عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

الساحل الشرقي لإفريقيا والشيرازية والنبهانية

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

1- الهجرة الشيرازية والنبهانية:



كان على رأس هذه الهجرة على بن حسن بن على الشيرازي، وهو أحد الأبناء السبعة لسلطان شيراز في بلاد فارس (جنوب إيران)، ولكن أمه كانت حبشية فجفاه إخوته، لذلك قرر أن ينتقل إلى أرض السود، فركبوا في سبعة سفن، وفي أثناء إبحارهم حول الساحل الشرقي لإفريقيا، توقفت بعض السفن في مناطق صغيرة مثل ممباسا وزنجبار، أما الإبن الأكبر لعلي هو الحسن فقد ظل يبحر إلى أن وصل إلى كيلوا فأعجبته، فقرر هو ورجاله الاستيطان بها وقابل مسلمًا يدعى منيري وأباري، فأبلغه أنه يرغب في شراء الجزيرة. فاتصل منيري برئيس القبيلة الذي وافق على بيعها مقابل أطوال من القماش تكفي لإقامة سور حولها، فأعطاه الحسن بن على ما طلب، وبدأ استيطانه فوق الجزيرة التي أطلق عليها اسم (كيلوا كيسيواي) وكانت هي النواة لمدينة كلوة المزدهرة .

وشهدت كلوة ازدهارًا ورخاءً، خاصة بعد أن أطاحت بسيطرة مقديشو في سفالة، إذ كانت مقديشو تحصل على الذهب من سفالة( )، ولم تكن كلوة أقوى دول الساحل فقط، بل إنها كانت أوفرها حضارة، لذلك أثرت كثيرًا على تجارتها، ولما كان مؤسسو كلوة الأوائل من الشيرازيين فلا غرو أن يكون لهم تأثير كبير على أسلوب الحضارة التي ازدهرت هناك خلال القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر للميلاد، وكانت حضارة ذات مظاهر فارسية قديمة .

وأصبح الحسن بن علي الشيرازي، صديقًا لأهالي الجزيرة المحليين وتزوج من ابنة منيري، وخلفه ابنه  بعد وفاته كسلطان على الجزيرة، وبعد ذلك هاجم جزيرة مافيا المجاورة، وحكمها دون أن يشتريها كما فعل والده عندما اشترى كلوة، ولقد استعمل أهالي المدينة ثروتهم في ترقيتها والإرتفاع بها، وبمرور الوقت أصبح لكلوة سيادة على مدن الساحل .

وفي منتصف القرن الخامس الهجري، وصلت هجرة أخرى استقرت إلى الجنوب منها، ويرجع سببها إلى الهجوم الذي قام به المغول الذين تدفقوا من أواسط آسيا على بلاد فارس، مما اضطر حاكمها إلي الخروج على رأس ألف ومائتي رجل فركبوا البحر نحو ساحل الزنج، وتمكنوا من فرض سيطرتهم على الساحل، وأسسوا مملكة أخضعت لسلطانها كثيرًا من المراكز والجزر، ويمكن القول أنها آخر الهجرات التي قام بها مسلمو الفرس .

وقد ذهب بعض المؤرخين إلى القول بأن الشيرازيين ليسوا على المذهب الشيعي، وإنما كانوا مخالفين للشيرازيين الآخرين وأنهم على المذهب السني، وعللوا ذلك بسبب انتشار المذهب السني في ساحل شرق إفريقيا وليس المذهب بالشيعي ومن هؤلاء محمد المشري حيث يقول في كتابه بلاد القرن الإفريقي: "ويمكن القول أن هجرة الفرس الشيرازيين والتي كان لها صدى كبيرًا في ساحل شرق إفريقيا قد ترجع إلى الاختلاف المذهبي كما قال صاحب جهينة الأخبار، فربما يكون المهاجرون الشيرازيون على غير المذهب الشيعي، وبالتالي يكونون قد تعرضوا إلى حالة من الإضطهاد أجبرتهم على ترك بلادهم وما يؤيد ذلك هو أن المذهب السني هو الذي ساد دولة كلوة" .

ويستدل على ذلك بأن ابن بطوطة عندما زار كلوة في القرن الرابع عشر الميلادي قال عن أهلها: "والغالب عليهم الدين والصلاح، وهم شافعية المذهب" .

والسبب الرئيسي في انتشار المذهب السنى في كلوة وما جاورها هو هجرة النبهانيين، ففي سنة 601هـ/1203م أتت إلى جزيرة بات هجرة عربية كبيرة يتزعمها سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني، صاحب عمان بعد أن مل كثرة الصراعات الداخلية التي شهدتها عمان على كرسي الحكم، ففضل أن ينتقل بأهله وأتباعه إلى هذا المكان ليؤسس هناك سلطنة جديدة بعيدًا عن هذه الصراعات ، فركب ومن معه السفن ونزلوا في جزيرة بات، واستقبله العرب المقيمون بها وكان معظمهم من عمان استقبالاً طيبًا، ثم تزوج الأمير النبهاني ابنة اسحق حاكم الجزيرة من سلالة الشيرازيين حاكم كلوة، وبعد اتمام الزواج تنازل اسحق عن الحكم لصهره، فصار أميرها الشرعي، وتأسس حكم الأسرة النبهانية في تلك الجزيرة .

بدأ النبهانيون يمارسون سلطتهم على الساحل كغيرهم من حكام المدن الأخرى كمقديشيو وكلوة، إلا أنهم في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، أصبحوا يمثلون قوة كبرى، وتمكنوا من توسيع بات شمالاً وضموا إليها كلًا من شنجايا وفازا وهما من مدن جزيرة بات فضلًا عن بعض الجزر المجاورة .

ثم دخلوا في حرب مع سلطنة كلوة، انتهت باستيلائهمم على جزر كريمبا في الجنوب، ومن المحتمل أنهم استولوا على (سونجو منارا) التي تقع جنوب كلوة مباشرة، واتخذوا منها قاعدة تحكمت في تجارة ميناء كلوة، وهكذا امتد نفوذ تلك الأسرة إلى معظم الساحل الشرقي لإفريقيا، وأصبحت بات مركزًا لسلطنة عربية إسلامية بدأت تتسع بالتدريج ممتدة إلى داخل القارة، وتحولت إلى سلطنات إسلامية قوية لعبت دورًا عظيمًا في نشر الإسلام بين الأفارقة الأصليين، وهذا مايعلل انتشار المذهب السنى بدلًا من المذهب الشيعي في الساحل الشرقي لإفريقيا.

 

 

أستاذ التاريخ والحضارة الاسلامية

وكيل كلية الآداب جامعة دمنهور  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز