عاجل
الأربعاء 8 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الإخراج الصحفي عند فؤاد سليم مادة إشباع نفسي!

85 عاما صحافة 11

الإخراج الصحفي عند فؤاد سليم مادة إشباع نفسي!

من أيام معدودات، نفضت يدي من أطروحة عيد رحيل، المدير الفني لجريدة "الدستور" القاهرية، كان أعدها لنيل شهادة الدكتوراه. لفتني موضوعها: "تأثير الإبداع في الإخراج الصحفي على تلقي النص التحريري".



 

فلطالما، حاولنا، أن نعطي الدليل تلوى الآخر، أن "القيمة الإبداعية"، هي الأساس في إنجاح المضمون، وعرض الفكر الثقافي، والعلمي، وإيصال الخبر، بابتكار أشكال، وخلق تكوينات بصرية،  تخطف عين القارئ، وتأثّر تأثيراً مباشراًفي طريقة القراءة للتحقيقات المصورة، وحتى في شكل وأسلوب تقديم الخبر، ناهيك بتصميم الأغلفة، التي يقول عنها الصحافي الفرنسي العريق برنار بيفو، أنها النافذة التي يطل منها القارىء على عالم من أحرف وصور. فالإخراج الصحفي الإبداعي، يعرف كيف يتعامل مع الكلمة، والصورة، والإطار، والشكل،وهو الركن الأساس، والنهائي للإعلام المقروء.

 

 

في مناهج قسم الصحافة في كلية الآداب، في جامعة القاهرة، يتربع الإخراج الصحفي في الصدارة، وقد اسْتَوسَعَ الأساتذة الرواد، مثل الصاوي، وصابات، وإمام... في شرح مدارس الإخراج الصحفي ومذاهبه، وانطلقوا من الدروس النظرية إلى التطبيقية، ليتخرج بهم جيل كامل من الذين حملوا المسطرة، والقلم، والممحاة، فلم تتوقف الأقلام في أيديهم من السَّيحِ في بياض الصفحات، يبتكرون، في الشكل، والإطار، وفي التعامل مع الصورة، ويجددون في فن الإخراج الصحفي. وقد يكون، الدكتور فؤاد سليم أبدع من مرر قلماً على الورق، ورسم شكلاً، واختار صورة، وتعامل بإبداع، لا نظير له، مع الكلام، والشكل، والإطار. وهو، أيضًا، واحد من الذين درسوا هذا الفن،وتخرج به من أخذوا عنه الذوق، والفهم، وأخلاق المهنة.

 

                                                               

فور تخرجه في قسم الصحافة، في كلية الآداب في جامعة القاهرة، في سنة 1965، بتقدير "جيد جداً"، انصرف  الدكتور فؤاد سليم الى التخصص في الإخراج الصحفي، حصل على درجة "ماجستير" سنة 1975 بتقدير "ممتاز"، ودرجة الدكتوراه سنة 1981 بمرتبة "الشرف الأولى" وأصبح فيما بعد من القلائل الذين جمعوا بين "العمل الأكاديمى" و"الممارسة المهنية"، فتدريس الإخراج الصحفي لطلاب الصحافة يستلزم التركيز على الجانب العملي التطبيقي أكثر من الجانب النظري، وهكذا كان الدكتور فؤاد سليم "أستاذ الإخراج" و"المخرج" المبدع المتمكن، الذي يطبق نظرياته في فن الإخراج ليرى تلامذته، أولاً، والقراء في كل مكان ثانياً، اهمية هذا الفن. عمل فؤاد سليم لسنواتٍ عديدة مع أساتذةٍ مبرزين وبارزين مثل خليل صابات، إبراهيم إمام، أحمد حسين الصاوي، جيهان رشتي، إجلال خليفة، سامي عزيز و... غيرهم، وله مدرسة أكاديمية متميزة، فالإخراج الصحفي عنده مادة "إشباع  نفسي".  وعندما كان معيداً، ثم مدرساً مساعداً، ومدرساً تتلمذ عليه من أصبحوا أساتذة درسوا بدورهم أجيال توافدت على قسم الصحافة، من هؤلاء على عجوة، منى الحديدي، ماجي الحلواني.. وتتلمذ عليه وتخرج به الجيل الثالث من دارسي فن الإخراج الصحفي، في صدارتهم، أشرف صالح، رئيس قسم الصحافة الأسبق، شريف درويش اللبان، وكيل كلية الإعلام لخدمة المجتمع الحالي، عصام عبد الهادي، المعار حاليًا لدولة الإمارات، سعيد محمد الغريب، أستاذ الصحافة المساعد بالكلية، معين الميتمى (يمني) أحمد محمد محمود، أبرز مخرجي الصحف في مصر خلال العِقديْن الأخيريْن.

 

 

وكان فؤاد سليم، "خازن اسرار الكلية" فقد عمل مشرفاً على لجنة طباعة امتحان البكالوريوس والدراسات العليا.

 

 

 

ملأ الدكتور فؤاد سليم الدنيا علمًا داخل مصر وخارجها، فقد كان عضو هيئة تدريس منتدب بقسم الاعلام جامعة الأزهر العام الجامعي (دراسات عليا)، وعلى مدى أربع سنوات كان عضو هيئة تدريس منتدب في "أكاديمية الشرطة"، ثم "أستاذ زائر" في "كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية" في جامعة قطر، "إعارة "استمرت سنوات أربع  في قسم الاعلام في "جامعة الملك عبدالعزيز" في المملكة العربية السعودية "، عضو هيئة تدريس منتدب بقسم الإعلام "جامعة الزقازيق"، عضو هيئة تدريس منتدب بشعبة الاعلام في "الجامعة العمالية"، عضو هيئة تدريس منتدب بشعبة الاعلام في "المعهد العالي للتعاون الزراعي"،  عضو هيئة تدريس منتدب في شعبة الاعلام في "كلية التربية النوعية" بالدقي، عضو هيئة تدريس منتدب في شعبة الإعلام في "كلية التربية النوعية" في "ميت غمر" ، عضو هيئة تدريس منتدب في شعبة الاعلام في "كلية التربية النوعية" في دمياط، "أستاذ زائر" في قسم الاعلام في جامعة الامارات العربية المتحدة ، عضو هيئة تدريس منتدب في "المعهد العالي للاعلام وفنون الاتصال"، إعارة، أربع سنوات، لقسم الإعلام في "جامعة السلطان قابوس" في سلطنة عمان.

 

 

كنا نناديه "فوؤش" تحبباً، عرفته، لما كان بعد طالباً، فقد كان زميلاً لأخي الأوسط "جو" في "مصر الجديدة الثانوية"، ثم وهما ايضاً  طلاباً في قسم صحافة في كلية الآداب فى ستينيات القرن الماضى.  وَكان، إن صادق أخلص، كريم المحتد، خلوقاً. يجتهد في فى بلوغ الغاية، يتأنى في الكلام، يزن ويزازن كلامه، قارئ نهم، ينكب على كتب الآدب والسِّيَر، وتصفح الابواب الثقافية بالصحف، صاحب قلب نقي.. أنموذج الأخلاق والتعامل الراقي، كان يتردد على مكتبي في "روزاليوسف" لاكتساب الخبرة، يكثر من الأسئلة، ليعرف، ويتعلم، أساليب من سبقوه إلى عالم الإخراج الصحفي. 

 

 

باعدت بنا الأيام، تغربت أنا، وهاجر أخي "جو"، وسافر "فؤوش" إلى بلاد العرب الواسعة، يدرس، ويعلم، وتتخرج به أجيال من الإعلاميين العرب، الذين برزوا.

 

 

وعدنا والتقينا، نحن الثلاثة، ذات سنة خلال الإجازات في لقاهرة  ، بعد عودته من مهمة علمية بفرنسا عام 1977، وتكررت اللقاءات بعدها.

 

 

تزوج فؤاد سليم من عبلة عنان إحدى تلميذاته، كان بالنسبة لها الأخ والصديق والأب الحنون، تركت الإعلام  لتعمل  بعدها مضيفة طيران، وأنجب منها نانسي ونهى ونرمين آخر العنقود، زَتَّ عنهن، وترك ذكراه الطيبة، وهن يفتقدن فيه الأب الحنون المعطاء بلا حدود. أخبرتني نرمين إنها حتى اليوم لا تنسى حلاوة الطعام الذي كان يحضره الاب بمتعة وبحب لهن ، فقد تعلم الطبخ فى غربته، ولم تذوق من بعده طعاماً ممتع بلذته، وتمنت لو تعلمت منه سر المهنة، كان مركز معلومات وموسوعة معرفة ليس فقط لزوجته عبلة التي تسأله فى كل صغيرة وكبيرة بأمور الحياة وتستأنس برأيه ونصائحه، وبناته الثلاث بعلمه وخبرته الحياتية بل كان منزله بشارع ياسر بن عمار، مصر الجديدة مركزاً لاستقبال طلابه الباحثين عن النصح والإرشاد، لا يبخل عليهم بوقته ولا ساعات راحته، يستقبلهم في أي وقت، علاقته بطلابه تعتمد على اهتمامه بهم وحرصه على السؤال عنهم والتواصل مع ذويهم، وحتى بعد تخرجهم يساعدهم في البحث عن تحقيق طموحاتهم وترشيحهم للتدريب والعمل في المؤسسات الإعلامية المختلفة. 

 

 

 ويبقى في عنقود الحديث عن فؤاد سليم  حبة، هي شهادة الدكتورة ليلى عبد المجيد، التي تتلمذت عليه، لتتولى عمادة كلية الإعلام، ولتدرس الصحافة. فقدكانت ودعته بكلمات صادقة:  "إنها إرادة الله ان يرحل أستاذي الغالي الدكتور فؤاد الذي تعلمت علي يديه منذ سنواتي الأولي في الجامعة كان يبهرني بدقته الشديدة وقدراته التنظيمية العالية وحرصه علي التفاصيل مهما كانت كثيرة. فهو لم يكن أستاذا عاديا يلتقي بنا في المدرج فيتقن تقديم المحاضرة بل كان معنا في الرحلات والندوات والأنشطة الطلابية المختلفة وظل سنوات طويلة يتولي ريادة اتحاد الطلاب.  وأشارت إلى أنه كان معنا كل يوم اتنين في الحجرة التي خصصتها مؤسسة أخبار اليوم في سبعينيات القرن الماضي لإصدار جريدتنا التدريبية صوت الجامعة، حيث كان يشرف على تدريبنا على إخراجها أستاذ الإخراج الصحفي المتميز وتساءلت ماذا أقول عن أخلاقه وذوقه؟ لا أعتقد أن أحدا زعل منه علي مدى عقود كان باستمرار خلوقا راقيا مجاملا يشارك الجميع مناسباتهم الاجتماعية معنا في أرواحنا وأحزاننا.     وأضافت: إذا كان الجسد يرحل فإن الدكتور فؤاد سيظل حيا بيننا بسيرته العطرة ومواقفه الإنسانية وبكل ما علمه لأجيال كثيرة من خريجي كلية الإعلام وبكل ما أضافه من إسهامات بحثية.. سيتذكرون كل لمساته ومحبته ومواقفه… الأحبة تظل أرواحهم معنا مهما تمر السنون" .

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز