فن الدبلوماسية.. وأجندة العلاقات الدولية
تُعَدُّ العلاقات الدوليَّة هي الحجر الأساس للدبلوماسيَّة، سواء في الداخل أو في مقرِّ البعثات الخارجيَّة وعلى مختلف أنواعها، وهي جزء رئيس من الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، ومن حياة البَشَر بمختلف درجاتها، وهذا ما يدفع الجميع إلى التَّفكير بجديَّة في كيفيَّة ترصين العلاقات الدّوليَّة ضِمن الاستراتيجيَّات ومفاهيم الدبلوماسيَّة لغرض الوصول إلى أفضل النَّتائج والتَّحوُّل من الحالة السَّالبة إلى الموجِبة، وهذا يتطلب قيادة وقادة نموذجيِّين وذوي كفاءة أكاديميَّة عالية المستوَى، واضعين تراب البلد وشَعبه نصبَ أعْيُنهم بعيدًا عن التَّخندُق الشَّخصي والتَّحزُّب الطَّائفي والمذهبي، وكذلك عن الإسلام السِّياسي. تحظى الاستراتيجيَّة الدبلوماسيَّة والعلاقات الدوليَّة باهتمامٍ واسع النِّطاق لدَى النُّخب القياديَّة والمؤسَّسات الرسميَّة وغير الرسميَّة؛ لِمَا لها من علاقة وثيقة بالعديد من مجريات السياسة الدّوليَّة. الاستراتيجيَّة تُستخدم اليوم في مختلف ميادين الحياة، وهي الأهداف المرسومة من قِبل هرم الدَّولة أو الشَّخص المسؤول في منصب ما، للوصولِ إلى نتائج ذات طابع معيَّن مدعوم بأدوات ذات علاقة بتحقيق هذه الاستراتيجيَّة. الاستراتيجيَّة الدبلوماسيَّة وسِمات العلاقات الدّوليَّة تُعَدُّ من أهمِّ أدوات صنَّاع القرار ورؤيتهم المستقبليَّة لسياسة الدَّولة الخارجيَّة بالتَّعامل مع محيطها الإقليمي والدّولي، وتعتمد هذه السِّياسة بالدَّرجة الأساس على المصالح الوطنيَّة وكيفيَّة تقوية وإدامة النَّسيج الدَّاخلي للبلدِ، وتطويره بأفضل ما يكُونُ عن طريق أدواتها ألا وهي البعثات الدبلوماسيَّة على مختلف درجاتها. وأقرب مثال على ذلك؛ فلقد أرسَى المغفور له السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ أُسُسًا استراتيجيَّة دبلوماسيَّة متينة وعلاقات دوليَّة متوازنة ورصينة بَيْنَ جميع أطراف المعمورة، حيث يشتركون بنَفْسِ مفهوم الاستراتيجيَّة والأهداف الدبلوماسيَّة الهادئة بعيدًا عن التَّدخُّلات الأجنبيَّة في المحيط الإقليمي والدّولي، بالإضافة إلى ما نلاحظه من استراتيجيَّات وأفكار نموذجيَّة من قِبل والدنا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ لِيؤكِّدَ على نهج السِّياسة الخارجيَّة، حيث قال جلالته: (سنسيرُ خارجيًّا على الخطِّ الَّذي رسمَه السُّلطان قابوس..)، حيث الزيارات الرسميَّة على مستوى (زيارة دَولة) وتوقيع عشرات الاتفاقيَّات الَّتي تصبُّ بمصلحة الجميع، مستندًا إلى عُمق العلاقات الدوليَّة بَيْنَ جميع الأطراف والَّتي صقلَتْها الدبلوماسيَّة العُمانيَّة المتميِّزة بأرقى مفاهيم الحِكمة وبُعد النَّظر والتَّأني في تحقيق رؤية (عُمان 2040) والَّتي تبنَّاها جلالته، ومؤكِّدًا على كُلِّ مفرداتها وأهمُّها الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة الَّتي تاج أهدافها سعادة ورفاهيَّة الشُّعوب، وهذا لم ولن يتحقَّقَ إلَّا بتكاتف الآراء والجهود والثِّقة الصَّادقة المتبادلة، معتمدين على عُمق العلاقات الدبلوماسيَّة الشفَّافة، مستندةً إلى كوادرها الدبلوماسيَّة المتميِّزة من قِبل الطرفيْنِ والَّذين يعملون كخليَّة نحلٍ خدمةً للمصالح الوطنيَّة بَيْنَ سلطنة عُمان والدوَل الأخرى. المعروف لدَيْنا بأنَّ هناك مرتكزات الاستراتيجيَّة النموذجيَّة للدبلوماسيَّة مستندةً بالدَّرجة الأساس إلى توافُق المصالح بعيدًا عن التَّدخُّل في الشُّؤون السِّياديَّة أو الداخليَّة لكُلِّ بلد، بالإضافة إلى العمل الدّؤوب لتحقيقِ ما تمَّ التَّوقيع عَلَيْه من اتفاقيَّات. هناك فَرق كبير بَيْنَ الاستراتيجيَّة الدبلوماسيَّة والتَّكتيك الدبلوماسي، فالاستراتيجيَّة هي فنُّ القيادة العامَّة في كُلِّ الأوقات الإيجابيَّة والسّلبيَّة ولجميع المراحل بمختلف الأدوات والوسائل المتوافرة (بعيد المدَى). أمَّا التَّكتيك فهو فنُّ قيادة لحالةٍ معيَّنة محدود المسؤوليَّة والوقت والمستلزمات والأهداف (قصير المدى). اتَّفقتِ الجامعات البريطانيَّة المُتخصِّصة في العلوم السياسيَّة والعلاقات الدوليَّة على أنَّ العلاقات الدّوليَّة هي التَّفاهمات بَيْنَ الدوَل بمجالات السِّياسة، التِّجارة، الأمن وأخرى وكيفيَّة تأثير هذه المجالات على مصالح البلدان وتوازنها ومن أهمِّ فروعها: السِّياسة الخارجيَّة، الاتفاقيَّات الاقتصاديَّة، الأمن الدّولي والإقليمي، المنظَّمات الدّوليَّة، القانون الدّولي، وكما هو معروف فإنَّ هذه المجالات لا تُطبَّق على أرض الواقع إلَّا بكوادر دبلوماسيَّة مهنيَّة ذات باعٍ طويل بفنِّ الدبلوماسيَّة، سواء بعِلم المفاوضات أو العلاقات العامَّة الخارجيَّة، وهذا لا يتمُّ إلَّا بشربِ ومضْغِ مفاهيم البروتوكول والإتيكيت بأعلى درجات الحنكة المهنيَّة الأكاديميَّة. إنَّ أهمَّ مرتكزات الاستراتيجيَّة الدبلوماسيَّة بالعلاقات الدوليَّة يُبنى على خريطة طريق ذات مُقوِّمات معلومة الأهداف مرسومة الأدوات والأساليب من قِبل هرم الدَّولة تماشيًا مع المصالح الوطنيَّة للبلد، بالإضافة إلى أنَّها تستند إلى الهدوء والحكمة، والتَّأني باتِّخاذ القرار وسعة الصَّدر في تقبُّل الرَّأي الآخر بعيدًا عن التَّخندُق الحزبي والسِّياسي والدِّيني والحروب وإراقة الدِّماء.
وفي الختام، أدَّتِ السَّلطنة عَبْرَ بوَّابتها وزارة الخارجيَّة الَّتي تملك النَّظرة الثَّاقبة والسِّياسة المحنَّكة الهادئة دَوْرًا متميزًا في رسم وتطبيق رؤية واستراتيجيَّة جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ بنَفْسِ الاستراتيجيَّة الدبلوماسيَّة الخارجيَّة بدعمِ العلاقات الدّوليَّة مع الجميع بأُسُسٍ متينة مبنيَّة على الاحترام المتبادل والشَّراكة الاقتصاديَّة المتميِّزة من أجْلِ المصالح الوطنيَّة المشتركة، وكذلك بناء علاقات ثنائيَّة متميِّزة ورصينة لمستقبلٍ زاهرٍ لشعوب الدوَل أجمع.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت