عاجل
الجمعة 1 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
رفقاً بالأزهر الشريف!

رفقاً بالأزهر الشريف!

بقلم : د. أحمد الديب

الذين لا تهديهم فطرتهم قبل ديانتهم أنه لا أبشع ولا أكثر جرماً من الذي تسول له نفسه بأن يقتل نفسا أحياها الله لا بد لهم أن يراجعوا انسانياتهم . ولأن الدين يضفي علي الإنسانية المجردة نوعاً من الإنضباط ، فلا يوجد ما يمكن الاستشهاد به في هذا الإطار أبلغ واوقع من الآية رقم ة32 من سورة المائدة " .....مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ."



في خبر أوردته جريدة الشروق بتاريخ 22/4/2017 بعنوان"حماة الأبقار الهندوس يعتدون على أسرة مسلمة في شمال الهند

"... نص علي إصابة خمسة أشخاص من أسرة بدوية مسلمة، من بينهم طفلة، 9 سنوات، في هجوم من قبل حماة الأبقار شمال الهند، بسبب الاشتباه في أنهم ينقلون الماشية لذبحها ، و قد قتل أوائل هذا الشهر في هجوم مماثل بولاية راجستان شمال غرب الهند.

هذه الأحداث وغيرها في سلسلة من الحوادث هنا أو هناك، تدلنا فيما تدلنا وللأسف علي أن لغة التطرف والعنف أصبحت هي اللغة السائدة ، وأسوأ ما في الأمر أن من يقومون بهذه الأفعال الإجرامية من أي دين كان يدعون أن دوافعهم دينية أو أن الله أمرهم بها ، ولا يعلم المجرمون الجهلة ، أو يعلمون ويدلسون أن الله لا يأمر بالسوء! وأن الذين يأمرونهم بالسواء ما هم إلا شياطينهم.

إن الديانة الهنوسية التي أفرزت فكر هؤلاء الموتورين هي التي أفرزت فكر غاندي ، والإسلام الذي أفرز الإمام عبد الحليم محمود هو الذي أفرز أبا بكر البغدادي ، والمسيحية التي أفرزت هتلر هي التي أفرزت مارتن لوثر كنج.

من المدهش حقاً بل إنه من الصادم أن يلصق بعض الإعلاميون حوادث الإرهاي الاثيمة بالأزهر الشريف ، بل إن أحدهم قدد قرر أن الازهر قد مات وبلغة غير مسؤولة قال إن الازهر خلاص بخ ، الازهر خلاص بح . ويتهم بعض أصحاب المنابر الغعلامية مناهج الأزهر بأنها المناهج التي تدعو غلي القتل والإرهاب وترويع الآمنين شأنهم في ذلك شأن قناعات داعش والتي ولا ريب أول المستفيدين من تدمير الأزهر الشريف دعماً لأجندتهم الخبيثة.

مناهج الأزهر الحالية هي هي المناهج لتي لمع في ظلها محمد عبده ورفاعة الطهطاوي والمراغي وعبدالحليم محمود ومحمود شلتوت وجاد الحق علي جاد الحق والشعراوي الذي كان وزيرا ، والذين كانوا منذ وقت قريب في نظر الإعلام دعاة الوسطية والاعتدال بل أن بعض المنابر الإعلامية والدعوية كانت و منذ فترة قصيرة تتحفظ علي  أشعرية الأزهر وصوفيته . يحتاج  الأزهر حقاً إلي التطوير لكنه التطوير الذي يحافظ علي متن التراث الإسلامي الفكري لا التطوير الذي ينسفه .    

قد يطعن طاعن في هذا الدفع ليس موضوعياً بحيث لا يدعو إلي تأمل المناهج ومناقشتها ،ولاننا لسنا بصدد تفنيد المناهج في مقال قصير ، وحتي لا ندخل في دائرة الرأي والرأي الآخر، وهي دائرة الجدل التي لا تنتهي ، دعونا نكون أكثر عملية بأن نعرج إلي مسألة الدعوة إلي علمنة الدولة والتي تعني عند دعاتها أنه لا ينبغي أن يكون ثمة تعليم ديني في مصر ، وهذا هو الخطر بعينه لأن العلمانية وإن دأب مؤيدوها المنفتحون نسبياً علي طرحها بأنها ليست ضد الدين أو بديل عنه أصبحت كلمة سيئة السمعة خصوصاً في أوساط العامة الذين يعتبرونها رجس من عمل الشيطان. 

