عاجل
الجمعة 30 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
هل نحن مُفلسين؟

هل نحن مُفلسين؟

بقلم : غادة نوارة

من يتحمل أن يأتي يوم القيامة ولا يجد الحسنات التي اكتسبها بالخير الذي كان يفعله طوال سنوات عمره الذي عاشه في الدنيا؟ ومن مننا يستطيع يوم لا ينفع مال ولا بنون أن يتحمل بالإضافة إلى ذنوبه وأوزاره أن يتحمل ذنوب وأوزار غيره؟ ومن على استعداد أن يأتي يوم العرض على الله ويجد صحيفته التي قضى عمره ليملأها بالأعمال الصالحة يجدها خاوية وفارغة من تلك الأعمال؟ ما العمل يوم الطامة الكبرى عندما نجد سيئات في ميزاننا بدلاً من الحسنات التي قضينا عمرنا جاهدين ومحاولين أن نتحصل عليها؟ قد نضحي بمال أو أو طعام أو ملابس أو كتب أو لعب أو يضحي من يقدر ليساعد غيره في نفقات الزواج أو تأدية فريضة الحج، ولكن هل من الممكن أن يتنازل شخص عن حسناته ويعطيها لشخص آخر عن طيب خاطر أو يستبدل معه حسناته بسيئاته؟ هل ترضى أن تضحي بحسناتك التي اكتسبتها في الدنيا بعد أن أديت ما عليك من فروض ونوافل، وبعد أن قمت بصلاتك وصيامك وزكاتك والحج وعملت كل أنواع الطاعات؟ بالقطع لا .. ولكن المُفلس في الآخرة هو من تنازل طواعية عن حسناته التي اكتسبها في الدنيا ليوفي المظالم التي عليه للبشر الذين ظلمهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما المُفلس"؟ قالوا المُفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: "إن المُفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طرح في النار" إن حقيقة المفلس في الدنيا تختلف عن حقيقة المفلس في الآخرة .. فالمفلس في الدنيا من لا مال له وسينتهي إفلاسه هذا بموته، أما المفلس في الآخرة يكون مصيره إلى الهلاك؛ فهو من أدى العبادات والفروض الخمسة التي أمرنا الله بها ولكنه أذى أحداً من الناس بسبه أو ضربه أو قتله أو ظلمه بأي شكل من الأشكال، ولم يسامحه هذا الشخص أي أنه لم يرد المظالم لأصحاب الحقوق، وبالتالي يأخذ هؤلاء من حسانه فإن فنيت حسناته يأخذ من سيئاتهم، فحقوق العباد لابد من تأديتها في حياتنا ولا سبيل للخلاص منها إلا بمسامحة أصحاب المظالم .. فلا يجب أن نؤدي العبادات كأفعال جامدة لا روح فيها ولا وزن لها وبالتالي فلا فائدة مرجوة منها ولا طائل من وراءها، فالبعض يظن أن الدين قائم على العبادات فقط، ولذلك تحولت هذه العبادات لدى هؤلاء لمجرد عادات يؤدونها وبالتالي لا تؤثر إيجابياً في سلوكياتهم ولا تحسن معاملاتهم مع البشر ممن حولهم .. ولكن الدين أشمل من هذه العبادات؛ فالمعاملات والأخلاق كذلك عبادة لله .. ولذلك فقد بُعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وقال عليه الصلاة والسلام عندما سُئل عن أي الأعمال أفضل فقال " حُسن الخلق " وسُئل عن أكثر ما يدخل الجنة فقال " تقوى الله وحُسن الخلق ". ولأن الأديان أنزلها الله لخير البشر وصلاحهم فيجب أن تثمر العبادات ثمرتها في نفوس العباد وتصلح من أحوالهم وأخلاقهم ومعاملاتهم مع بعضهم البعض، ولذلك فلا يستقيم أن نؤدي هذه العبادات مع الإتيان بأفعال تتنافى مع الأخلاقيات التي تدعونا لها الأديان، فما جدوى الحرص على أن يؤدي العباد هذه العبادات إذن وهي لن تؤثر في سلوكياتهم وتعاملاتهم ولم تهذب أخلاقهم هذه ولم ترقق قلوبهم ولم تسمو بنفوسهم .. فما الغاية المنشودة إذن من تأدية هذه العبادات؟ فالعبادات فرضها الله بالإضافة لتوثيق صلة الإنسان بخالقه وبالناس، لتنهى عن الفاحشة والمنكر والبغي وتزكي النفوس البشرية، وتؤدي لتنمية الألفة والود والحب والإحسان والرحمة والتسامح والتعاون بين الناس، وتقوية كل خصال البر والتقوى والأخلاق الحميدة وسائر الفضائل الدينية. إذن فإذا كنا نريد أن نحافظ على الحسنات التي اكتسبناها ونثقل ميزاننا بها فيجب أن نخالق الناس بخلق حسن؛ حتى لا نأتي يوم القيامة ولا نجد حسناتنا أو نجد سيئات بدلاً منها، فالله سبحانه وتعالى يسامح في التقصير في حقه عز وجل فهو العزيز الغفور الرحيم، ولكن لا يسامح في التقصير في حق العباد وبعضهم البعض إلا أن يسامح هؤلاء الناس في حقوقهم. فإن قليل من العبادات الصحيحة الكاملة مع حُسن الخلق تكفل النجاة يوم القيامة، رزقنا الله جميعاً الجنة



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز