عاجل
الخميس 23 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية .. «كاريزما» الشخص واختيار الهدايا والزهور «1»

فن الدبلوماسية .. «كاريزما» الشخص واختيار الهدايا والزهور «1»

كِتابي بعنوان:(القرآن الكريم وفن الدبلوماسيَّة) الَّذي سوف يُطرح في معرض مسقط للكِتاب 2025م تطرَّقتُ فيه إلى أهميَّة وسِمات الهدايا في المدرسة الدبلوماسيَّة النَّبويَّة الشَّريفة، حيث استسقتِ المعاهد والمراكز الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة وخصوصًا الإنجليزيَّة مِنْها: مفاهيم الهدايا بكُلِّ تفرُّعاتها والَّتي وضعت بكُلِّ حرفيَّة ومصداقيَّة بعيدًا عن المبالغة فيها.



الهديَّة سنَّة نبويَّة، وعلامة حُب وتقرِّب البعيد، وتُعِيد المقطوع، وتشقُّ طريق الحُب إلى النُّفوس، وتفتح مغاليق القلوب وتنشر المَحبَّة بَيْنَ النَّاس، وقد قال النَّبي (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم): (تَهَادُوا تَحَابُّوا)) رواه البخاري في الأدب المفرد، ومالك)، وأخبرَ النَّبي (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) أنَّ الهديَّةَ من خيرِ العملِ عِندَ الله، وأنَّها تعدلُ في أجرِها عِتق الرَّقبة، فعَنِ البراء بن عازب ـ رضِيَ الله عَنْه ـ أنَّ رسولَ الله (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) قال:(مَن منح منيحة ورق فضَّة، أو منيحة لبن، أو هدى زقاقًا دلَّ على الطَّريق كان له كعتق رقبة)) رواه أحمد). أمَّا مبدأ التَّكريم والشُّكر والمكافأة الَّتي صاغَتْها المدارس الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة بخصوص مكافأة الهادي هي أصلًا من خفايا وعظَمة العصر الإسلامي العريق، حيث أرشدَنا النَّبي (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم) إلى مكافأة المُهدي، فعَنْ عائشة ـ رضِيَ الله عَنْها ـ قالتْ: (كان رسولُ الله ـ صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم ـ يَقْبل الهديَّة، ويُثيب عَلَيْها) (رواه البخاري). وعن عبد الله بن عمر ـ رضِيَ الله عَنْه ـ قال: قالَ رسولُ الله (صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم): (مَن سألكم بالله فأعطوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن أهدى لَكُم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) (رواه أحمد).

صنَّفتِ المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة الهدايا إلى عدَّة أقسام: (الرَّسميَّة، الاجتماعيَّة.. أُخرى) فبروتوكول وإتيكيت الهدايا الرَّسميَّة تختلف اختلافًا كُليًّا عن الاجتماعيَّة والشَّخصيَّة من حيثُ نَوْع المناسبة ووقتها ومكانها أيضًا، كما وضعتْ بعض المواصفات الأُخرى مِنْها: مكانة الشَّخص ومنصبه، العمر، امرأة أو رجُل، مَدَني أو عسكري، رجُل أو عالِم دِين، أساتذة جامعات، خبراء، إعلاميون.. وغيرها من التَّقسيمات الَّتي وضعَها عِلم النَّفْس الاجتماعي.

بروتوكول وإتيكيت الهدايا لكِبار الضُّيوف والشَّخصيَّات يعتمد اعتمادًا جوهريًّا على نَوْع الزِّيارة (زيارة دَولة، زيارة رسميَّة، زيارة ثنائيَّة، زيارة خاصَّة)، بالإضافة إلى عُمق العلاقات الثنائيَّة والرَّوابط والمصالح المشتركة. وكما هو معتاد بمبدأ (المقابلة بالمِثل) فسوف يتمُّ تبادل الهدايا ليس المعنى المقابلة بالمِثل أي بِنَفْس القِيمة المادِّيَّة أو بِنَفْس الشَّكل والحجمِ، وإنَّما دائمًا في بروتوكول هدايا (زيارة الدَّولة أو الرَّسميَّة) هي ما تُمثِّل تُراث وتاريخ ومعاني ذلك البلد، وأعلى درجات الهدايا هي الأوسمة بمختلف درجاتها للضَّيف. ولا تُمنح هذه الأوسمة إلَّا لكِبار الشَّخصيَّات والضُّيوف وعُمق العلاقة الحميمة بَيْنَ الطَّرفَيْنِ، على أن يتمَّ الاتِّفاق مسبقًا على أنَّ هناك تبادلًا للهدايا، وكذلك نَوْعها كالأوسمة أو السُّيوف أو ذهب أو مجوهرات أو تماثيل أو صوَر أو لوحات ذات قِيمة.. وغيرها من أنواع الهدايا. ولا يجوز إطلاقًا الاجتهاد في بروتوكول وإتيكيت تقديم الهدايا لأيِّ سببٍ كان؛ لأنَّ في ذلك إحراجًا للطَّرف الثَّاني، أمَّا الهدايا بالمناسبات الاجتماعيَّة فلَها أهميَّة كبيرة بَيْنَ الطَّرفَيْنِ. كما تُوصي المدارس الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة بعدم المبالغة والإشهار والتَّباهي بها أو التَّكلُّم عن سعرِ وثَمنِ الهدايا أمام الجميع؛ لكَيْ لا يتسبَّبَ بإحراج بقيَّة النَّاس الَّذين ليس لدَيْهم الإمكانيَّة الماليَّة بها، وأيضًا تختلف أنواع الهدايا استنادًا إلى المناسبة.. فيُفضَّل في وقتنا الحاضر بمناسبة الزواج، على سبيل المثال، إعطاء مبلغ من المال بدلًا من شراء حاجات قد لا يحتاجها المتزوجون أو لدَيْهم نَفْس الشَّيء، فذلك يُفضِّل إعطاء المبلغ لسدِّ احتياجاتهم الحياتيَّة، وبالطَّبع يختلف نَوْع الهدايا بالمناسبات الاجتماعيَّة والَّتي من أهمِّها:(الزّواج، الخطوبة، التَّخرُّج، التَّرقية، الولادة، شراء منزل أو سيَّارة، الحصول على وظيفة، عيد الميلاد، عيد الزّواج، عيد الحُب، الأعياد الأُخرى.. وغيرها من المناسبات)، وأيضًا تعتمد كثيرًا على (كاريزما) الشَّخص.. ولا يُفضَّل إطلاقًا إهداء العطور في جميع المناسبات للأشخاص الَّذين لا نعرف ذَوقهم أو قد يكُونُ لدَيْهم حساسيَّة من نَوْع مُعيَّن ممَّا يأتي بنتائج عكسيَّة، وهو ما لا يرضي عقباه.

وفي الختام، تُهدى العطور فقط إلى الدَّرجة الأُولى من العائلة؛ لأنَّنا نعرف نَوْع العطور الَّتي يستخدمونها، أو الأصدقاء المقرَّبِينَ، لذلك فإنَّ الهديَّة تعكس (كاريزما) الشَّخص من حيثُ الثَّقافة والتَّسلُّح بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي والاجتماعي.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز