عاجل
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
ويقول المجتمع لنفسه : انتباه

ويقول المجتمع لنفسه : انتباه

بقلم : منير عامر

يبدو أن جابر جاد نصار قد انتقل إلى مرحلة سد الفجوة بين مضمون الجامعة وشكلها، فقد مرت سنوات كانت جامعة القاهرة مجرد شكل بلا مضمون جامعى حقيقى، حيث ازدحمت بالطلاب الذين يلعبون دور «السوق» لتدور عملية تفريغ جيوب آبائهم من المصروفات، مرة باسم الكتب الجامعية، وثانية باسم الدروس الخصوصية عند الأساتذة أو المعيدين، وثالثة حين يقول الأستاذ لطلبته «عليكم بمكتب الطباعة بشارع بين السرايات لتجدوا ملخصات سيأتى منها الامتحان»، ورابعة حين تدخل معيدة أو مدرس أو أستاذ مساعد أو حتى أستاذ، ويكون الشخص الداخل هو «لا مؤاخذة حُرمة منقبة»، وطبعا شكل المنتقبات يتطابق مع شكل عفاريت أنصاص الليالى، نساء من داعش أو فى طريقهن إلى داعش، وكل ذلك بدعوى تطبيق شرع الله، رغم أن شرع الله بريء من هذا الصنف الذى نزل بدين السماء من عليائه ويصر على أن يجعله فى مرمى الاتهام المتجدد بالتخلف.




أقول إن جابر جاد نصار يحاول أن ينفخ فى القربة التى كنت أظن أنها مثقوبة، لكنه قام بتطبيق القانون فحرّم النقاب على هيئة التدريس وعلى العاملات بالمستشفيات، حيث التواصل من خلال الوجه أمر مفروض ومطلوب، أكتب ذلك وفى رأسى صورة جمال عبد الناصر وهو يحاور حسن الهضيبى المرشد الثانى للإخوان المتأسلمين، وطلب الهضيبى من عبد الناصر أن يصدر أمرا بالحجاب، فسأله عبد الناصر عن بناته، فعلم أن بنات الهضيبى لسن محجبات، فقال عبد الناصر «الحجاب أمر شخصي».


ولكن بمضى الزمن وبمجئ السادات وإنشاء الجماعات الإسلامية، وترويج الزواج العرفى بين المتأسلمين والمتأسلمات، وتكون جماعات الجهاد التى سافر عديد من شبابها ليموت فى أفغانستان دفاعا عن المصالح الأمريكية، عند ذلك انتشر الحجاب، وما أن تولى حسنى مبارك حتى بدأ تخلى الجامعة عمليا عن دورها فى تأهيل الشباب لسوق العمل، وجرت عملية رشوة قاتلة للعلم حيث صار الترقى من درجة المدرس إلى درجة الأستاذ المساعد ثم إلى درجة الأستاذ هى مجرد مسافات زمنية وليست بناء على أبحاث رصينة كما كانت العادة فيما قبل. وتكاليب الأساتذة على لقب مستشار الشركات خصوصا فى القطاع الخاص. ويكفى أن أسوق المثل الصارخ بكلية الهندسة حيث يبلغ عدد طلبة قسم من الأقسام قرابة الأربعين طالبا، بينما هيئة التدريس بالقسم تصل إلى أكثر من مائة أستاذ، لكن لا أحد من الأساتذة يقوم بالتدريس فالعملية متروكة للمعيدين. 
وحين تراجع أسماء أساتذة الطب ممن يقومون بالتدريس الفعلى لن تجد إلا قلة بسيطة، وطب القصر العينى يتحرك بديناميكية ما تركه أساتذة كبار من نواب يقومون بحمل العبء ودعك من نموذج شريف مختار الذى ما زال يمارس دور الأستاذ صاحب المشروع العلمى فتراه يمر مع المعيدين والنواب والمدرسين ويسمع منهم وينقل لهم خبراته.


ودعك من أسماء عمالقة كبار أضافوا وقاموا بتعليم غيرهم، مثل الأستاذ الدكتور ياسر المليجى أستاذ جراحة العظام الذى يصر على الدخول مع طلبة الدراسات العليا إلى غرفة العمليات لينقل لهم خبراته فى الجراحات التى تتغير بسرعة صاروخية.


ويمكن أن تسأل «كم أستاذا يدخل كلية الطب كل يوم؟» وستفاجأ بأن بعضهم يزور الكلية مرة فى الأسبوع وبعضهم يزور الكلية مرة فى الشهر، وبعضهم قام بتحويل راتبه ومستحقاته على البنك ولا يدخل الكلية على الإطلاق اللهم إلا فى حالة الرغبة فى إثبات الوجود، وعندما تتحدث مع واحد منهم ستجد عشرات الكلمات عن فساد الضمير، وكأن الواحد منهم لا ينظر إلى ضميره، وهو يحتاج إلى ضوء باهر حتى يكتشف أن المسمى «ضمير» قد غاب أو ضاع. وحدث ولا حرج عن كلية الزراعة، فآخر مرة دخلتها بصحبة صديق عمرى الراحل الرائع د.أحمد مستجير، وفوجئ بأن أستاذا سيناقش فى اليوم التالى رسالة دكتوراه، وراح يتفق مع من سيناقشه على النقاط التى يحب الطالب أن يناقشه الأستاذ فيها، فالأستاذ مشغول فى مزرعته ولم يكن عنده وقت لقراءة الرسالة «!!» ثم جاء أذان العشاء فقفز الأستاذ ليؤدى الصلاة، وهنا انسحبت من لسانى لأقول للأستاذ: هل هناك فارق بين لص يقرأ الفاتحة قبل أن يفك شفرة خزانة ما وبين أستاذ جامعى سيناقش رسالة دكتوراه وهو لم يقرأها؟


صحوة ارتباط الشكل بالمضمون، شكل الأستاذة التى يجب أن تكشف وجهها وهى تقوم بالتدريس، وشكل أستاذة كلية الأثار التى صدر لها الأمر بإعادة ثمن المذكرات التى تبيعها للطلبة عبر مكتب تصوير بشارع بين السرايات. وشكل كلية الطب التى كانت رائعة ولكن شهادتها لم تعد مقبولة فى إنجلترا كما كان الحال قديما.


أثق أن جابر جاد نصار يقول لزملائه صوت المجتمع كله: يا سادة الضمير يقول لكم انتباه.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز