
منى لملوم تكتب: "الحوار الوطني والإصلاح الثقافي بين الحفاظ على الهوية الموجودة والعودة للهوية المفقودة"

بوابة روزاليوسف
في ظل دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني في كل المجالات والتخصصات، يجيء المحور الثقافي ضمن أولويات هذا الحوار، نظرًا لما يمثله هذا المحور لأي أمة من أهمية، فإن ثقافة الشعوب هي الخبرات والقواعد الحاكمة لسلوك وقيم وعادات وتقاليد ودين ولغة كل شعب، والتي يتوارثها عبر الأجيال وبها تكون الهوية.
ولعلنا لاحظنا جميعًا عبر العقود الفائتة تغيرًا وتبدلًا في الهوية المصرية، من تقبل للآخر مهما كان اختلافه، إلى رفض وعدم تقبل لأي مخالف، ومن التسامح والتعاطف إلى الكراهية والانتقام، مما أسفر عن كثير من الحوادث التي فجعت المجتمع المصري في الآونة الأخيرة.
ولذلك فإننا بين بحث عن تلك الهوية المفقودة، التي كان لها أعظم الأثر عبر تاريخنا القديم والحديث، والذي وصل أثر حضارتنا إلى العالم أجمع، تلك الهوية التي كانت تستوعب الاختلاف وتتقبله وانصهرت فيها حضارات أخرى، ولم تستطع أيًا منها أن تغير تلك الهوية، بل حافظت على نفسها لما كانت تتمتع به من مرونة قبل عقود مضت، حتى وفد إليها فكر دخيل أثر في طبيعتها تلك، فظهر من يرفض أي آخر حتى ولو كان شريكًا في الوطن، بل ويرفض أن يمتلك الإنسان الحر حرية الاختيار فتجدهم يريدون أن يكونوا ضميرًا على ضمائر الناس.
وبين حفاظ على ما تبقى منها، يقاوم كل حركات التجهيل والرجعية وإهدار حقوق المرأة ومكتسباتها، وحركات تدافع عن العنف بل وتوجد له مبررات تخالف كل دين وعقل ومنطق وإنسانية.
تسير الخطوات للحفاظ على ما تبقى من هوية ولإعادة ما طمسته الرجعية والمفاهيم الخاطئة التي انتشرت كالنار في الهشيم، تبذل الكثير من الجهود غير عابئة بالتحديات الكثيرة ولا مُستسلمة للأصوات المعاندة للتغيير والمكابرة ضد الهوية المصرية الأصيلة، والتي تمتد جذورها لآلاف السنين في الماضي السحيق.
ومن هنا تأتي أهمية محور الإصلاح الثقافي، لحماية المجتمع من كل ما أصابه من خلل في الفكر والقيم والسلوك والأخلاق.
والاقتراحات لتحقيق هذا الإصلاح كثيرة ولكني سأتوقف عند ثلاثة اقتراحات وهي:
أولًا: عودة الثقافة الجماهيرية مع التنسيق مع كافة الجهات الداعمة من مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات الدينية والمجتمع المدني والمؤسسات الثقافية الخاصة ورجال الأعمال.
ثانيًا: تنظيم حملة لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي أثرت على الهوية المصرية وتسببت في جرائم في حق المجتمع باسم الدين.
ثالثًا: عودة برامج الأطفال والتي يجب أن يقوم عليها متخصصون وتربويون، تخاطب طفل اليوم بما يناسبه وتواجه الفكر الوارد الغريب على مجتمعنا والذي يريد نشر الشذوذ والأفكار المرفوضة بأسلوب علمي صحيح.. فلا يكفي أن نعيد الهوية المصرية ولكن يجب أن نحافظ على الهوية الصحيحة الموجودة.
ولا أفضل في هذا المقام مما قاله محمود عباس العقاد "فكرتك أنت فكرة واحدة، وشعورك أنت شعور واحد، وخيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك، ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعورًا آخر، أو لاقيت بخيالك خيال غيرك .. فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، أو أن الشعور يصبح شعورين، أو أن الخيال يصبح خيالين كلا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة والعمق والامتداد".
ومن كل تلك الأفكار والآراء يتم وضع خطة الإصلاح الثقافي وبهذا يكون للحوار قيمة ومنه فائدة وبه يحدث الإصلاح.
منى لملوم - كاتبة وباحثة