12:00 ص - الخميس 12 ديسمبر 2013
لقد ارتبط نزول المطر في العقل الجمعي -ولا سيما في الثقافات الشرقية - بالتفاؤل وانتظار الخير الذي فاضت به السماء على الأرض لتمنحها الحياة، فتخرج ما في باطنها من نبت وثمار، لذا وقفت ليلة أمس أتأمل تلك القطرات، وأدعو اللهم أكثر منها.
وإذا بصوت يحمل بين نبراته مزيج من العذوبة والأنين (تمهل أيها الداعي إن ما تراه هو الدمع الذي يسبق الدم)
فتساءلت في رجفة: من أنت؟
أجاب الصوت: أنا أمك (إيزيس).
ثم تجلت وتمثلت وشخصت أمامي -في مقام بين السماء والأرض- امرأة وقور ذات بشرة نحاسية وشعر أسود طويل وجناحين مبسوطين كبيرين يمثلان الحكمة والطب وغير ذلك من علوم (تحوت)، تحمل على رأسها تاج عبارة عن قرنين بينهما قرص الشمس، ويحيط بها سبعة عقارب في صورة ثعابين عظام لحمايتها.
ونظرت إلي وقالت: هل تعرفني؟ أنا إحدى تجليات الله في نور السماء، أنا ربة الأمومة والرحمة والوئام والوفاء والإخلاص والحنان والعطف وحكمة تدبير المنزل، وزوجي (أوزوريس) الطيب الورع رئيس محكمة العدل، وابني (حورس) الفارس المخلص والقائد المغوار وحامي حمى الديار، ونصير الحق والضامن لكل ميثاق وعهد وصك، اعلم أنني التي تبكي أبنائها الذين مزقتهم الفتن، وغيبت عقولهم الأكاذيب، ومكرت بهم الشياطين، فدفعتهم إلى إشعال نار الشر، فقتلوا ودمروا وضلوا وأضلوا، ولا سبيل لي لجمع شتاتهم سوى ندائي (عودوا إلى حضني، عودوا للحب والخير والبسمة والطيبة التي صنعت منها خبزكم الذي ربيتكم عليه، والملح الذي نثرته حولكم ليذود عنكم كيد الأعادي، عودوا لتستروني؛ فكل قطرة دم تسفك منكم تنزع معها ريشة من جسدي، وقد أوشكت أن أسقط وأُفضح) أجل أبكي يا بني من أفعال زبانية ملك الشر (ست)، الذي عاد في عصابته يهدم كل شيء، ويروع الآمنين، ويقطع الطرق، ويحرم الفقراء من الخبز، ويكبل السواعد الطيبة؛ ليحول بينها وبين إنبات الأرض وصنع الخير، أبكي لأنهم يجدفون ويكذبون ويدعون أنهم أنصار (محمد).
أخبرني يا بني فهل حرفوا الإسلام؟؟؟
فأجبت بصوت عالي: كلا يا أماه إنهم ليسوا كذلك، فمحمد أخو إدريس (هيرمس) كما تعلمين، وهو الرحمة المهداة، والصدق والأمانة، أدبه رب العزة واصطفاه، وهو المعلم، وحامل الكتاب المتمم، والحق أن شرعته وسنته تجحد ما تكرهين منهم، فالمسلم سوف يظل أبداً من سلم المسالمون من خبث لسانه وبطش يده.
كفاكي نحيباً يا أماه والأصوب أن تلهمي ابنك (حورس) وتعينيه في قيادة الجيوش، ليقتص بسيف عدالة (ماعت) من عصابات (ست)، ويعيد الحق في كفة ميزان أبيه (أوزوريس)، ويفتح أبواب الجحيم ويزج فيها بأبناء المردة والأباليس، فسبيل النصح والإرشاد غير مُجدي، وآذان الباطل لا تصغي، إلا للوساوس.
أجل يا أماه أدعوكي باسم أبنائك الطيبين أن تجمعي ما بقي من سنابل المحبة، وتصنعي منها خبز الوئام وشراب المودة.
فانطلقت (إيزيس) تنادي: انهض يا (حورس).
ووجدت نفسي أردد وراءها: انهض يا (حورس).
والتفت الرفاق من حولي: ماذا بك؟
فرويت لهم ما كان في غفوتي، فرددوا ورائي: انهض يا (حورس).