عاجل
الخميس 14 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المولد النبوي الشريف
البنك الاهلي

الغلو في الدين والتطرف اهم أسباب هلاك الامم

السكرى: رسولنا الكريم يدعو إلى الوسطية والبعد عن الانحراف

الدكتور سالم السكري وكيل كلية اصول الدين للدراسات العليا
الدكتور سالم السكري وكيل كلية اصول الدين للدراسات العليا

من أخلاقيات النبي ﷺ أنه لم يتهم  ـ بجانب من جوانب الحياة، ويهمل الجانب الآخر، ولم يهتم بقضية من القضايا، ويهمل القضايا الأخرى، بل كان ﷺ متوازنًا مع جميع مناحي الحياة، ففي العبادة هو إمام العابدين، وفي الحياة الزوجية هو أسوة للأزواج أجمعين، وفي الأبوة تجده الأب الحنون الرحيم، وفي القيادة تجده القائد الأعظم الذي جمع بين الحزم واللين، بين الشدة والرفق الرفق بين العدل والعفو.. فقد أثنى الله تبارك تعالى عليه في القرآن الكريم، وزكى أخلاقه ﷺ، فقال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" وزكى دعوته ـ ﷺ ـ فقال: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ".



 

وفي ذكرى المولد النبوي الشريف أجرينا هذا الحوار مع د. سالم السكري وكيل كلية أصول الدين للدراسات العليا.

 

وأكد الدكتور سالم السكري وكيل كلية اصول الدين للدراسات العليا أن ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم  نوراً وضياءً للكون كله ، كما كانت بعثته هدىً ورحمةً للعالمين ، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" وفي الحديث أنه قال :( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه الدارمي. لافتا إلى أن من مظاهر رحمته دعوته إلى الوسطية والاعتدال، وتأكيده علي يسر الدين وسماحته، وأنه إنما جاء بالحنفية السمحة ، ومن الأحاديث الدالة علي ذلك قوله (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا) رواه البخاري، والمراد بالسداد فيه القصد والاعتدال في العبادة، فلا يقصر المسلم فيما أُمر به، ولا يتحمل ما لا يطيقه، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ومن الأحاديث في ذلك أيضاً قوله: (أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة) أي الشريعة السهلة السمحة. 

 

ويضيف السكري ان الرسول يسر الدين وسماحته، بل حذر أمته من الغلو في الدين والتطرف، وبين أن ذلك من أسباب هلاك الأمم والمجتمعات، وذلك في قوله: (إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) وفي حديث آخر قال: هلك المتنطعون، قالها ثلاثاً) رواه مسلم ، والمتنطعون هم المتشددون في غير موضع التشدد، وهذا التحذير من النبي عام في جميع أنواع الغلو والتشدد سواء كان في الاعتقادات أو في الأعمال والسلوك.

 

 وأضاف السكرى انه قد كان من هديه الأخذ بالأيسر دائماً ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها – قالت: (ما خُير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) رواه البخاري ومسلم، وكان يوجه أصحابه إلى الأخذ بالأيسر والاعتدال في العبادة ، فعن أنس رضي الله عنه قال : دخل النبي المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين ، فقال : ما هذا الحبل ؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت – أي كسلت عن القيام في الصلاة – تعلقت به، فقال النبي (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا افتر فليرقد) رواه البخاري ومسلم. وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي دخل عليها وعندها أمرأه قال : من هذه ؟ قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها – أي كثرة صلاتها – فقال : (مه عليكم بما تطيقونه ، فو الله لا يمل الله حتي تملوا ، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه) رواه البخاري ومسلم . 

 

والأحاديث في الدلالة علي وسطيته ودعوته إلي اليسر كثيرة ، الأمر الذي يدل علي أن رسالته لم تكن في يوم من الأيام رسالة شدة أو عنف بل رسالة سماحة ويسر ، فلا مكان فيها لغلو أو عنف ، ولكنه الاعتدال والرفق والرحمة . 

 

 

 

فإن  النبي ـ صلى الله عليه وسلم، هو خير قدوة للبشرية جميعا، لِما اتصف به من صفات الكمال البشري، فهو الإنسان الكامل في إيمانه، الكامل في خلقه، الكامل في معاملته، الكامل في قيادته، لذا جعله الله تعالى لنا أسوة شاملة كاملة.

 

 لقد جمع الله عز وجل  في شخص النبي ما تفرق من فضائل السابقين واللاحقين، فاستحق نبينا محمد ـ ﷺ ـ أن يكون القُدوة الحسنة لكل باحث عن الحق، ولكل باحث عن الكمال، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".

 

 

 

 

 

ولفت السكرى ان رسول الله ـ ﷺ ـ عجيبة من عجائب الكون، وآية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته في هذه الأرض، فهو رسول يتلقى الوحي من السماء ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة، ورجل سلام،  ورجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش، وهو رجل دعوة أخذت جهده  ووقته وعقله وروحه،  وهو رب أسرة كبيرة تحتاج إلى كثير من النفقات من نفقات الوقت والفكر والتربية والشعور، فضلا عن النفقات المادية، فيقوم النبي ـ ﷺ ـ بهذا الدور على أعلى وأثم وجه شهدته الأرض وعرفه التاريخ.

 

 ويشير الي ان سيدنا محمد ـ ﷺ ـ رجل إنساني من طراز فريد، لقد اعتلى ـ ﷺ ـ أعلى مراتب الأخلاق والعلم؛ لأنه تربية رب العالمين؛ ليكون السراج المنير، والمثل الأعلى، والقدوة العظمى للإنسانية جمعاء، أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان قرآنًا نابضًا حيًا متحركًا، وحينما سُئلت عائشة عن أخلاقه أجابت: كان خلقه القرآن. 

 

ولو نظرنا إلى حياة النبي ـ ﷺ ـ لوجدناها مليئة بالنماذج والصور المشرقة التي نأخذ منها القدوة والأسوة.

 

قال ابن حزم: مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه)

 

وسرد وكيل كلية أصول الدين صورا من مجالات الأسوة في حياته ﷺ:

 

أولا في مجال العبادة: 

 

نبينا صلوات ربي وسلامه عليه هو أعبد الخلق للخالق، وأخشاهم وأتقاهم، لذا كانت عبادته وطاعته ـ ﷺ ـ دستورًا للسالكين وسراجًا للعارفين، فهو يقوم وينام ويصوم ويفطر؛ وذلك لأنه أسوة لأمته في الطاعة والعبادة؛ فكان يقوم زمن راحته ووقت خلوته تقول عائشة رضي الله عنها: ((أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ) وكان ﷺ يصوم ويفطر ويقوم ويرقد قدوةً لأمته ولأتباعه ـ ﷺ ـ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَوْمِهِ تَطَوُّعًا، قَالَ: "كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا، وَمَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ، وَلَا نَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ"

 

ثانيا: في مجال التعليم: 

 

إن مهمة تعليم الناس وتربيتهم أمرٌ عظيم، حتى إنه ـ ﷺ ـ ليُوقِفُ خُطبتَه لأجل العلم، روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحه، عن أبي رفَاعَةَ العَدَوي ـ رضي الله عنه ـ قال: "انتهيتُ إلى النبي ـ ﷺ ـ وهو يخطب، فقلتُ: يا رسول الله، رجلٌ غريبٌ يسأل عن دينه لا يدري ما دينُهُ، قال: فأقبلَ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خطبتَه فأتمَّ آخرها".

 

ولئن كان الرسول ﷺ يُعلِّمُ الناس بأقواله وأفعاله، فلقد كان يُعَلِّمهم بأخلاقه وحسن تعليمه وطِيْبِ معشره، يقولُ معاويةُ بنُ الحَكَمِ السُّلمي ـ رضي الله عنه: بيْنا أنا أصلي مع رسول الله ـ ﷺ ـ إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلتُ وأنا أصلي: يرحمك اللهُ، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْلَ أُمِّيَاه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتُهم يُصَمِّتونني، لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله ـ ﷺ - فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسنَ منه، فوالله ما كَهَرني ولا ضربني ولا شتمني - قال: (إن هذه الصلاةَ لا يَصلُح فيها شيءٌ من كلامِ الناسِ، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن)؛ رواه الإمام مسلم.

 

رغم أنَّ هذا الخطأ كان من مبطلات الصلاة، فإنه لم يعنِّفْ صاحبه، ولم يُوبِّخْه، إنما علَّمه برفق وأسلوب حسن.

 

 

    وفي قصة الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي ـ ﷺ ـ وقال: (إنما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين، صبُّوا عليه سَجْلًا من ماء)؛ رواه أبو داود، وفي رواية أن هذا الأعرابي قال: "اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا"، فقال النبي ـ ﷺ ـ : (لقد تحجَّرت واسعًا).

 

قال الإمام النووي: "وفيه الرِّفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفِّهما".

 

ثالثا: تعامُل النبيّ عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته:

 

أولا مع زوجاته:

 

ففي معاملته لزوجاته، قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

 

 تثبتُ كتب السيرة النبوية كثيرًا من المواقف في تعامل النبي عليه السلام مع زوجاته؛ حيث كان لهنّ نِعمَ الزّوج من خلال المعاملة الحسنة معهنّ، ومن هذه المواقف:

 

أنه  كان حريصاً كُلّ الحرص على إدخال الفرح، والسرور على زوجاته، ويتعامل مع كُلّ واحدةٍ منهنّ بما يُناسب عُمرها، وميولها، ومن ذلك موقفه مع زوجته عائشة -رضي الله عنها-، حيث تقول: ( لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ يَوْمًا علَى بَابِ حُجْرَتي والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، ورَسولُ اللَّهِ ـصَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ يَسْتُرُنِي برِدَائِهِ، أنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ)،كما أنّه كان يُناديها بالحُميراء؛ لما فيها من معاني الدلال، والمَحبّة لها.

 

وكان أيضا حريصا على مشاورتهن: مُشاورتهنّ والاهتمام بآرائهنّ؛ فكان النبيّ يأخذ آراءهنّ في بعض أُمور الدين، والدولة، ومن ذلك مُشاورته لزوجته أُم سلمة -رضي الله عنها- في صُلح الحُديبية عندما أمر الصحابةَ بالتحلُّل من إحرامهم، فلم يقم أحدٌ منهم، فاستشار زوجته أُم سلمة في ذلك، فقالت له: (اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا)، وهذه المشورة تزرع السكن والمودّة بين الزوجَين، فينسى الرجل هُمومه، وأعماله، ويكون بذلك مُحِبّاً لأهل بيته.

 

ومن صُور المودّة، والرحمة في حياة النبيّ مع زوجاته أنّه ذات يوم دخل على صفية -رضي الله عنها- وهي تبكي، فسألها عن سبب بُكائها، فقالت إنّ حفصة عيّرتها بأنّها بنت يهوديّ، فقال لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ فبِمَ تفخَرُ عليكِ) ثمَّ قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: (اتَّقِ اللهَ يا حَفصةُ). وفي هذا الحديث تطييب لخاطرها، وبيان أنّها زوجة نبيّ، وأُمّ للمؤمنين، كما أنّها تنتسب إلى نبيَّين، هما: موسى، وهارون -عليهما السلام-، وهناك موقف آخر للنبيّ مع السيدة عائشة، حيث قال لها: (إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ)

 

ثانيا مع أبنائه: 

 

كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كثير الاهتمام والعناية بأبنائه، وقد زخرتْ كتب السيرة النبوية بمواقف كثيرة تؤكّد هذا؛ فقد جاء الحديث عن عائشة يُبيّن كيفيّة تعامل النبيّ مع ابنته فاطمة، واحترامه لها، وإكرامه إيّاها، فقد قالت: (كانت إذا دخَلَتْ عليه قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجَلَسَتْه في مجلسِها).

 

ومن مَحبّته لهنّ أيضاً أنّه كان يهتمّ بشؤونهنّ، ويحلّ مشاكلهنّ، ومثال ذلك أنّ ابنته فاطمة جاءته يوماً تشكو ممّا تجده من جهد العمل، فطلبت منه أن يُحضرَ لها خادماً، فقال لها ولزوجها: (ألا أدُلُّكُما علَى ما هو خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُما إلى فِراشِكُما، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ).

