محمد نوار
الصيام والصوم!
بقلم : محمد نوار
القرآن الكريم ليس به كلمات مترادفة، ولذلك يوجد في القرآن فرق بين معنى كلمة صيام ومعنى كلمة صوم، وكلمتي صيام وصوم من المصدر صام بمعنى أمسك, فالصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب أو الكلام أو أي شيء.
والصيام في القرآن الكريم يعني الامتناع عن الطعام والشراب والمعاشرة الزوجية من الفجر حتى المغرب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ..) البقرة 183، أما الصوم فليس له علاقة بالطعام والشراب، قال تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) مريم 26، فالسيدة مريم نذرت صوماً مع أنها تأكل وتشرب، فالصوم خاص باللسان.
ويؤثر الصيام على نفس وجسم الإنسان، فالصيام يؤثر على الصحة النفسية والصحة البدنية، وكل منهما يؤثر بالآخر سلباً أو إيجاباً، فأتى الأمر بالصيام لهما معاً .
فصيام الجسم بالامتناع عن الطعام والشراب والمعاشرة الزوجية, وصيام النفس بالامتناع عن الأذى والشر والسوء, وصيام الجسم يتيح للنفس مجالاً واسعاً للتفكير والتأمل واستعادة التوازن النفسي, وتخفيف صفة الأنانية وتفعيل الجانب الأخلاقي الكامن في نفس الإنسان.
قال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183، والتقوى متعلقة بالفرد، فالصيام وكل العبادات ليست هدفاً في حد ذاتها، فالتقوى هى الهدف وكل العبادات وسائل لبلوغ التقوى والخوف من الله.
والصيام يدعم التفاعل بالخير مع الناس بمكارم الأخلاق من صدق وإحسان وعدل وأمانة وإخاء وسلام وتسامح وغيرها، والانتهاء عن الظلم والبخل والأنانية والفحشاء والمنكر وغيرها، مما ينتج عنه مجتمعاً تسود فيه مكارم الأخلاق في تعامل الناس فيما بينهم.
ويبقى أن صيام المعدة بدون صوم اللسان لا يؤدي الغرض المطلوب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فقد يصبر الإنسان على الجوع والعطش، لكن من الصعب عليه الصبر على الكلام وخاصة قول الحق، لأن الصبر الحقيقي هو في معاملة الآخرين، أما الصيام مع سوء الخلق فلا معنى له، فإذا كنا قد نوينا الصيام فلنصوم صياماً وصوماً حتى نحقق الفائدة من شهر رمضان .