رؤوف عبيد
مساعدة الناس.. سعادة لك
بقلم : رؤوف عبيد
لا أنسى قصة حدثت معي منذ عدة سنين، حينها كنت فى الطريق، وجدت رجلا كبير السن تجاوز السبعين من عمره، وكان يتسول فأعطيته قليلا من المال، فتشبث بيدي ، وقال يا بنى إن ابني فى السجن، فتعجبت من قوله، وسألته: وماذا أستطيع أن أقدم لك؟ قال إن ابنى محبوس، ولا أستطيع أن أخرجه من السجن ، فقلت له إنك تحتاج إلى محامى ، وإن كنت فى حاجة إلى مصروفات فالأمر ميسور، رد على الرجل بتكرار كلمته ابنى فى السجن أرجوك، عندها أدركت أن الرجل لا حيلة له ، ويحتاج إلى المساعدة الكاملة، فبادرته الاهتمام وبما يقول، وأعطيته رقم هاتفي، وقلت اتصل بي وسوف أبحث لك عن محام ، وبالفعل اتصل بي الرجل ، وقلت له ما الذى فعله ولدك وأدخله السجن فكانت المفاجأة أن زوج ابنته أرغم ابنه على إمضاء إيصالات أمانة، وذلك لإرغام أخته على الرجوع إلى بيت الزوجية والتي هربت من جحيمها.
فسألته: وأين يسكن زوج ابنتك فدلني على العنوان وذهبت إلى هذا الرجل وإذا به أسوء مما قال عنه الرجل إذ طلب منى مبلغ مالي حتى يتنازل عن القضية التي حركها ضد هذا الشاب ، اتفقت معه على إعطاءه هذا المبلغ نظير التنازل الكامل عن كافة القضايا والحصول على باقي الإيصالات التي معه ، وقد مكث هذا الشاب أكثر من 6 شهور فى السجن بعيدا عن أبيه وأمه كبار السن واستلم المبلغ وأرسل معنا المحامي، وتقدم بالتنازل عن القضية وأنهينا إجراءات خروجه من السجن والتقى الأب والابن والأم وكان لقاء شابه لقاء يعقوب بابنه يوسف لقاء أبكى الدموع ، وإذا بهذا الشاب على فطرته وبه براءة تعجبت منها فإذا به شبه معاق ذهنيا ، واكتملت فرحة الأب وبعد أيام فارق الأب الحياة، وبقي الابن يجري على والدته المسنة يعمل باليومية كأجير فى إحدى شركات المقاولات ليتكسب من قوت يومه واستمرت الحياة.
ولا أحكى هذه القصة من باب المفاخرة ولكن من باب الدلالة ، فعلى الرغم من أن هذه القصة حدثت منذ سنوات إلا أن أحداثها أثرت فى وغمرتني سعادة أشعر بها إلى الآن فعندما نجحت فى تحقيق حلم صغير لرجل بسيط بمبلغ زهيد ومجهود بسيط كان لذلك واقع لامسته أن قصص أعمال الخير فى حياة الناس كثيره ونحتاج أن نبرزها حتى يتعلم من يعيش حياته لنفسه ، وأبناءه فقط ، فسيعيش ويموت ولن يذق طعم السعادة ، حتى يعلم أن سبب السعادة الحقيقية هي إسعاد الآخرين ، إن أردت أن تكون سعيدا فابحث عن سعادة الآخرين ولو بكلمة ترضى بها قلبا حزين ، وأما إن أردت أن تسعد فقط بما لديك من أموال وإمكانيات فلن تجد هذه السعادة وإن وجدتها وستكون منقوصة .
فمع سرعة عجلة الأيام تنحصر اهتمامات الفرد على أسرته فقط فهو ينشغل بأبنائه ، ويحاول أن يوفر لهم الحياة الكريمة ، ذلك مقبول ومطلوب بل فى غاية الأهمية إلا أن الأمر يحتاج أيضا إلى النظر إلى بعض الأسر المحدودة ، التي لا تستطيع أن توفر قوت يومها تحتاج إلى مساعدتك ، ومن هنا تأتى المسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع الذى تعيش فيه فأنت لا تعيش بمعزلا عن الآخرين ، إلتزم بمسئوليتك الاجتماعية تجاه هؤلاء الفقراء وأصحاب الحاجات لا تكن أنانيا، وإنما عش لك وللآخرين ، فليس النجاح أن تحقق لنفسك ما تتمنى فقط وإنما تحقق مع هذا بعض أحلام الآخرين ، وعندها ستسعد بالحياة ستشعر أن هناك من يتمنى لك المزيد من النجاح ، إنها تجربة بسيطة يمكن تنفيذها ، وستعلم مدى السعادة التي تتحقق لك عندما تقوم بها .
ويوثق ما أقول دراسة بريطانية أجراها الدكتور " أوليفر سكوت كيرى " بجامعة أكسفورد أننا نشعر بالبهجة إزاء تقديم المساعدة للآخرين ، وتشير هذه الدراسة إلى أنَّ أفعال اللطف والإحسان العشوائيَّة طريقة جيدة لتكوين صداقات جديدة بالإضافة إلى بناء علاقات اجتماعية داعمة.
وقالت الدراسة إن الإحسان إلى الآخرين بمثابة ترياق للكثير من أمراضنا الاجتماعيَّة ، ابتداء ً من العزلة الاجتماعيَّة وصولًا إلى حالات الصحة الجسديَّة والنفسيَّة الأكثر خطورة وإن الإحسان إلى الآخرين لن يُغير حياتك وحسب، بل من شأنه أن يُمهِّد لها الطريق لوضعها في الاتجاه الصحيح.
والمتأمل للشرع الحنيف يدرك كم عظّم الإسلام من ثواب إدخال السرور، ليصبح المجتمع الإسلامي باثاً للتفاؤل والقوة، مبتعدًا عن نشر الأفكار السلبية والمتشائمة، مجتمع يسعى كل فرد فيه لإسعاد الآخرين، بالبسمة والعمل وانتقاء أطايب الكلمات.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه ديناً تقضي له حاجة تنفس له كربة". صحيح الجامع وقال: "تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة". رواه الترمذي.
وفي قوله تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حتى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. آل عمران: 92، إشارة إلى أن العطاء والإحسان هو طريق البر ورضا الله، فالجزاء من جنس العمل، والإنفاق يشمل الأمور المادية والمعنوية.