئيس في متابعة الإعلانات عن الوظائف واختيار الأفضل علما وخلقا.

 

والحل الرابع: على علماء الدين ممثلين في الأزهر الشريف والأوقاف، ودار الإفتاء، والكنائس بكل طوائفها، شرح وتوضيح موقف الدين من اللامبالاة وأن الدين دعا إلى تفعيل دور الفرد في خدمة مجتمعه ودعا دعوة تامة إلى فضيلة العمل والمشاركة الوجدانية، خصوصا ونحن الآن في لحظات فارقة في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية، فلا يجوز بحال من الأحوال، والأزمات الاقتصادية تضربنا وتضرب العالم أجمع نقف متفرجين لا نقدم يد العون، غير مبالين ولا مكترثين مكتفين بطرقعة الأصابع المتشابكة أو مصمصة الشفاه، فكيف ننام على فرشنا وإخوة لنا تحت الأنقاض، وإخوة لنا يفترشون الجليد ويلتحفون السماء في برد الشتاء القارص؟!

 

وأخيرًا، السؤال لحضراتكم: هل أصبحت اللامبالاة منهجًا لحياتنا ولسلوكنا؟!

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز