محمد هيبة
شلل عقاري
في أول سبتمبر الجاري، يكون قد مر عام تقريبًا على تطبيق منظومة البناء الجديدة، التي أصدرها مجلس الوزراء، وأقرها مجلس النواب، بغرض الحد من ظاهرة البناء العشوائي، ومنع المخالفات والارتفاعات غير القانونية، وكذلك التعدي على خطوط التنظيم، وحرم الطريق، وخلافه.
وقد جاءت تلك المنظومة والاشتراطات الجديدة مع صدور قرارات وقوانين التصالح لتوفيق أوضاع العقارات المخالفة، وليكون كل عقار في المنظومة مرخصًا وله رقم وملف متكامل، وحتى الآن لم تنته لجان التصالح من أعمالها في أكثر من ثلاثة أرباع العقارات المخالفة على مستوى الجمهورية.
اليوم، وبعد مرور عام من إقرار منظومة البناء الجديدة، نجد أن الأمر على أرض الواقع "محلك سر"، فلم تتحرك المنظومة الجديدة خطوة واحدة، وأن حركة البناء قد توقفت تمامًا في سوق العقارات الخاصة، بعيدًا عن الوحدات والمدن التي تبنيها الدولة.
وكنت قد كتبت منذ أكثر من عام عن حالة الشلل المؤقت التي ضربت سوق الإنشاءات العقارية، التي يعمل بها أكثر من 2 مليون عامل من العمالة المؤقتة، وللأسف تحول هذا الشلل المؤقت إلى مستمر، ويدخل عامه الثالث بعد توقف حركة البناء وإصدار التراخيص منذ ديسمبر 2020.
والسؤال الآن، ما أسباب هذا التوقف.. الإجابة تحمل مشاكل ومعوقات عديدة، أولها أن الأرض لابد أن تكون مسجلة، ونحن نعلم والحكومة أيضًا تعلم أن 90% من العقارات والأراضي في مصر غير مسجلة، لأن عملية التسجيل مليئة بالمعوقات والمشاكل، وهي ليست سهلة وبسيطة للغاية على رأي عادل إمام في "الأفوكاتو".
الأمر الثانى المهم في هذه المشكلة، أنه لابد أن يتم التقدم بطلب الترخيص إلى المركز التكنولوجي، وعدد المراكز 282 مركزًا على مستوى الجمهورية، ثم بعد ذلك يتم إرسال الملف إلى كلية الهندسة الحكومية لمراجعة الرسوم والملف، واعتماده خلال 21 يومًا، ولا تزيد على 60 يومًا، وفي حالة عدم تطابق المواصفات يُعاد الملف مرة أخرى.
وهنا تكمن المعضلة، فقد علمت بمراجعة بعض جهات التراخيص في محافظة مثل محافظة البحيرة على سبيل المثال، أنه لم يصدر ترخيص واحد للبناء منذ أن بدأ تطبيق الاشتراطات، والسبب أنها ضمن محافظات ليس بها كليات هندسة، وبالتالي تذهب الملفات وطلبات الترخيص إلى أقرب كلية في محافظة أخرى، والأقسام المنوط بها فحص التراخيص وفق ما حددته الاشتراطات، يعد الأمر أكبر من طاقتها وطاقة أعضاء هيئة التدريس بها، وبالتالي توقفت حركة إصدار التراخيص، وهناك آلاف التراخيص تقف عند هذه النقطة ونقاط أخرى.
وفي كل خطوة يتم دفع رسوم مبالغ فيها للحصول على الرخصة، ويتحمل الرسوم حتمًا المواطن الذي يبحث عن شقة، ناهيك عن ارتفاع أسعار خامات البناء، وهناك أراضٍ كثيرة جدًا تركها أصحابها مهجورة، أو حولوها لجراجات للسيارات للهروب من كل ما سبق، وهناك الكثير والكثير مما يُقال في هذا الشأن، ولهذا يجب أن يوضع الأمر كله أمام أعين المسؤولين في الحكومة والوزارات المعنية، وكذلك لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب لبحثه، بعد أن أصبح الأمر ينذر بأزمة بعد توقف حركة البناء، وارتفاع أسعار العقارات بصورة مبالغ فيها، وأيضًا لاستيعاب العمالة المؤقتة التي تعمل بقطاع البناء، والتي يعني عملها انخفاض نسبة البطالة.