 

رابعا: حسن خلقه مع غير المسلمين:

 

لقد علم النبي ﷺ الدنيا الوفاء وحسن الشرف حتى في معاملته مع المشركين، فقد روى مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله ـ ﷺ ـ إلا أن المشركين قد أخذونا وقالوا: أتريدون محمداً؟ قال حذيفة : فقلت: لا. قال حذيفة : فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وألا نشهد بدراً مع رسول الله ـ ﷺ ـ، قال: فذهبت إلى النبي ـ ﷺ ـ فأخبرته بما قال المشركون وبما قلت، فقال النبي ـ ﷺ ـ: انصرفا -يعني: لا تشهدا معنا المعركة- نفي للمشركين بعهدهم ونستعين الله عليهم)، مع أنه في حال حرب مع أعدائه، وفي أمس الحاجة إلى كل رجل يقاتل في سبيل الله آثر رسول الله الوفاء مع الأعداء ولم ينكث العهد ولم يغدر.

 

ودعا وكيل كلية أصول الدين للدراسات العليا الي ضرورة العودة من جديد إلى رسول الله ـ ﷺ ـ؛ لنسير على دربه، فلا سعادة للأمة ولا نجاة لها في الدنيا والآخرة إلا إذا عادت من جديد إليه واتخذته أسوة وقدوة في شتى ميادين الحياة وشتى مجالاتها، وسارت على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددت مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

 

ولفت الي ان  القدوة لها اثر كبير  على الفرد والأسرة والمجتمع: 

 

إن التربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية وأكثرها انتشارا قديما وحديثاً.

 

وتعد من أهم العوامل المؤثرة في تربية الأبناء وأبرز ما يعين على غرس القيم في نفوسهم " فهم يكتسبون القيم عن طريق الملاحظة والتقليد، كما أن العديد من الأطفال يقبلون بوجهات نظر آبائهم والمهمين ممن هم في بيئتهم وذلك لأنهم يتأثرون بما يرونه من القيم الإسلامية عن طريق المحاكاة والإيحاء والاستهواء، فالأطفال منذ نعومة أظافرهم يبدأون بتقليد آبائهم وهذا التقليد دليل على محبتهم لهم.

 

فالطفل  يكون صورته عن ذاته من خلال تعامل أسرته معه لا سيما تعامل الأب الذي يشكل بالنسبة للطفل نموذجا يحاول دائما التماهي به والاقتداء بما يصدر عنه من أفعال ، وتقليد الطفل لوالده في حركاته وأقواله وأفعاله ظاهرة تعرفها مختلف الأسر، الأمر الذي يعكس حاجة الطفل إلى الأب بصفته نموذجا لسلوك يحاول أن يقتدي به ويتعود على القيام به. والحقيقة أن الطفل تابع بطبعه، فهو ينظر دائما إلى الراشد بوصفه نموذج ينبغي الاقتداء به. ولعل السبب في كثير من أنواع الانحراف والسخط لدى الطفولة، إنما هو راجع في الغالب إلى غياب النماذج الراشدة داخل أسرهم، فيضطرون حين ذاك إلى التماسها في الشارع.

 

  إن القدوة الصالحة تعمل على تهذيب الأفراد وإصلاحهم كما تجعل من المجتمع وحدة

 

مترابطة عقائدياً وشعورياً واجتماعياً وتعمق مفهوم الأخوة بين المؤمنين، وتجعل منهم

 

أمة متضامنة ذات قوة وتأثير وفاعلية إلى الأفضل في حياة المجتمع. والقدوة الصالحة رمز لوحدة الأمة وتماسكها وخاصة أمام التحديات والصعاب فتقف شامخة وهي مطمئنة لوعد الله لها بالنصر والتمكين والاستخلاف، والتربية بالقدوة تنمي محبة الناس لمن يتخذونه قدوة لهم. 

 

إن القدوة الصالحة تولد القناعة التامة بما يطرحه على الناس ويدعو إليه من إصلاحات في المجتمع، وتعمل القدوة الصالحة على سرعة الامتثال والتطبيق لكل ما هو مفيد للمجتمع، دون حرج ولا ممانعة من المقتدين.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز