محمد نجم
خرج القطار من المحطة!
بقلم : محمد نجم
سؤال: ماذا تفعل لو شب فى منزلك حريق؟
أو لو قاعد على الشاطئ وشاهدت فى البحر غريقا؟
لا جدال أن التصرف الطبيعى والمتوقع أن تسارع بإطفاء الأول أو إنقاذ الثانى قبل أن يموت، مستعينا فى ذلك بقدراتك الخاصة وما تملكه من أدوات، وإن لم تتمكن بمفردك من تحقيق الهدف.. فسوف تسارع بطلب المساعدة من الجيران أو الآخرين، خاصة «الجهات» التى لديها خبرة فى مواجهة مثل هذه الحالات.
أعتقد أن هذا «تصرف» العقل والمنطق وما جرى عليه العمل فى السابق.. وسوف يستمر إلى ما شاء الله.
ولكن يبدو أن عندنا فى مصر.. الأمر مختلف، فلدينا مجموعة من «الرجال» المؤمنين بقيمة العمل الجاد وأهمية بذل الجهد المطلوب لمحاولة حل المشاكل التى تواجه المجتمع، بينما هناك مجموعة أخرى تشاهد وتنتظر النتائج لتحسم أمرها فى الانضام لفريق المهنئيين أم الشمتانين.. لا قدر الله!
وهذا أمر طبيعى.. بين البشر.. ولكن المشكلة أن هذه المجموعة تحرم المجتمع- ولو مؤقتا- من جهودها التى يمكن أن تكون إضافة مطلوبة.
ولكن الخطورة فى المجموعة الثالثة.. وهم مجموعة «عواجيز الأفراح» الذين لا يرحمون ولا يريدون أن تنزل رحمة ربنا على عباده!، فهؤلاء- وللأسف- يحاولون عرقلة محاولات المجموعة الأولى «الرجال» فى التصدى للمشاكل والعمل على حلها، وربما يكون سبب اتخاذهم هذا الموقف.. هو «العجز» أى ليس لديهم ما يقدمونه للمجتمع سوى محاولة التواجد والظهور الكاذب من خلال الانتقاد والمعارضة.
أو قد يكون ذلك لأسباب شخصية أو سياسية بمعنى أنه «حاقد» بسبب طرده من منصبه لفشله أو لأنه لم يحصل على ما يريد من مال أو منصب؟.
وهؤلاء يتعاملون مع البلد.. وكأنها «أنجر» فتة، حيث يحصل البعض على ما تطوله يده من هذا الأنجر سواء كان ذلك عن حق أو باطل.
أما الأسباب السياسية.. فمعروفة وأحيانا ما تكون منطقية.. حيث إن هناك أعضاء فى حزب معارض ومتطلع إلى السلطة، فمن الطبيعى أن يركزوا على أخطاء الحكومة وينتقدوها، وقد يصل الأمر- للأسف- إلى تمنى فشلها!
هذه هى خريطة المجتمع المصرى حاليا، والتى تعرضها وتكشف عنها وسائل الإعلام المختلفة المطبوعة. والمسموعة والمرئية.. أو على شبكة الإنترنت.
فقد قرأت ورأيت طوال الأسبوع الماضى مقالات ومداخلات أسود من «تفل» الشاى، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات بين الحكومة وممثلى صندوق النقد الدولى، فالبعض لايزال يعيش فى غيبوبة لا يريد الخروج منها، حيث يرى أن الصندوق وممثلوه هم ممثلو الإمبريالية العالمية والاستعمار الاقتصادى الحديث!!
والبعض الآخر مازال فى وهم أن صندوق النقد هو شقيق البنك الدولى الذى رفض فى ستينيات القرن الماضى، تمويل بناء السد العالى، ومن ثم معارضة الصندوق.. وممثليه.. واجبة وحتمية أخذا بالثأر القديم!
ألا يعلم هؤلاء المغيبون أن أجدادنا وأباءنا الذين تولوا أمرنا فى السابق.. دخلوا فى عضوية هاتين المؤسستين الدوليتين بإرادتهم الحرة.. ونحن ورثنا عنهم هذه العضوية الضرورية مثلنا مثل باقى جميع دول العالم؟
أليس من حقنا الاستفادة من «خدمات» هاتين المؤسستين بما أننا أعضاء فيهما وندفع التزاماتنا (اشتراك العضوية) بانتظام؟
طيب.. لو واحد فيكم داخل فى جمعية مع زملائه فى الشغل.. هل يتنازل عن حقه عندما يصيبه الدور؟.. فلماذا لا تريدون أن تحصل مصر على «حقها» المشروع من خدمات هاتين المؤسستين وهى عضوة فيهما؟
سواء كانت هذه الخدمات فى صورة «قروض» بشروط سداد ميسرة.. أو فى صورة خبرات فنية حول أفضل السبل لمواجهة المشاكل التى تعترض طريقنا؟
وعلى فرض.. أن ممثلى الصندوق مغرضون ويروجون لأفكار وتوجهات الإمبريالية العالمية الاستعمارية.. فماذا عنا نحن.. ألا نستطيع أن نميز الطيب من الخبيث؟
أليس لدينا عقول وفهم وخبرة لاختيار ما يناسب إمكانياتنا وظروفنا.. وطبيعة مجتمعنا؟.
بمعنى آخر.. ما تقولونه. يعنى أننا «أبيض يا ورد» أى «حد يمكن أن يفرض علينا أى حاجة»، فهل هذا كلام معقول؟.
يا جماعة الخير.. يا أصحاب العقول النيرة والأصوات العالية.. وضعنا الحالى إيه.. وإحنا عايزين إيه؟.. وغيرنا عمل إيه؟.. وما هو البديل؟.. وهل تستطيع أن تحقق وحدك ما تريد.. أم لابد من الاستعانة بصديق؟.
هذه هى الأسئلة الصعبة المطلوب الإجابة عليها، أما الاكتفاء بالانتقاد والمعارضة والاتهام بأن البعض يروج فى اللاوعى لأفكار الإمبريالية العالمية.. فهو مجرد «كلام» سوف يذهب مع الريح.. ولا يروى من عطش ولا يثمن من جوع!. شكرًا.. لقد نفذ رصيدكم.. والدنيا تغيرت يا أهل الكهف!
qqq
لقد سبق السيف.. العزل.. وقضى الأمر الذى فيه تستفتيان وتم الاتفاق المبدئى بين الحكومة وبعثة الصندوق على خفض الدين العام من 98% إلى 88% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر، والعمل على تخفيض عجز الموازنة العامة، مع الاستمرار فى برامج الحماية الاجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل.
فهل يختلف أحد مع ذلك.. أليس هذا ما نسعى إليه جميعا.. حكومة وشعبا.. وحكما ومعارضة؟.
الكل يعلم أن الاتفاق مع الصندوق يعنى أن مصر على الطريق الصحيح وأن اقتصادها القومى قابل للشفاء من وعكته الصحية.. وأن «شهادة الثقة» التى يمنحها الصندوق لمصر تعنى عودة الاستثمارات الأجنبية وتدفق السياحة الخارجية والثقة فى التعاملات التجارية مع الخارج.. فماذا تريدون أكثر من ذلك؟!
مصر.. ولله الحمد لديها اقتصاد متنوع.. وغنية بأبنائها وثرواتها ومشكلتها الوحيدة فى «إدارة النفس القصير» وأعتقد أن الاتفاق على برنامج محدد يمتد إلى ثلاث سنوات.. هو العلاج الأكيد لهذه المشكلة التى عانى منها المجتمع طويلا..
عموما.. لقد خرج «القطار» من المحطة..
والمهم الآن أن يستمر فى السير بانتظام على «القضبان»..
حفظ الله مصر.. ولا عزاء لعواجيز الفرح.