![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![أطباء..... لا ملائكة](/Userfiles/Writers/4068.jpg)
د. أحمد الديب
أطباء..... لا ملائكة
بقلم : د. أحمد الديب
يلعب الطبيب دوراً محورياَ ليس فقط في مضمار تقديم خدمة صحية متواكبة مع التطور العلمي والتكنولوجي والجودة السريرية القائمة علي الدليل ،بل تتعدي ذلك لتحقيق التوازان بين تقديم الخدمات الطبية اللائقة ذات الجودة العالية والحد من إهدار الموارد وترشيد النفقات ودوره في رؤية العلاقات المختلفة بين عمليات النظام و تشخيص مشكلات جودة الرعاية الصحية والمساهمة في حلها .
أخبار الأطباء المتهمين في تجارة الأعضاء ليست أخباراً جديدة ، وكذا أي خبر يتناول خرق الطبيب للقانون وضربه بقسم الطبيب عرض الحائط لا يُدهش أحداً ، لا لسبب غير أن الأطباء ليسوا ملائكة ، ما هم إلا بشر ذوو خطأ وصواب ، فأما من أخطأ وخرق القانون والأخلاق والعرف فليس بمفازة من العقاب ، ولن يقف عاقل في يوم من الأيام مشهراً أسلحتة دفاعاً عن الخطأ ، إنما هو الدفاع عن السواد الأعظم من الأطباء الذين يحترمون مهنتهم ويسمون بها ، عن الأطباء الذين يخففون الآلام بحق ويضمدون الجروح ويوقفون النزيف ، الأطباء الذين هم بعض أسباب الله لإسعاد البشر عن طريق علاجهم أو وقايتهم.
إنها لحقاً جريمة شنعاء أن تُستغل آلام الإنسان ومرضه في تحقيق مكاسب شخصية وتحقيق الربح ، لا تقل شناعة عن جرائم الإهمال الطبي بمختلف أشكاله ، كما لا تقل عن جريمة الاهتمام بالعيادات الخاصة وأن يضرب بمستشفيات الفقراء عرض الحائط . لكنها آفات فئة بعينها ومن الظلم المجحف تعميمها لتكميم أفواه الأطباء تارة ، ولتحويل الأنظار عن النقص الحاد في أدوية شديدة الأهمية كأدوية السكر والقلب والفشل الكلوي تارة أخري .
فقط وسع دائرة رؤيتك لتكتشف أن كل مهنة بها الصالح الذي يستحق التقدير والثناء والطالح الذي لا بد من إيقاف فساده بتطبيق القانون الصارم عليه . أعلم حساسية مهنة الطب وما لها من خصوصية تدفع الرأي العام والإعلام وباللغة العامية أن "يمسك للأطباء علي الواحدة" . ولكن لماذا لا تكون هذه الحساسية وهذه الخصوصية دافعاً لإصلاح شأن الطبيب فيما يخص تعليمه وتدريبه ودخله الشهري ؟!.
من قال أنهم ملائكة ، إنهم بشر ولا أري لمهنة الطب فضل علي سائر المهن ولا أعترف بالنرجسية البغيضة . كل ما هنالك هو أننا لا يمكن أن نحاسب الطبيب علي الهفوة فنقرعه بعصا العقاب دون أن نقدم له جزرة الثواب ، والتي تتمثل في حياة كريمة وموقع اجتماعي لائق و مخصصات مالية مناسبة تغنيه عن الشطط ، فما إن توفرت تلك الجزرة فلن يكون هناك بد من تطبيق القانون عليه وعلي غيره في حال الإنحراف ، والإنجراف إلي ممارسات لا تليق بمهنته خصوصاً كما انها لا تليق بأي فرد من أفراد المجتمعات الصالحة عموماً.
لا أدري في الحقيقة من أين بدأت الفجوة وكيف بدأت ، ومن الذي يجوز له أن يدعي المظلومية ، المجتمع أم الطبيب . المجتمع الذي منح الطبيب لقب حكيم هو ذاته الذي نزعها منه . غفل الطبيب عن دوره المجتمعي جامعاً للمال أسوة بغيره من أقرانه من أبناء المهن الأخري .أليس من حقه أن يحيا حياة كريمة لم تتوافر له؟ ، أم أنه ما كان ينبغي له أن يفعل ذلك وأن يترفع ويسمو فوق الماديات ويستشعر سمو مهنته وأخلاقياتها أم أن هذا لا يتعارض مع ذاك بحيث يستطيع الطبيب أن يجني المال الوفير دون المساس بحق مرضاه ومجتمعه ووطنه؟. الحقيقة أن أحداً لا يمكن أن يحتكر الإجابات ،وأن كل ما يمكن طرحه لا يتعدي كونه فرضيات
الحقيقة أن الطبيب الذي بدأ رحلة معاناته مع أول قدم وطأت كلية الطب ثم استمرت هذه المعاناه ولن تنتهي قد أصابه الفصام ما بين كيف ينظر لنفسه وكيف تنظر الدولة إليه ،فبينما ينظر الطبيب حديث التخرج لنفسه بأنه من الصفوة علمأ ومكانة وهيبة تعتبره الدولة موظفاً من الدرجة الثالثة وها هي مفردات مرتبه يكاد كل بند فيه أن يقتل كل امل حافظ عليه خلال السنوات السبع.
أي محاولة لإصلاح الرعاية الصحية او ترميمها لا تكن من أولوياتها حل جذري لمعاناة الأطباء هي محض هراء ، فالطبيب هو حجر الزاوية في هذا النظام، ليس فقط من خلال القرار الطبي المعني بإتخاذه ولكن أيضا بفضل دوره القيادي ومشاركته الجماعية في توفير خدمة صحية عالية الجودة .بيد أنه يستحيل أن يكون للطبيب دور فاعل وإسهام مشرف في النظام العام للرعاية الصحية وجودة مخرجاته دون أن يتلقي هو ذاته تعليماً طبيا حديثاَ وذا جودة عالية قوامه موائمته للأهداف العامة المستقبلية عن طريق توحيد مخرجات التعلم والكفاءة وتوفير خيارات التخصص والبحث العلمي والتدريب المستمر .أما تنمية القيم المهنية، والإجراءات، والتطلعات فيجب أن تكون العمود الفقري للتعليم الطبي.