عاجل
الأربعاء 4 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

عادل القليعي يكتب: حبُّ الأوطان من فروض الأعيان

أستاذ الفلسفة الإسلامية عادل القليعى
أستاذ الفلسفة الإسلامية عادل القليعى

هناك فرق بين فروض العين وفروض الكفاية، ففرض العين هو الواجب، الذي يكلف به الإنسان، ولا يسقط هذا التكليف بقيام آخر بفعله. كالصلاة مثلا وباقي الأركان اللهم إلا الحج فشرطه الاستطاعة، أو كالحجاب، فهو فرض عين على كل مكلفة عاقلة بالغة راشدة مسلمة، لا يسقط إذا قامت الأم بارتدائه نيابة عن ابنتها.



 

أما فروض الكفايات، فمن الممكن أن يغني ويكفي شخص واحد فيه فيؤدي عملا عن الآخرين، مثلا كإلقاء السلام فإلقاؤه “المُلقِي والمُلقَى عليه”، سواء بالإلقاء أو بالاستجابة.

 

في اعتقادي وملتي وقناعتي العقلية أن حب الأوطان، والانتماء إليها- جملة وتفصيلا- من فروض الأعيان، لماذا؟ لأن الوطن هو السكن، وهو الأهل والمال والولد. الوطن هو الاحتواء، والانتماء، والولاء لكل من يواليه والبراء ممن يعاديه؛ لأن الوطن هو الظل الظليل، الذي نحتمي به ونلجأ إليه وننعم بخيراته ونعيش في كنفه، فهو شمس الأصيل التي تدثرنا بدفئها من برد الشتاء؛ لأن الوطن هو عشق العشاق، وروضة الطالب المشتاق.

 

الوطن هو أهلنا الطيبون، وعشرة السنين.

 

الوطن يسكن فينا ونسكنه، هو نحن ونحن هو. 

 

أرواح حلت جسدا إذا أبصرناه أبصرنا وإذا أبصرنا أبصرناه.

 

فأصبح حبه فرض عين على كل من توغل بداخله فوجده متربعا على عرش قلبه، يهتف باسمه ويسبِّح بحمده فؤاده، ولم لا فهو أبي وأمي وإخوتي وزوجي وأبنائي، وجيراني وأصدقائي، ولم لا وهو حصني الحصين ودرعي المتين وملجئي وملاذي.

 

السيدات والسادة، علموا أبناءكم واغرسوا فيهم الانتماء والمواطنة وحب الوطن، وقولوا لهم لا تسمعوا لحقد الحاقدين وكيد الكائدين، ومكر الماكرين الذين يتربصون بأوطاننا الدوائر. 

 

قولوا لهم: إن بلادهم عزيزة أبية، قولوا لهم: إنها هي التي تبقى وتفنى دونها المناصب والكراسي، الكل إلى زوال وستبقى هي شامخة عالية راياتها خفاقة. علموهم أن حب الوطن من الإيمان، أحبوا وطنكم الأصغر- أسركم - التي إذا ما نما فيها حب حقيقي سينعكس ذلك على حبنا لوطننا الأكبر، مصر جنة الله في أرضه، ويمتد ذلك إلى وطننا الأعظم، أمتنا العربية وقضيتنا الخالدة، وقدسنا الحبيب سيعود مهما طال الزمن أو قصر.

 

القدس لنا؛ لأن الله منجز وعده، سيعود بعز عزيز وبذل ذليل، (ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا).

 

أتعلمون متى يا سادة؟ حينما تعود اللحمة وتلتئم الشروخات والتصدعات التي أصابت أمتنا العربية، بعد أن تسترد عافيتها وقوتها ومكانتها مهما حاق بها من مرض، فالجسد يمرض، لكنه لا يموت؛ لأنها خير أمة أخرجت للناس، عندما نحب بعضنا حبا حقيقياً، ونطرح الأنا جانبا ونغلب مصلحة هذه الأمة، مصلحة هذا البلد على مصالحنا وننكر ذواتنا نصل لما نطمح إليه من تقدم ورقي، وخير شاهد على ذلك، ما يحدث الآن في كأس العالم وما أنجزته المغرب هل أحد كان متوقعا  ذلك لا، لكن فعلوه؟ لأنهم على قلب رجل واحد، الكل يعمل في صمت- الكل في واحد والواحد في الكل- لا أحد ينتظر مكافآت وستستقبلهم أوطانهم بالورود والرياحين والياسمين. يا ليت قومي يفقهون؟! أن حب الوطن والمواطنة ليست بالشعارات الجوفاء المفرغة من المضمون، الكل يحب ومن خلف الستار له فيها مآرب أخرى، المنفعة والمصلحة الشخصية (نعم سياسة بنكهة كرة القدم).

 

فيا اتحاد الكرة، أيا جهاز الرياضة ليس عيبا أن نخطئ، لكن العيب أن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعام، ولا نعترف بأخطائنا، لكن الصواب أن نعترف ونحاول أن نصوب هذه الأخطاء، ونصلح ما أفسدته المآرب الشخصية ونغلب حب وطننا على حب مصلحتنا الشخصية.

 

ليس في مجال الكرة فقط، بل في كل المجالات، في السياسة، في التجارة والاقتصاد، في التعليم وآه ثم آه من التعليم الذي إذا علا نعلو وإذا سقط لا قدر الله نسقط، فهو قاطرة النهضة في كل أمة، فما قامت أمة على جهل، بل بالعلم تبنى الأمم وبالجهل تزول وتندثر.

 

ليس في التعليم وحسب، بل في الطب والهندسة والقضاء؛ لأن القضاء العادل، ميزان العدل والمساواة بين المواطنين لا فرق بين ابن الوزير والساعي والغفير فالكل سواسية في دولة القانون.

 

الجميع مواطنون من الدرجة الأولى فبالعدل قامت السموات والأرض، وبالعدل فتحنا الدنيا بأسرها، لما ضاع العدل سقطت الأندلس وقالها قائد الجيوش الصليبية بعدما فتح الأندلس دلوني على بيت القاضي، فطرق الباب فلم يجده فراح يتمسح بالباب ويقبله سألوه قادته لماذا تفعل ذلك؟، قال: "لولا فساده ما فتحناها".

 

السيدات والسادة، الفلاسفة قديما ووسيطا وحديثا تحدثوا عن المواطنة، فالرواقية تحدثت عن وحدة الجنس البشري والسلام العالمي، ومن قبلها أفلاطون تحدث عن المواطنة والدولة العادلة ومن قبله "صولون" المُشرِع اليوناني واضع قوانين إسبرطة، ومن بعدهم فلاسفة العصور الوسطى المسيحية والاسلامية، تحدثوا عن المواطنة ومدينة الله والمدينة الفاضلة، وفي العصر الحديث تحدث "كانط وتوماس مور "ومن قبلهما "توماس هوبز "عن قانون نشر السلام، وفي أيامنا هذه الكلام كثير عن السلام وعن المواطن والمواطنة، وحقوق الإنسان فيا من تهتمون بحقوق الإنسان ابحثوا أولا عن الإنسان ثم تحدثوا عن حقوقه.

 

الأحبة الكرام، أوطاننا أمانة في أعناقنا لا بد وحتما أن نبذل الغالي والنفيس لرفعتها والوقوف صفا واحدا؛ لنصرتها والتسلح بسلاح الصبر والمثابرة والجد والكفاح والعمل الدؤوب من أجل رفعتها وعلو همتها.

 

السيدات والسادة، استقيموا يرحمكم الله، وقدروا أوطانكم حق قدرها وأدوا ما عليكم من واجبات تجاهها، بعدها طالبوا بحقوقكم.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز