عاجل
الأربعاء 31 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القمة الخليجية العربية الأمريكية
البنك الاهلي
محاور خمسة.. مقاربة مصرية شاملة لمجابهة تحديات الإقليم.. هل من آذان صاغية؟

محاور خمسة.. مقاربة مصرية شاملة لمجابهة تحديات الإقليم.. هل من آذان صاغية؟

جدة_ أيمن عبدالمجيد 



 

من جديد يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بلسان مصري عربي مُبين، ثوابت السياسة المصرية، مقدمًا روشتة علاج للتحديات الوطنية والإقليمية والإنسانية، عبر مقاربة تقوم على خمسة أعمدة، تعكس رؤية ثاقبة للأسباب الجذرية للتحديات والأمراض السياسية بالمنطقة، وحكمة في رصد العرض وتشخيص المرض، ومن ثم تقديم العلاج الناجع.   وقبل طرح الرؤية المصرية، التي هي بالأساس استراتيجية تعمل مصر فعليًا على تحقيق أهدافها؛ قدم الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعبارات بليغة تعكس رقي عقل الدولة المصرية وقيمها وإدراكها الواعي لطبيعة التحديات، وحكمتها المجابهة الواجبة بأساليب علمية أخلاقية.

فقد بدأ الرئيس كلمته بالتأكيد أن القمة الخليجية العربية الأمريكية، تأتي في لحظة استثنائية من تاريخ العالم والمنطقة العربية؛ لتحمل دلالة سياسية واضحة بتجديد العزم على تطوير المشاركة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، سواء على الصعيد الثنائي أو في الإطار الإقليمي الأوسع، وبما يمكّن الدول المُشاركة معًا من الانطلاق نحو آفاق أرحب من التعاون على نحو يلبي تطلعات ومصالح شعوبنا.

 

ليؤكد الرئيس في الوقت ذاته أن مصالح الشعوب تأتي "استنادًا إلى علاقات وروابط قوية وممتدة قائمة على إعلاء مبادئ راسخة، لا ينبغي أن نحيد عنها، لتحقيق المنفعة المتبادلة، وصون أمن واستقرار المنطقة بأكملها".   لينطلق الرئيس السيسي إلى رصد دقيق وتشخيص ملخص للتحديات: "تتابعت الأزمات العالمية والإقليمية المتفاقمة وازدادت حدتها، كجائحة كورونا، وتغير المناخ، وأمن الغذاء، وتفشي النزاعات المسلحة دوليًا وإقليميًا، والتي ألقت بظلالها على البشرية بأكملها، ومن بينها منطقتنا العربية التي تُعاني من تحديات سياسية وتنموية وأمنية جسيمة، بما فيها مخاطر انتشار الإرهاب، على نحو يطال استقرار شعوبنا، ويهدد كذلك حقوق الأجيال القادمة".

ولدقة التشخيص، لم يهمل الحقوق المشروعة لأمتنا العربية في طرح التساؤلات المشروعة: "وباتت أمتنا تتساءل بشكل مشروع عما لدينا من أدوات وما نقوم به من إجراءات من أجل التصدي لهذه التحديات، وعن مصير الأزمات الممتدة التي تعيشها منطقتنا العربية منذ أكثر من عقد، وآفاق تسوياتها".

داعيًا الرئيس في هذا السياق، أن تكون لدولنا العربية ومنطقتنا إسهاماتها الملموسة في صياغة حلول دائمة، غیر مرحلية لتلك التحديات المعاصرة.   مشددًا في الوقت ذاته على أن تلك الحلول ينبغي أن تتوافر بها شروط: 

 

 أولًا: أن تكون الحلول على أسس علمية وواقعية

وهنا كان من الحكمة الإشارة إلى أن ذلك ليس رؤية على ورق، بل استراتيجية مصرية واقعية تحقق منها الكثير على أرض الواقع، لذا أضاف الرئيس: "وهو ما نعمل في مصر على تحقيقه انطلاقا من إيماننا بأن للجميع هوية واحدة، وهي الانتماء للإنسانية، فلم يعد مقبولًا أن يكون من بين أبناء أمتنا العربية، صاحبة التاريخ المجيد والإسهام الحضاري الثري والإمكانات والموارد البشرية الهائلة، من هو لاجئ أو نازح أو متضرر من ويلات الحروب والكوارث، أو فاقد للأمل في غدٍ أفضل".

 

ثانيًا: أن تكون الحلول بجهد جامعي مشترك

لتضع حلولًا نهائية جذرية "لجميع الصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، التي أرهقت شعوب المنطقة، واستنفدت مواردها وثرواتها في غير محلها".

 

وهنا يوضح الرئيس السيسي الآثار الكارثية للصراعات التي وصفها ببلاغة بـ"المزمنة"، بما يعكس استمراريتها وتعاظم آثارها، ليذكر بأن تلك الصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، "أتاحت المجال لبعض القوى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والاعتداء العسكري غير المشروع على أراضيها، والعبث بمقدراتها ومصير أجيالها". ليوضح الرئيس ببلاغة سياسية أدوات تلك القوى المتدخلة بلا سند من شرعية في شؤون دول عربية، قائلًا: "من خلال استدعاء نزاعات عصور ما قبل الدولة الحديثة من عداءات طائفية وإثنية وعرقية وقبلية".

 

مذكرًا الجميع، بمن فيهم تلك الدول الأطراف، بأن تلك الصراعات المزمنة والحروب طويلة الأمد يدفع ثمنها الجميع، بلا مكاسب، مشددًا: "لا غالب فيها ولا مغلوب".  

 

لكن نتائجها كارثية، فقد أدى الصراع المزمن إلى: "انهيار أسس الدولة الوطنية الحديثة وسمح ببروز ظاهرة الإرهاب ونشر فكره الظلامي والمتطرف".  

لينتقل الرئيس من رصد العرض والتشخيص الدقيق للمرض وآثاره إلى كتابة روشتة علاج مصرية، تتمثل في مقاربة شاملة تقوم على خمسة أعمدة.

 

المحور الأول:

 

الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على كيفية التعامل مع أزمات الماضي الممتدة، من خلال جهد مشترك لحل أزمات المنطقة، سواء تلك التي حلت خلال العقد المنصرم، أو تلك المستمرة ما قبل ذلك.   وهنا يؤكد الرئيس أن تلك الجهود: "لا يمكن أن يُكتب لها النجاح إلا من خلال التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ونهائية لقضية العرب الأولى، وهي القضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين المستند إلى مرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية".

ذلك الحل المستند لقرارات الشرعية الدولية تقدم مصر أسانيد تبنيها له، فترى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة: "تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وتعيش في أمن وسلام، جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، على نحو يحقق أمن الشعبين". ليس هذا وفقط بل: "ويوفر واقعًا جديدًا لشعوب المنطقة يمكن قبوله والتعايش معه، ويقطع الطريق أمام السياسات الإقصائية، ويعضد من قيم العيش المشترك والسلام، وما تفتحه من آفاق وتجسده من آمال".

وفي اعتقادي هذه بلاغة سياسية وواقعية، ورسالة صادقة لمن يرغب في خلق واقع جديد بالمنطقة، تحديدًا من يسعى لدمج حقيقي لإسرائيل وتطبيع فعلي، عليه أن يعلم علم اليقين أن شعوب المنطقة لم تقبل باندماج حقيقي دون نيل الشعب الفلسطيني حقة في دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وما دون ذلك من محاولات لفرض واقع جديد من دون حلول جذرية لأسباب الأزمة، لن يصل بمن يسعى إليه إلا لذات النتائج التي خلصت إليها محاولات سابقة لم تنزل بالحلول من التصريحات للواقع الفعلي.

 

المحور الثاني:

 

تعزيز اللُحمة الداخلية لمكونات الدولة الوطنية، في مواجهة التفكيك من الداخل، فتعزيز الدولة الوطنية أساس تعزيز الأمن القومي الوطني والعربي.

وهنا ترى مصر "أن بناء المجتمعات من الداخل على أسس الديمقراطية والمواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ونبذ الأيديولوجيات الطائفية والمتطرفة وإعلاء مفهوم المصلحة الوطنية، هو الضامن لاستدامة الاستقرار بمفهومه الشامل، والحفاظ على مقدرات الشعوب، والحيلولة دون السطو عليها أو سوء توظيفها".

ويتطلب ذلك: "تعزيز دور الدولة الوطنية ذات الهوية الجامعة ودعم ركائز مؤسساتها الدستورية، وتطوير ما لديها من قدرات وكوادر وإمكانات ذاتية، لتضطلع بمهامها في إرساء دعائم الحكم الرشيد".

فالدولة الوطنية بحكمها الرشيد، تتطلب أداء وظائفها برؤية متكاملة تعزز قدراتها الشاملة عبر "تحقيق الأمن، وإنفاذ القانون، ومواجهة القوى الخارجة عنه، وتوفير المناخ الداعم للحقوق والحريات الأساسية، وتمكين المرأة والشباب، وتدعيم دور المجتمع المدني كشريك في عملية التنمية، وكذلك دور المؤسسات والقيادات الدينية لنشر ثقافة الاعتدال والتسامح، بما يضمن التمتع بالحق في حرية الدين والمعتقد، فضلًا على تكريس مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ودفع عجلة الاستثمار، وتوفير فرص العمل، وصولًا إلى التنمية المستدامة، تلبيةً لتطلعات شعوبنا نحو مستقبل أفضل يشاركون في بنائه ويتمتعون بثمار إنجازاته دون تمييز".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في تحويل تلك الرؤية لواقع، على المستوى المحلي، عبر رؤية تنموية شاملة تنطلق من العدالة الاجتماعية، مرورًا بحقوق الإنسان وتمكين المرأة ومواجهة الفكر المتطرف والإصلاحات الاقتصادية والسياسية، التي تعزز التطور الديمقراطي، وتعظيم صلابة الجبهة الداخلية، كأحد أهم مقومات القدرة الشاملة للدولة.

 

المحور الثالث: 

 

الأمن القومي العربي، الذي أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أنه كلٌّ لا يتجزأ، وأن ما يتوافر لدى الدول العربية من قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها، كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدي لأي مخاطر تحيق بعالمنا العربي.

وفي الوقت ذاته التأكيد على دعم الدول العربية، التي شهدت هزات وتصدعات، في استعادة عافيتها وبناء قدراتها المؤسسية، دون تجاهل أهمية المواجهة الجماعية لأي تدخلات خارجية تعوق بناء قدرات تلك الدول، التي تمثل جزءًا أصيلًا من منظومة الأمن القومي العربي.

 

المحور الرابع:

 

المواجهة الحاسمة للإرهاب برؤية شاملة، وهنا يؤكد الرئيس السيسي على "أن الإرهاب يظل تحديًا رئيسًا عانت منه الدول العربية على مدار عدة عقود، ولذا فإننا نجدد التزامنا بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف بكل أشكاله وصوره، بهدف القضاء على جميع تنظيماته والميليشيات المسلحة المنتشرة في عدة بقاع من عالمنا العربي، والتي تحظى برعاية بعض القوى الخارجية لخدمة أجندتها الهدامة، وترفع السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومادية، وتعوق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية، وتحول دون إنفاذ إرادة الشعوب في بعض الأقطار، بل وتطورت قدراتها لتنفذ عمليات عابرة للحدود".   وقد قدمت مصر نموذجًا ناجحًا لمجابهة الإرهاب ومن خلفه، وبدأت خطوات في طريق مجابهة الفكر المتطرف، وكون الإرهاب ظاهرة عالمية وأداة سياسية في يد قوى خارجية، تستهدف الأمن القومي العربي وجب المواجهة الشاملة.

 

 

المحور الخامس: 

 

يتعلق بتعزيز التعاون والتضامن لتعزيز قدرات دول المنطقة في التصدي للأزمات العالمية الكبرى والناشئة، كقضايا نقص إمدادات الغذاء، والاضطرابات في أسواق الطاقة، والأمن المائي، وتغير المناخ.

هذا التعاون والتضامن، الذي ترى مصر أنه ضرورة ملحة يستهدف: "احتواء تبعات هذه الأزمات والتعافي من آثارها، وزيادة الاستثمارات في تطوير البنية التحتية في مختلف المجالات، وبما يُسهم في توطين الصناعات المختلفة، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، ووفرة السلع".

وهذا العمق في المقاربة المصرية، يعزز القدرة الشاملة للدولة الوطنية المنفردة، ويحد من المهددات الداخلية والخارجية، ويشكل في مجمله منظومة متكاملة للأمن القومي العربي، وتعزيز السلم والأمن في منطقة محورية ذات تأثير مباشر على الأمن والسلم الدوليين.   فهل تجد المقاربة المصرية الشاملة لمجابهة التحديات آذانًا صاغية؟ وهل تقابل بإرادات حقيقية وآليات تنفيذية تنقل العرب إلى آفاق تنمية شاملة ومستدامة؟ اللحظة الراهنة، تتطلب معالجات علمية وإرادات حقيقية، وقد بلّغت مصر، اللهم فاشهد.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز