عاجل
الثلاثاء 4 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لماذا لا تستفيد الشرطة من التاريخ؟

لماذا لا تستفيد الشرطة من التاريخ؟

بقلم : أسامة سلامة
فى التسعينيات من القرن الماضى كان الإرهاب يضرب البلد، ويستهدف رجال الشرطة والمفكرين والصحفيين والفنانين، كل من قاوم التطرف بالعمل أو الفكر كان مهددًا، بعد أن تم وضعه على قوائم الاغتيالات، وارتكبت بالفعل جرائم بشعة على رأسها اغتيال د. فرج فودة، ومحاولة اغتيال الكاتب الكبير نجيب محفوظ على يد بائع سمك لم يقرأ له شيئًا، لكن تم تعبئة عقله بأفكار التكفير، وأن قتل هؤلاء يقربه من الجنة، لأنه يدافع عن الإسلام بالاعتداء على العلمانيين الكفار، كما كان السياح هدفًا للعمليات الإرهابية، والمسيحيون مهددون فى كل مكان فى مصر، لكن أكثر الضحايا فى هذا الوقت كانوا من رجال الشرطة، فقد هاجم الإرهابيون كل من طالتهم أيديهم من اللواءات أصحاب الحراسات وحتى العساكر الغلابة الذين يقفون فى الأكمنة أو لحراسة منشأة عامة أو كنيسة بسلاح لا يصد ولا يرد أى هجوم، وقابلت الشرطة هذا الإرهاب بعنف كبير، وصل إلى حد القبض العشوائى على كل من يتم الشك فى انتمائه، ولو بصلة بعيدة، إلى أحد الإرهابيين، كما كان القبض على أسرة الإرهابى الهارب (أبوه وأمه وأخوته وزوجته) أحد وسائل الضغط على أعضاء الجماعات لتسليم أنفسهم، وتمتلئ تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والعالمية بقصص عن وقائع تعذيب بشعة ضد المقبوض عليهم، ورصدت هذه التقارير التجاوزات الكبيرة التى ارتكبت ضد أبرياء لم يشاركوا فى أى عمليات إرهابية، ووصل الأمر إلى اعتقال الكثيرين بعد حصولهم على أحكام بالبراءة، أو أحكام بإلغاء اعتقالهم، حيث كان يتم الإفراج عنهم ورقيًّا ثم إعادة اعتقالهم مرة أخرى، وبسبب هذه التجاوزات، خصوصًا ضد أسر المتهمين، والاعتداء على بعض الأبرياء الذين ساقتهم الصدفة للوجود فى مكان الحادثة أو السكن بجوار وكر للإرهابيين، وأيضًا بسبب المعاملة الخشنة التى تصل إلى التجاوز من بعض الضباط وأمناء الشرطة ضد المواطنين العادين خلال فترات حظر التجول فى بعض مدن الصعيد، وكذلك احتجاز النساء من قريبات الجناة الهاربين، وهو أمر يثير الغضب فى الصعيد، كل ذلك أدى إلى عدم تعاطف جزء من الصعايدة مع الشرطة فى ذلك الوقت، والتزم البعض الآخر الحياد، وكأنها معركة بين طرفين لا علاقة لهم بها، وليست معركة وطن يحارب ضد الإرهاب والتطرف ومن أجل القضاء على الظلام، بل إن البعض ممن تعرضوا لانتهاكات عنيفة أو تم القبض على ذويهم دون سبب تمنوا انتصار الإرهابيين، والبعض كان يتشفى فى الاعتداء على أحد الضباط إذا كان ممن شاركوا فى القبض العشوائى أو فى المعاملة السيئة للمواطنين، انتهى الإرهاب وانتصرت الشرطة والوطن بعد معاناة استمرت عدة سنوات، لكن بقيت فى النفوس مرارة مما حدث فى ذلك الوقت من تجاوزات، البعض تسامح ونسى، وآخرون ظلت الذكرى تعذبهم، ولهذا فإنه مع عودة الإرهاب مرة أخرى وبنفس خططه وأساليبه القديمة التى لم تتغير، وكأن التاريخ يعيد نفسه، قتل واعتداء على رجال الأمن، عمليات إرهابية ضد السياح، ترويع الأقباط والاعتداء على الكنائس، تهديد لرجال الفكر والإعلام، فإن البعض يتخوف من أن تعيد الشرطة هى أيضًا أسلوبها القديم فى انتهاك الحريات وعدم الاعتداد بالقانون وحقوق الإنسان، ويزداد الأمر مع الحكايات التى تنشر فى وسائل الإعلام المختلفة عن تعذيب بعض المقبوض عليهم فى السجون وأقسام الشرطة، وغير كافٍ على الإطلاق أن تنفى وزارة الداخلية وجود تعذيب، فقد كانت الداخلية قديمًا وقبل ثورة يناير تصدر بيانات مشابهة، لا يصدقها أحد، ولهذا فإنه مطلوب أن تقوم الوزارة بإبلاغ النائب العام عن أى واقعة تنشر، وعلى النائب العام نفسه أن يعتبر أى نشر بمثابة بلاغ يجب التحقيق فيه، وإعلان نتيجته على الناس، فإذا كانت الداخلية بريئة وجب معاقبة من نشر الواقعة بتهمة البلاغ الكاذب، وإذا تأكدت من التعذيب أحالت الجانى إلى محاكمة عاجلة، لا أجزم بصحة أى وقائع، ولا أجزم بعدم صحتها، لكن سيظل الشك موجودًا نظرًا لتراث الشرطة العريق فى الانتهاكات، وإذا كانت الداخلية جادة فى الالتحام بالشعب وتريد أن يكون معها يد واحدة ضد الإرهاب، فعليها أن تطمئنه، وتشعره أن حقوقه مصونة لا تمس، وأنها تعاقب المتجاوزين من أبنائها، لا نريد تكرار مرارات التسعينيات، لكن نريد فعلًا تنفيذ مطالب الثورة، وأهمها الكرامة الإنسانية، التى ستتحقق طالما أن الثورة مستمرة ومهما حاول البعض إجهاضها.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز