محمد هيبة
بطولة كأس ميسي
انتهى حلم المونديال الذي لم نفق منه، وكنا نتمنى أن يستمر ويستمر.. انتهى السحر والجمال والمتعة والعذاب والإثارة والجنون.
نعم انتهى المونديال الأغرب والأعجب والأقوى في تاريخ بطولات كأس العالم الـ22، لكنه انتهى النهاية الطبيعية التي كنا نتمناها، وذهبت الكأس إلى من يستحق؛ حيث انتصرت للكرة الجميلة والإبداعية والموهبة والمتعة بلا حدود، ذهبت البطولة لأرجنتين ميسي بعد غياب 36 عامًا، في أقوى نهائي تاريخي ضد الديوك الفرنسية، حيث ظلت المباراة معلقة حتى الثانية الأخيرة، وخرجت بالتعادل الدراماتيكي 3\3 ليتم الاحتكام بعدها لضربات الترجيح التي كانت أكثر عدلًا في منح الكأس للأفضل والأمتع والأحق.
في مونديال المكسيك عام 86 وبعد فوز الأرجنتين بكأس العالم لثاني مرة في تاريخها، كتب عمنا الكبير محمود السعدني على هذا المونديال "بطولة كأس مارادونا"، لأنه بالفعل كان الأسطورة، دييجو أرماندو ماردونا كان هو صاحب الفضل الأول والأخير في فوز الأرجنتين بهذه الكأس، وعلى مدى 36 عامًا أقيمت خلالها ثماني بطولات لم ينسب للاعب آخر مهما كانت عبقريته وموهبته الفضل في فوز بلاده بكأس العالم، رغم ظهور العديد من أساطير الكرة العالمية، مثل روماريو، وبيبيتو، ورونالدو، ورونادينهو، وزيدان، وكلينسمان، وفوللر، وبالاك، وتوريس، وغيرهم من الأساطير، حتى جاء الولد الشقي ليونيل ميسي ليستحق أن يقترن مونديال قطر 2020 باسمه بدون منازع، فهو الذي صنع الانتصار، وعلى مدى 17 عامًا منذ أن فاز بكأس العالم للشباب مع الأرجنتين في 2005 وهو يمتعنا مع برشلونة في البطولات المحلية والإقليمية والعالمية، وحقق 34 لقبًا منفردًا، كما حقق الكرة الذهبية 4 مرات تحت مسمى، و٥ مرات تحت مسمى آخر، وحقق مع الأرجنتين بطولة كوبا أمريكا، وكان دائمًا ما يوضع في مرتبة أقل من مارادونا لعدم فوزه ببطولة كأس العالم، وها هو يفعلها في سن الخامسة والثلاثين ليكمل الحجر الناقص في بنائه الإبداعي، وموهبته الفذة، وإنجازاته الكروية التي من الصعب على لاعب آخر أن يحققها لسنوات طويلة.
وبعيدًا عن إنجاز ميسي والأرجنتين المستحق بالكأس الثالثة في تاريخهم، فإن مونديال قطر هو مونديال فاق كل التوقعات في تنظيمه وفي نجاحه الباهر، الذي اعتبر أعظم وأقوى كأس عالم في التاريخ، فمن ناحية شهد هذا انقلابًا حادًا في موازين القوى الكروية الكبرى، وخرجت فرق كبرى من الجولة الأولى، مثل ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا والمكسيك وأورجواي، والأهم صعود قوى أخرى آسيوية وإفريقية وعربية، ووصولها إلى الأدوار الإقصائية، وكذلك المفاجآت التي شهدها المونديال بفوز السعودية على الأرجنتين، واليابان على ألمانيا، وتونس على فرنسا، والمغرب على إسبانيا، وغيرها من المفاجآت التي استمرت بوصول المغرب إلى المربع الذهبي على حساب البرتغال، وسيظل إنجاز المغرب في البطولة كرابع كأس العالم، هو أفضل إنجاز عربي- إفريقي على مدى تسعين عامًا، و22 بطولة، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا والبرازيل وإنجلترا والبرتغال وإسبانيا والدنمارك والمكسيك وأورجواي وبلجيكا خارج البطولة، ولذا سيكون مونديال قطر هو مونديال العرب، والذي شهد لأول مرة صعود فريق عربي ضمن الأربعة الكبار في كأس العالم.
الأمر الثاني في هذه البطولة، أنها تعتبر أغرب بطولة شهدت تدخلات حاسمة وقاطعة من الفار، الذي قلب الأمور رأسًا على عقب في كثير من المباريات الحاسمة، وألغى الكثير من الأهداف الرائعة، وكذلك احتسب الكثير من الأهداف التي غيّرت بحسم نتيجة العديد من المباريات، ومع ذلك لم تقضِ هذه الآلة "الفار" على المتعة والإثارة في المونديال.
الملاحظة المهمة أيضًا أن هذا المونديال يعتبر مونديال الثواني الأخيرة، فالمباراة التي اعتدنا أنها 90 دقيقة، وبالوقت بدل الضائع خمس أو سبع دقائق على أكثر تقدير، أصبحت في هذا المونديال تصل بالوقت بدل الضائع إلى 110 دقائق، على شوطين، وأحيانًا أكثر من ذلك، والأهم أن نتيجة المباراة تكون معلقة حتى الثانية الأخيرة، وحدث هذا في مباراة هولندا والأرجنتين، والبرازيل وكرواتيا، والنهائي بين الأرجنتين وفرنسا، حيث حققت فرنسا التعادل الثالث في الدقيقة 89، وغيرها من المباريات الحاسمة الأخرى.
أما آخر الملاحظات في هذا المونديال العجيب الغريب، فهو تساقط الأرقام القياسية التي صمدت طويلًا على مدى عقود وبطولات سابقة، كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، حيث سقط رقم مارادونا، ورقم كلوزة، ورقم المونديال الأكثر أهدافًا في كأس العالم وتحقق 172 هدفًا في قطر، والأهم أنه لأول مرة يصل هداف البطولة إلى ثمانية أهداف، وهو رقم "مبابي" ولم يتحقق من قبل في بطولة واحدة، بالإضافة إلى أنه حقق ثاني هاتريك في المباراة النهائية بعد 90 عامًا.
وأخيرًا عشنا 28 يومًا مع الكرة الحقيقية، وستعود اليوم وغدًا ريما لعادتها القديمة، إلى دوري "العك الكروي" المسمى بالدوري المصري، لكن هل خرجنا بدروس مستفادة من المونديال؟ لا أعتقد.. كل مونديال وأنتم بخير ولا عزاء للكرة المصرية.