عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لمصر لا لوزير التعليم

لمصر لا لوزير التعليم

بقلم : طارق رضوان

عندما دقت أجراس المدارس فى يومها الأول بطول مصر وعرضها. دقت طبول الحرب المعدة مسبقا . هجوم مكثف منذ اللحظة الأولى على التعليم. حرب شاملة. بداية من الوزير ومرورا بالمناهج الدراسية ونهاية بالمدارس والفصول والطلبة. استخدم الأعداء والخونة والجهلاء كل الأسلحة الممكنة للنيل من التعليم ومن الوزير. التعليم وحده ليس الهدف. الهدف هو الدولة .



اتفقنا أو اختلفنا على نهج وزير التربية والتعليم فى إدارة الوزارة وفى إدارة منظومة التعليم ككل. إلا أنه أحدث حركة وتحركاً. اهتز التعليم. ذلك الكيان المهترئ الرخو الثقيل الساكن لعدة عقود. أضاف الوزير فكرا جديدا كانت نتيجته تحركاً ما الى الامام. عجلة دارت. لم تكن حركة التربية والتعليم وحدها هى ما تقوم به الدولة. بل هى حركة كبيرة وشاملة نحو البناء.

التعليم والإسكان والنقل والصحة . بما يعنى ان الدولة الراكدة الرخوة انتهت. وهناك دولة جديدة تتحرك للأمام . حركة مضادة لكل كرتيلات الفساد والمصالح الخاصة. حركة عنيفة بعد سكون طويل. وهو ما يخيف ويقلق أطرافا كثيرة ضد مصر.

دول وأجهزة استخبارات وخونة من الداخل وأصحاب مصالح. مصر عندما تتحرك للأمام تكون حركتها مدوية مخيفة لأعدائها ولأصدقائها فى آن وأحد. وقطاع التعليم احد تحركات الدولة. وضع وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى خطة لمستقبل التعليم – وهو وزير من الكتلة الصلبة فى الدولة -  يمكن مناقشتها والاختلاف معها. ولأى خطط فى أى دولة لها صد ورد. لها مؤيد ولها معارض. لكنها خطط قابلة للتنفيذ أو أجزاء كثيرة منها قابلة للتنفيذ. ومع التجربة العملية يمكن تأجيل بعض بنودها لوقت تسمح فيه الظروف لتطبيقها لو ثبت جدواها. خطط الوزير افسدت كثيرا من المصالح لدى مجتمع محدد وهو مجتمع الليبرالية الجديدة. وما حدث من هجوم على الوزير وعلى التعليم ليس بالطبع من أجل مصلحة الأمة أو من أجل الإصلاح. بل هجوم من أجل وقف حركة الدولة. وهو هجوم يكشف لنا بوضوح أن الليبرالية الجديدة هى حقا رأسمالية منزوعة القفاز. تمثل عهدا أصبحت فيه قوى رجال الأعمال أعتى وأكثر عدوانية . وتواجه مقاومة أقل تنظيما من أى وقت مضى . وهى تحاول فى هذا المناخ العام الجاهل سياسيا وفكريا تقنين سلطاتها السياسية على كل الجبهات الممكنة . وتجعل من الصعب جدا تحدى رجال الأعمال . بل تجعل من المستحيل على القوى الديمقراطية والمناهضة لهم الاستمرار فى الوجود.

يمكن أن نرى هذا بالتحديد من خلال اضطهاد الليبرالية الجديدة للقوى المناهضة للسوق كيف أنها تعمل ليس كنظام اقتصادى فقط. بل وكنظام سياسى وتعليمى وثقافى أيضا. والتعليم أحد اهم أدوات الليبرالية الجديدة. بما يحققه من مكاسب ضخمة وتأثير كبير وفعال فى المستقبل  وهو الهدف فى خططهم. التعليم لتلك الطبقة مشروع مثمر وواسع الربح لو ترك فى اياديهم . كما انه مجال خصب وقوى التأثير فى عقول قادمة.

وعندما تتدخل الدولة بمشاريع وخطط لتطويره فإنها تزاحم مصالحهم رغم أن الدولة غير هادفة للربح فى ذلك المجال. بل هى تضع ميزانية ضخمة لتطويره وتحديثه من ميزانيتها السنوية. لكن طبقة الليبرالية الجديدة بما لها من أسلحة متعددة فى السوشيال ميديا ووسائل الإعلام المختلفة والتابعين المتربحين منها تريد الاستحواذ الكامل على هذا القطاع بما يمثله من أهمية اقتصادية واجتماعية وسياسية. فالفلسفة الليبرالية فى التعليم كما فى غيره تشيع أن الديكتاتورية والتسلط والإرغام وتقليص الحريات لا تأتى كلها إلا من مصدر واحد هو الدولة. لذلك فهى تفترض أن الحرية والاستقلال فى الرأى لا بُدَّ أن يتزايد مع كل تقلص فى دور الدولة. لكن سلطات الشركات التجارية وفتح الأسواق لكل السلع المستوردة – بما فيها التعليم – الذى أصبح سلعة رائجة لاصحابه.

هى الحرية والطريق الصحيح للديمقراطية. فى حين أن تسلط الليبرالية الجديدة والإرغام على أسلوبها ونهجها تستخدم أسلوباً ناعماً وملتوياً ومستتراً. وهو يحول الناس إلى قطيع مسالم ومطيع وهو الخطر الأكبر. ذلك الاسلوب كما هو العادة مستتر فى كلمة حرية السوق والديمقراطية. لكن حقيقة الامر أن الديمقراطية لكى تكون فاعلة لا بُدَّ وان يشعر الناس بالصلة مع بعضهم البعض وان تعكس هذه الصلة نفسها فى مجموعة من المنظمات والمؤسسات التى لا علاقة لها بالسوق.

فالثقافة السياسية الحية تحتاج إلى جمعيات أهلية ومكتبات عامة ومدارس عامة ومنظمات إحياء وجمعيات تعاونية وأماكن للاجتماعات العامة وجمعيات تطوعية ونقابات كى تتاح السبل للمواطنين للاجتماع والتواصل والتفاعل. وكلها صناعة الدولة.

إلا أن الليبرالية الجديدة بمفهومها أن (السوق فوق الجميع) توجه السهام إلى هذا القطاع. وبدلا من أن تنتج مواطنين. تنتج مستهلكين. وبدلا من إنتاج مجتمعات. تنتج أسواقا ومراكز تجارية. والحصيلة النهائية لكل ذلك هو مجتمع مفتت من أشخاص لا منتمين يشعرون بالإحباط والعجز الاجتماعى.

الهجوم على التعليم منذ اللحظة الأولى لانطلاقه سيمتد إلى كل قطاع تقوم الدولة ببنائه أوتطويره من جديد تحت مظلة رأسمالية الدولة التى يتبعها الرئيس عبد الفتاح السيسى. فالتقدم فى مجال التعليم فى دولة تعانى من الأمية والتقدم فى مجال الصحة فى دولة تعانى من أمراض متعددة تنهش فى جسد شعبها يعنى ان الدولة جادة فى البناء. يعنى ان هناك تحركاً إلى الأمام لبناء المستقبل.

لذلك سنجد هجوما ضاريا على القطاعين التعليم والصحة. فالاستثمار فى هذين القطاعين يجنى أموالا طائلة وله أهداف سياسية متعددة. وتلك الطبقة ترى أن الدولة عليها ان لا تتخلى عن أربعة اشياء ولا تملكهما وهى.

المدارس والمستشفيات والمصانع والإعلام. أى أن الدولة لا تمتلك مفاصلها وأعمدتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أى بصريح العبارة لا تملك مستقبلها. وبتخلى الدولة عن تلك المفاصل يعنى ان مستقبلها اصبح مباحا للعبث فيه من كل الاطراف. يبنون المدارس والجامعات بطريقتهم الخاصة بمناهج خاصة للعمل فى شركاتهم العابرة للقارات والباقى يذهب إلى الجحيم. لذلك تجد أن خريجى الجامعات المصرية الأهلية فى آخر طابور طلبات العمل. أو بلا عمل مناسب. وفى المقابل تحركت تلك الطبقة  لإيجاد عمل بديل لهؤلاء.

فاطلقوا (التوك توك ) فى كل شوارع مصر. بديلا سهلا للتربح الخدمى وهو أحد مناهج الخطط للقضاء على الدولة بمفهومها القديم. إنها خطط ممنهجة بدأت فى عصر الدولة الرخوة. وجدوا فيها مناخا مناسبا يسمح بتنفيذها.

لكن الدولة الآن متيقظة وحذرة وجادة فى بناء دولة قوية وهو ما ظهر بوضوح فى تطبيق نظامها الاقتصادى برأسمالية الدولة . بدأت خططها بشكل شامل فى مجالات الإسكان والنقل والطرق والصحة والتعليم.

أى بناء شامل لدولة جديدة . دولة قوية . وللبناء ثمن . وثمن هذا البناء هو الهجوم الضارى والحرب الشاملة التى تتعرض لها الآن . وكلما تقدمت الدولة خطوة للأمام زاد الهجوم بشتى الأسلحة . أسلحة الشائعات والتزوير فى الصور والفيديوهات التى تبث عبر سلاحهم الأقوى والأشرس وهو السوشيال ميديا . لكن الدولة مستمرة والخطأ وارد فى العمل والتطبيق . الرئيس لم يتسلم دولة متقدمة بل تسلم دولة مهترئة مهلهلة رخوة يسودها الفوضى وعدم الاستقرار . وهو يبنى . والله معه . ونحن معه .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز