مودي حكيم
85 عاما صحافة 6
سيدةُ الإعلام الأولى
الدكتورة جيهان رشتي.. وكفى ذكر الإسم أمام المشتغلين في الإعلام، فتبرز في مخيلتهم الإنجازات، والنجاحات التي حققتها، فكسرت القوالب النمطية، التي وضعت فيها المرأة في مجتمعنا الذكوري الجائر.
أول عميدة لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، كانت الدكتور جيهان رشتي. مترامية الذكر في جميع الآذان، وبعض القلوب. شديدة الاعتداد بنفسها حباها الله بذاكرة حفَّاظة، وعقلاً مستنيراً، فنبغت،وأصبحت موضع اهتمام وحديث. متمعة بصحوة ذهنية رائعة ،حَيَّة، وَقَّادة، لا تستكين إلا للبراهين، صاحبة رأي سديد، ونظر بعيد، وحكم صائب.
سفحت الدكتورة جيهان رشتي، عمراً مديداً في التعليم، وعليها تخرج جيل بعد جيل من الإعلاميين، منهم من جلس خلف المذياع، ومنهم من وقف أمام الكاميرا، ومنهم من اشتغل بالحرف والحبر والورق. كثيراً ما رَجَعَ إليها المشتغلون في الإعلام، واساتذته، كلما أُشكِلَ عليهم أمر من الأمور، أو مسألة من المسائل.
تخرجت جيهان رشتي سنة 1959 "كلية الآداب"، جامعة القاهرة، بمرتبة الشرف. وانكبت على الدراسات العليا، فنالت شهادة "ماجستير" في الصحافة، أهلتها لتحضير أطروحة الدكتوراة في الإعلام، التي ناقشتها أمام لجنة من الأساتذة الجامعيين ، في "جامعة سيراكيوز" بنيويورك. وعادت إلى مصر، لترأس "قسم الإذاعة والتلفيزيون" في "كلية الإعلام" التابعة لجامعة القاهرة. وتلك المسؤولية، لم تحول من دون عملها "أستاذ مساعد" في "وحدة الإعلام" بالجامعة الأمريكية ، فأمضت فيها أربع سنوات.
وكما شغلت منصب "مستشار إعلامي" في "اللجنة الوطنية" لمنظمة يونسكو لسبع سنوات. وفي كل تلك المسؤوليات،والمناصب التي تحملتها، وتبوأتها، تميزت برصانة في التفكير، وحفاصة في التعبير، وحكمة في الرؤى.
في تسعينيات القرن الماضي، تسلمت الدكتورة جيهان رشتي،"كلية الإعلام" وعمادتها ورئاسة قسم صحافة، من يد الدكتور مختار التهامي، الذي كان أحد رواد صنع الإعلام فى مصر والعالم العربي. أول من قامت به كان نقلة نوعية فى مجال الدراسات الإعلامية، فأدخلت مناهج البحوث التطبيقية بالأساليب العلمية نفسهاالمعتمدة فى الجامعات الغربية المتقدمة.
تولت جيهان رشتي العمادة سنوات ست، أعطت خلالها بلا حساب مما أفاء الله عليها من ثقافة، وعلم. تمعنُ في البحث،وتنعمُ النظر في كل ما يعترض لها، ويخرجُ من بحثها بالرأي البناء، لذلك استحقت عن جدارة أن تكون رائدة الدراسات الإعلامية في مصر.
عملت، فيما بعد،"أستاذ متفرغ" في جامعة القاهرة،وشغلت منصب "نائب لرئيس جامعة مصر"، وعضو سابق في "مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون",، وعضو في "المجلس القومي للمرأة". بعد السنوات الست في عمادة "كلية الإعلام"، ترأست قسم الإعلام في "جامعة الكويت ،لتعود بعدها الى القاهرة، وتتولى عمادة كلية الإعلام في "جامعة مصر الدولية" خلفا للأعلامي سعد لبيب، ثم استاذ فيها.
تركت الدكتورة جيهان رشتي، على أرفف المكتبة العربية، عدداً من الكتب المهمة من بينها: "الأسس العلمية لنظريات الإعلام"، و"لإعلام الدولى"، و"نظم الاتصال"، و"الإعلام فى الدول النامية"، و"النظم الإذاعية فى المجتمعات الغربية"، وغيرها.. من المؤلفات، والدراسات، والأبحاث،والمحاضرات. خدمت جيهان رشتي الإعلام، وتبّنت عددا من المضامين، والرسائل الإعلامية المتنوعة لشرائح المجتمع بكافّة اهتماماتهم، مروجة لدور الإعلام الحُرّ، الذي يُؤمن بتعدُّد وجهات النظر، وحُرّية التعبير بوصفها إحدى أهمّ أدوات تعزيز الشفافيّة في المجتمع، وإحدى ركائز التنمية السياسيّة، والثقافيّة، وهذا ما يضاعف أهمّية الدور الذي تؤدّيه وسائل الإعلام، ويُعلي من شأنها على الصعيد السياسيّ، والمجتمعيّ.. كانت هذه رسالتها إلى أن رحلت.
مع رحيل الدكتورة جيهان رشتي، فقدت مصر سيدة الاعلام الأولى، والمربية التي تخرجت عليها أجيال، لمّا تزل تحفظ لها الكثير من الحب والعرفان، فأجر المعلم أن يكون دائماً في ذاكرة تلاميذه. كانت حياة الدكتورة جيهان رشتي، مجموعة من المواقف التي تتسم، بالنبل، سفحت عمراً في البحث، والتنقيب،عن الحقيقة العلمية، والمجاهرة بها، لا تخشى فيها لومة لائم. تطلق القول مُرسَّلاً لا يعنيها سوى رحابة غمسة من معين الحق وينبوع قلب الله. ذهبت إلى ربها عن عمر ناهز 73 عامًا وهي تخشى على ثورة مصر.
تكريماً لسيدة الإعلام الأولى وللمربية المعطاءة، أهدت "شركة ابوظبي للاستثمار الإعلامي"، استديو يحمل اسمها نفذته قناة "سكاي نيوز" لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، يوم افتتاحه بكت منى القمحاوي، ابنة جيهان رشتى، مؤكدة أن جامعة القاهرة ودولة الإمارات كانتا نقطة ضعف الدكتورة الراحلة، وأنها كانت تشرف على أعمال الامتحانات وتصحيح الأوراق، حتى قبل وفاتها بأسبوعين، على الرغم ما كانت تعانيه من أمراض وآلام ومتاعب.. وقالت: "أشعر بالحب وأنا فى بيتى، جامعة القاهرة، التي تعلمت فيها والدتى ووالدى، وتقابلا فيها، ونشأت بينهما قصة حب من خلال الجامعة وتزوجا".
وتابعت منى القمحاوي: "عشنا في الإمارات سنوات خمس، كانت من أجمل سنوات حياتى، ووالدتى لم ترفض أى دعوة للإمارات، وسافرت مرة أخرى لمدة عام، وكانت تدرس في "جامعة العين"، وكان لديها ولاء عظيم للإمارات وجامعة القاهرة".
ومضت منى القمحاوى تؤكد أن والدتها اعتذرت في السنوات الأخيرة من عمرها عن مناصب كثيرة في "جامعة عين شمس"، و"الجامعة الأمريكية"، و"المجلس القومى للمرأة"، وفضلت "جامعة القاهرة"، وقبل وفاتها بأسبوعين كانت تكتب الامتحانات".. رحلت جيهان رشتي، رحلت سيدة الإعلام الأولى، وتسلم الدكتور فاروق أبو زيد العمادة من بعدها.. وعنه سأتحدث.