سعاد عزيز
خياران و نهاية واحدة
بقلم : سعاد عزيز
منصب الولي الفقيه، الذي هو بموجب نظام ولاية الفقيه الذي وضعه الخميني بناءا على بعض الاراء الفقهية غير المعتد بها و التي ليس هناك من إجماع واضح عليها، منصب حساس و خطير لأنه يعتبر نائبا للأمام المهدي المنتظر"ع"، في فترة غيابه و بالتالي فهو مخول بإمتلاك الصلاحيات و السلطات المفوضة له شرعا.
هذا المنصب الذي کان مصانا في عهد الخميني بصورة خاصة و الى سنوات قريبة بصورة عامة، لايبدو ان الهالة المقدسة التي أحيطت به بالاستناد الى طروحات نظرية الفقيه، ستستمر على سابق عهدها، بل وأن هناك دلائل و شواهد تؤکد بأن هذا المنصب قد بات في الصورة و بات عرضة للنقد و الامتهان و التناول من مختلف الجوانب.
عندما قضى الخميني نحبه في 3 يونيو حزيران 1989، بدأت حرکة غير عادية في اوساط النظام الايراني قادها و أشرف عليها هاشمي رفسنجاني و کانت تهدف للإعداد لنصب علي الخامنئي خلفا للخميني، خصوصا وان هناك الکثير من القواسم المشترکة العظمى بين هذين الشخصين السياسيتين ولاسيما في موضوع الاطاحة بنائب الخميني آية الله المنتظري الذي کانت له آراء عقلانية و منطقية و معتدلة فيما يتعلق بالکثير من الامور و المواضيع المهمة و الحساسة کالموقف من منظمة مجاهدي خلق و من أهل السنة و المجتمع الدولي، ولاريب من أن الخامنئي لم يکن يمتلك المؤهلات و الصفات و الشروط التي تؤهله لکي يحوز على هذا المنصب، لکن و تماما مثل الذي جرى بعد وفاة حافظ الاسد و المسرحية المفضوحة التي جرت من أجل تنصيب ابنه بشار الاسد، فقد جرى أمر مشابه لذلك، والحق أن الذي جرى في دمشق بعد وفاة الاسد الاب کان مستوحى و مأخوذا و مستنسخا من الذي جرى في طهران بعد موت الخميني.
منصب الولي الفقيه الذي کان الخميني يشغله حتى وفاته، لم يکن من الهين أن يشغله شخص مثل الخامنئي، فهو لا يمتلك شخصية و لا خلفية و لا ماضي شبيه او حتى قريب من الخميني، ولذلك فقد کان واضحا ومنذ البداية أن خامنئي لم يشکل أمام أرکان النظام حصنا حصينا او منيعا و لا قلعة لايمکن الوصول إليها بسهولة، لکن الخامنئي و بالاستناد على الصلاحيات و السلطات المطلقة المفوضة إليه بموجب منصبه"الاسطوري"، قاد المعرکة ضد مناوئيه أو کل من يتربص به کيدا او شرا، ولذلك فإن خصومه او المختلفين معه إضطروا لکي يلتزموا جانب الصمت او القبول على مضض للأمور في إنتظار تطوارت و تداعيات الاوضاع.
لاغرو ان مختلف المراقبين و المتابعين و المختصين بالشأن الايراني، کانوا يتوقعون أن يکون الشخص الوحيد المؤهل لقيادة حملة الرفض و المخالفة بوجه خامنئي، هو هاشمي رفسنجاني فقط دون غيره لأسباب مختلفة أهمها أن کلاهما قد إشترکا في مختلف ألاعيب و دسائس و مکائد النظام، لکن، ولأن خامنئي قد تمکن من الامساك بتلابيب رفسنجاني عندما نجح في جمع حصيلة کبيرة من نقاط الضعف المسجلة ضده، ولذلك فإنه لم يکن أمام رفسنجاني سوى الرکون للصمت و القبول بالعيش في ظلال صديقه و خصمه في آن واحد، لکن هذه الصورة الوردية المخملية لم تدم طويلا لخامنئي ذلك أن أوضاع و ظروف إيران غير المستقرة و الحرجة و المتغيرات الدولية و التداعيات الناجمة عنها، قد دفعت بالاوضاع في إيران الى مفترق حساس و استثنائي بحيث إشتبك حابل النظام بنابله و إنقلب عاليه على سافله مما دفع بالولي الفقيه لکي ينزل من عليائه و يکون طرفا من تلك الاطراف المتصارعة في سبيل تحديد صورة المشهد الايراني خلال المستقبل المنظور.
وصول محمود أحمدي نجاد، ذلك الرجل المتطرف فکريا و مذهبيا الى منصب رئيس الجمهورية، وهو الذي شارك في قضية الهجوم على السفارة الامريکية و احتلالها في بداية الثورة الايرانية و کذلك مايتذکره مصادر موثوقة عن مشارکته ميدانيا في عملية إغتيال عبدالرحمن قاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الکردستاني الايراني في فينا في الثمانينيات من القرن الماضي، لم يکن بذلك الحدث العادي الذي يمکن أن نمر عليه مرور الکرام.
أحمدي نجاد، والذي جسد و منذ اللحظات الاولى لتسلمه منصب رئاسة الجمهورية"الشکلي"، انه من المحسوبين على الخط المتطرف و المحافظ جدا للنظام، تميز بمواقفه و تصريحاته المثيرة و الملفتة للنظر، والتي کانت لها أصدائها و إنعکاساتها على الصعيد الدولي، جاءت الايام و مرت الاحداث لتؤکد بأنه ليس کسلفيه رفسنجاني و خاتمي من حيث مواجهتهما و إختلافهما مع الولي الفقيه، بل انه من طينة أخرى لاتهاب و لاترتهب من قدسية منصب خليفة الخميني وانما يسعى بصورة او بأخرى لتخطيه و تجاوزه او على الاقل الوقوف کند ازاءه.
التصريحات و المواقف المتبادلة الاخيرة بين أحمدي نجاد و مرشد النظام الايراني، أعطت إنطباعا واضحا من أن سياق الامور في إيران بات يسير بإتجاه جديد غير مسبوق أو حتى مألوف، وهو يبين الى أي حد و مستوى حساس و بالغ الخطورة قد وصلت مسألة الصراع و المواجهة بين أجنحة النظام، وحتى يمکن إعتباره مفترق حاسم قد يقود الى قيام وضع جديد ولکن قلق في إيران قد لا يدوم طويلا و يتمخض عن تغيير جذري في بنية النظام.
ان تطور الصراع و الخلاف الدائر بين أجنحة النظام الى المستوى الخطير الحالي، ناجم عن أن النظام قد فقد روح المبادرة و لم يعد يملك المزيد من الاوراق و الاحتياطات المؤثرة لکي يلعبها من أجل إيقاف تردي الاوضاع، وأن وصول النظام الى هکذا مفترق خطير يکاد أن يشبه نفس المفترق الذي وصله أبان الحرب العراقية ـ الايرانية حيث إضطر الخميني و بعد أن أسقط في يديه و لم يعد أمامه من أي مجال، للقبول بقرار مجلس الامن الدولي الخاص بوقف إطلاق النار و الذي کان يرفضه قبل ذلك بشدة و يعتبر بأنه"لامعنى للسلام بين الاسلام و الکفر"، وان الموقف الحالي للنظام يکاد أن يشبه نفس ذلك الموقف تماما، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن المرشد الحالي لايمتلك أبدا شخصية الخميني و لا الکاريزما التي کان يتمتع بها.
لقد وصل نظام ولاية الفقيه الى مفترق القرار الحاسم مرة أخرى، والمطلوب منه دوليا هو التخلي عن برنامجه النووي طبقا لما هو مطلوب منه بعد الاتفاق النووي الذي شهد تجاوز کافة الخطوط الحمراء التي وضعها خامنئي أمام الاتفاق قبل أسبوع من توقيعه، وقطعا أن قرار التخلي عن هذا البرنامج جانب خامنئي ليس إطلاقا کقرار الخميني بالقبول بوقف إطلاق النار مع العراق و تجرعه کأس السم کما وصف بنفسه ذلك الامر وقتئذ، فقرار المرشد الحالي بالتخلي عن البرنامج النووي يعني فتح باب لايمکن إغلاقها و يؤدي الى فتح عشرات الابواب الاخرى بوجه النظام، ومن هنا يمکن إدراك خطورة و حساسية هذا القرار الصعب، لکن علينا أن نعلم أيضا بأن عدم قبول المرشد بذلك القرار الصعب يعني اعلانه الاستمرار في المواجهة ضد المجتمع الدولي، وهي مواجهة بات معلوما و واضحا جدا أن النظام لايمکنه أبدا من الاستمرار بها الى أجل غير معلوم، وفي کل الاحوال فإن النظام قد وصل الى طريق مسدود او بتعبير أدق بلغ نقطة اللاعودة و هو أمام خيارين کلاهما يقودانه نحو مصير غير معلوم، انها النهاية، النهاية التي طالما تهرب منها هذا النظام!
* کاتبة مختصة في الشأن الايراني.