ثمة نقطة جوهرية أخري ونحن لا زلنا نتحدث عن دعاوي علمنة الدولة وهي التي تطلق السؤال وهو الذي يدور حول ماهية الدولة من حيث كونها علمانية أم دينية ، فإن قلت أن الدولة دينية ويجب علمنتها ، فماذا تقول في منظومة القوانين الوضعية اللا دينية قولاً واحداً ، أما الذين يدفعون بأنها دولة علمانية ولا بد من إلباسها لباس الدين ، فماذا تقول عن المادة الثانية من الدستور ، وعن المساجد التي تصدح مآذنها وعن إحتفال الدولة الرسمي بليلة القدر وغيرها من المناسبات الإسلامية وبعيد الميلاد وغيرها من المناسبات المسيحبة . 
  
وهكذا تأخذك الحيرة بعيداً لتلقي بك إلي حيث اللارجوع , وهناك تستطيع أن تتأكد من أنه لا سلطان للأزهر وإن حاول المحاولون أن يلصقوا تهمة الإرهاب به . الأزهر يعاني من مرحلة ضعف أجدها الأكثر حدة منذ إنشاءه مع كامل الإحترام لقياداته وكل المنتسبن إليه ، ولكن الإحترام والتقدير لا بد أن لا يغرينا بأن ندفن رؤوسنا في الرمال . هذا الضعف الاستثنائي والذي أتمني ان يكون عابراً ووقتياً ، يكمن علي ما أري في إطار إداري كأي مؤسسة لا تحتاج في إدارتها "وهذا رأي كاتب هذه السطور" إلي الأقدمية أو حتي الدرجة العلمية السامية بقدر ما تحتاج "كمؤسسة" إلي الوعي الإداري والقدرات التنفيذية والرؤي الثاقبة ، والتي يستطيع من خلالها الأزهر أن يضطلع بدوره في مجابهة تحديات جمة داخلية كانت أو خارجية أولها ولا شك الحفاظ علي هذا الكيان العظيم بالتوازي مع تصميم خطاب ديني ليس مدفوعاً من هنا أو هناك لكنه خطاب الإسلام الحقيقي . 

هذا الخطاب الديني المصصم والمدار بلغة علوم الإدارة وغيرها من العلوم الحديثة لا بد ألا يكون دافعه الدفاع عن الإسلام فالإسلام يدافع عن نفسه ولا يحتاج من يدافع عنه ، وإنما دافعه الحقيقي هو تشخيص الوضع الحالي بدقة ثم صياغة خطط قوامها إعادة صياغة الوعي وتحركات حثيثة علي المستويين الداخلي والخارجي  وأن يعي وبحق حجم التحديات الرهيبة التي تهدد الأزهر كمؤسسة عظيمة وما يحاك لها من مكائد ثم الوقوف علي الأزمة العالمية التي يحل فيها التطرف محل التوسط ، ولغة القتل وإراقة الدماء محل لغة الحوار وتفهم الآخر ، وتحل أصوات طبول الحرب القميئة محل ابتهالات وترانيم السلام. 

إياكم وتدمير الأزهر الشريف او حتي تهميشه ، هل تريدون أن يخرج الجرزان من جحورهم ليشكلوا بديلاً عن هذه المؤسسة العريقة الوطنية المنضبطه . لقد أصبحت مهنة الداعية مهنة من لا مهنة له ، وأصبح السطحيون وقليلو العلم والرؤية والثقافة "باستخدام أكثر الاوصاف انضباطا"ً هم نجوم الفضائيات الآن ، ولولا رجال أزهريون ذوو علم  ومنهج منضبط يضطلعون بالرد علي الترهات ومناقشتها بالحسني والحجة والمنطق  لتفاقمت الظاهرة وصرنا في مهب الريح . 
       
لم أكن أزهرياً يوماً ما ، فهذا شرف لا أدعيه ، كما أنني لا أتكلم باللغة الاكاديمية والتي لم تعايش الحقيقة الواقعة علي الأرض بأي حال ، لقد كان أبي أزهرياً ، ولم أعايش منه أو من صحبه ، الأزهريين الفضلاء أي صدام أو تطرف أو مغالاة تجاه شركاء الوطن لا علي مستوياللغة أوالممارسة ، بل أستطيع الجزم بأن هذا الجيل الذي تلقي مناهج الأزهر وأجيال سبقته  هي الأجيال التي تعايش في ظل فكرها ومنهجها وخطابها شركاء الوطن الواحد جيراناً وزملاء وأصدقاء بحق ، إلا في حوادث شتي هنا أو هناك لا ترتقي لأن تكون من الظواهر، مغلفة بالعصبية أحياناً وبالجهل أحياناً أخري ، كالتي تحدث خارج السياق بين أبناء العائلة الواحدة.فكفوا أيديكم عن الأزهر الشريف يرحمكم الله .
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز