عاجل
الخميس 16 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الإنسان قضيتنا الرئيسية

الإنسان قضيتنا الرئيسية

لا شرق عندنا ولا غرب، إنما هو الإنسان، توجد الحضارة إذا وجد الإنسان فهو صانعها وهي التي تحويه وتحتويه.



وهذا أبلغ وأقوم رد على دعاوى العنصرية التي أطلقها بعض المستشرقين غير المنصفين، أحادي النظرة، الذين يريدون أن يلحقوا كل تقدم حضاري ومدنية وثقافة وآداب وفنون، وعلوم نظرية وعملية، إلى جنسهم الذي أطلقوا عليه الجنس الآري الأوروبي المتفتح، وما دونهم من شعوب هي شعوب سامية غير متفتحة ليس لديها القدرة على الابتكار والإبداع.

 

هذه النظرة الضيقة- من وجهة نظري- إن دلت على شيء فإنما تدل على ضيق في آفاق التفكير عند من اعتنقها أو روج لها من هؤلاء الغربيين الذين حركهم الحقد الدفين على حضارات الشرق، لا سيما الحضارة الإسلامية التي بلغت من المجد مبلغه، خصوصا في القرن الرابع الهجري وازدهار الخلافة العباسية.

 

لكن لدينا سؤالًا مهمًا جدًا، هل هناك حقًا ما يسمى الحضارات، الحضارات الشرقية القديمة (الحضارة المصرية، الحضارة الصينية، الحضارة الهندية، الحضارة الفارسية، الحضارة الفينيقية، البابلية، الآشورية، الحضارة الإسلامية، الحضارية الغربية)، أم أن التقسيم الجغرافي والدراسات الأنثروبولوجية، ودراسات عادات وتقاليد وأعراف هذه البلدان وثقافات وعلوم هذه الأقطار والأمصار هي التي فرضت علينا هذه المسميات والتقسيمات؟!

 

الرأي عندي، وهذا رأيي ودلوي أدلي به ولا أفرضه على أحد، بل يقبل النقاش ويقبل الصواب والخطأ.

 

أرى أن هذه التقسيمات تقسيمات فرضتها الطبيعة الجغرافية، فما الذي يميز إنسان الشرق عن إنسان الغرب، ما الذي يتميز به العربي، عن العربي؟

 

بقليل من التفكير ليس ثم تمايز بين الأجناس إلا بالعقل والفهم والاستبصار والإدراك، وكما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ولكن التفاوت بين زيد وعمرو في كيفية توظيف هذا العقل واستخدامه استخداما سليما يرقى ويرتقي بالإنسان بما هو كذلك.

 

إذن قضيتنا وشغلنا الشاغل هي الإنسان، فأنى وجد الإنسان وجدت الحضارة، ذلك المخلوق الذي حير الجميع، ذلك الكائن الحي المائت الذي يجمع بين المتناقضات الخير والشر، الحسن والقبح، الحب والكره، وتلك هي مقوماته ككيان وجودي.

 

فليس ثم فرق بين إنسان الشرق وإنسان الغرب، وإنما الفرق في طريقة التفكير والإبداع.

 

ومن هذا المنطلق ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين حقيق علينا ونحن في عصر الانفتاح الثقافي والفكري وثورة المعلومات وثورة الذكاء الاصطناعي، وثورة الرقمنة، وأن العالم بات قرية صغيرة تعج بالمتغيرات والأفكار التي لا بد أن تناقش مناقشة جيدة على طاولات المؤتمرات العالمية والإقليمية والمحلية، من أجل الخروج بهذا الإنسان الذي يستحق كل الخيرات، الخروج به من واقعه المأزوم، ومحاولة لملمة شتاته وتشتته وتفرقه.

 

من أجل ذلك لا بد من تضافر كل الجهود سواء الجهود السياسية، وتوفير مناخ سياسي ملائم يمارس فيه الإنسان دوره السياسي بمنتهى الحرية دون قيود تقيده، وكذلك الجهود الاقتصادية التي تسعى لتوفير مصدر للدخل يتساوى فيه الجميع عن طريق عدالة التوزيع، أيضًا الجهود في المجال الديني عن طريق خطاب توعوي يهدف إلى الرقي بالإنسان ويبتعد به عن التطرف الديني والتطرف الفكري بعيدًا عن التشدد والتعصب الأعمى الذي يقود إلى نشر خطاب الكراهية للآخر، ومن ثم يقود إلى الإرهاب الأعمى الذي يهلك الحرث والنسل، وينشر البغضاء والضغينة بين أفراد الوطن الواحد.

 

ولا بد وحتمًا أن يعلم الجميع أن الفكر، أي فكر لا دين له ولا وطن، نسعى إلى الأفكار وتبادلها أنى كان مصدرها ومن قائلها، نحلل هذه الأفكار ونقوم بغربلتها، فبالحتمية المنطقية ليست كل الأفكار غثة وسيئة، وإنما نأخذ ما يتوافق ونقبله ونطرح ما يتعارض معنا ومع قيمنا ومبادئنا.

 

دونما إساءة إلى الآخر بألفاظ نابية تجعل الآخر ينظر إليك نظرة ازدراء وكراهية، لأن هذا فكره، ناقشه وحاوره، أقنعه أو يقنعك، هكذا تكون المسألة، لكن لأن فكره ليس على هواك تكيل له الاتهامات وتلصق به التهم والتخوين والكفر.

 

أما في الجهود الفكرية، فثم اتجاهات ومذاهب كثيرة، وفلسفات مختلفة هدفها الرئيس الاهتمام بالإنسان ككيان انطولوجي، فهناك الاتجاه العلماني، الليبرالي، اليساري، الاشتراكي، الشيوعي، الماركسي، الإسلامي.

 

كذلك هناك الفكر الفلسفي السياسي، والإسلامي والحديث والمعاصر، ولكل فكر أئمته وفلاسفته، والقاسم المشترك بين الجميع هو الاهتمام بالإنسان بما هو إنسان، ومن هذا المنطلق لماذا لا تتضافر كل جهود هؤلاء من أجل الارتقاء بالإنسان الذي هو أصل وبناء الحضارة، الإنسان الذي لولا وجوده لما وجد الفكر ولما وجدت حضارة، تتضافر الجهود جميعا من أجل الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف دونما إفراط أو تفريط.

 

حقا لا شرق عندنا ولا غرب وإنما الإنسان.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز