عاجل
الإثنين 10 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
حنين البحارة

حنين البحارة

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

 



 كان صباحه موشىً بالقهوة كعادته ...  قهوته متناثرة فوق نوافذ (الشاليه) ... جزء من أفكاره عنها فوق كل نافذة ... بين البوصة والأخرى تظهر بصمات أصابعه تحفر اسمها وسط البخار المتكاثف ... والبحر يرقد خلف النافذة يناديه للسفر ...

 
    قرر أن يستقل بقراره ... سافر للشاليه النائى ... هى تريد السفر ... روحها الثائرة الرامية دومًا للتغيير لا يعرف كيف يسايرها ... أعطته مفاتيحها فازداد حيرة ... كل صيف تسافر ... لا تأخذ معها من كل الحياة سوى جواز سفر ... تجرب حياة الأرصفة حينًا ... أو تسكن فندقًا رخيصًا آخر ... تعمل فى المهنة التقليدية للصعاليك (نادلة) ثالثًا ... أو ربما تلازم ضفة نهر أوروبى تكتب القصائد الفورية للعشاق كنوع من التسول الراقى رابعًا ... ثم تعود فى بدايات الخريف مع قصصها ...
 
    حاول أن يجذبها نحو الاستقرار مرارًا لكنها كانت تجذبه نحو جنونها ... تغرس أنياب جموحها  فى قطن برامج حياته المستقرة الناعمة ... مهندس له مهنة مستقرة ناجحة ينتمى لعائلة لها اسم رفيع ... ورطته أكثر من مرة فى الركض تحت المطر أمام بيته ... وسرقة أغراض من السوبر ماركت ثم إعادتها بعد الاحتفال بالنجاح فى التسلل ... اعتبرها والده لعنة تنصب شباكها حول حروف اسم العائلة ... لكنه لم يستطع التدخل واكتفى باتهام ابنه بالضعف ...
 
    اليوم وهو يقف أمام النافذة ... يرمى أسألته المفتوحة بلا نهاية فى عمق البحر ... ويغرق وعيه فى القهوة كى يتنبه من تأثير خمرها ... يريد أن يقرر ... هل يسافر معها ويبدآن الزواج بنكهة المغامرة – كما طلبت منه – أم يستقر هنا ويتركها تمارس أحلامها وجموحها واقعًا لا يمكن لأحد أن يسرقها منه سوى الموت ؟! ... شوقها إليه يحملها على أن تحدثه كل ساعتين تقريبا بانتظام دون أن تقصد الانتظام فى الوقت ... كأن كهرباء مخها تمد الشوق بالطاقة نظاميًا وفقًا لعدد دقات القلب ... كانت طفلته الشقية التى تجد متعة فى عصيان النصائح ... هو لا يريد قطع علاقته بها ... بل يريد أن يعقد مقارنة بين حياته بها وبدونها ... لذا هو هنا ... يهاتفها ... ثم ينظر لفضاء الغرفة بعد رحيل صوتها ... وعادة ما يشعر بزلزلة خفيفة فى السقف الأبيض حين تنعكس عليه ظلال الحائط الوردى بعد كلمة (وداعًا) ... يوقف الزلزلة حين يغمض عينيه فيراها تبتسم ... يفتح عينيه فتستقر السماء ...
 
    فكر كثيرًا ... يشعر كأنه آدم وهى حواء فى بداية خلق ... يختاران الهبوط أرضًا فى مكان ما على الخريطة ببساطة وعفوية ... اشتبك معها فى أفكاره ملايين المرات ... لكنه كان يغفر لها بمجرد تخيل جمال استدارة وجهها وهى تبتسم ... قرر أن لا يأكل كل ما تحب لكنه أدمن قهوتها المضبوطة دون وعى منه ... لم يكن يشرب القهوة قبل أن يعرفها ... زارته فى منامه ألف مرة تستقطبه نحو كل القارات ...
 
    هذا الصباح توصل لقراره ... كان يراقب بعض المارة يجمعون محارات مغلقة ... تخيل المحارات تحتفظ  ببعض الحنين ... فشرب قهوته فى محارة ... أصبح بحارًا ... عرض عليها الزواج فقبلت السفر ... وكان الزواج عنده يعنى السفر ...

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز