عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ممالك إفريقيا جنوب الصحراء

أ.د إبراهيم مرجونة
أ.د إبراهيم مرجونة

يذكر القلقشندي (ت821ه) في معرض حديثه عن السودان، التي بيناها بأَنَّها المنطقة الجغرافية التي تعرف بإفريقيا جنوب الصحراء، وتمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. أَنَّ هذه المنطقة تشتمل على ستة ممالك مشهورة، وهي: "بلاد البجا، وبلاد النوبة، وبلاد برنو، وبلاد كانم، وبلاد مالي، ومملكة الحبشة".



وقد وردت أوّل إشارة إلى اسم البجة في المصادر العربيّة بعد ظهور الإسلام عند الواقدي (ت207ه/823م) باسم بجاوة، ووردت عند بعض المؤرخين بضم الباء، وفتح الجيم، وإضافة ألف زائدة (البُجَا) ، ووردت عند آخرين: بضم الباء، وفتح الجيم، وألف وتاء مربوطة (البُجاة)، ولعل اللفظ هو لفظ (البُجة) بضم الباء، وفتح الجيم، ثمَّ تحولت الضم إلى كسر فيما بعد.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أَنَّ المؤرخين العرب في العصور الوسطى لم يكونوا أوّل من أطلق اسم البجة على سكان الصحراء الشرقية وما يليها جنوبًا على مدى العصور، من ذلك مثلًا أَنَّ بعضهم ظنَّ أَنَّ الاسم مصدر لفظ بوكا (Buka) أو (Bukak)، الذي جاء في النصوص المصرية القديمة، التي ترجع إلى عصر الملك تحتمس الثالث، وبوكا: هو اسم قبيلة من القبائل الجنوبية التي اخضعها المصريون لسلطانهم آنذاك، ووردت في إحدى النقوش الأكسومية، التي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي باسم بوجايتاي (Bugaitae) .

وعلى أية حال ومهما وردت من أقوال فقد اتفق عدد من الباحثين على أَنَّ اسم البجة قديم جدًا؛ لأَنَّ شعب البجة كانَ معروفًا لدى المصريين القدماء تحت اسم (مزا)، أو (مجا)، أو (ميجو)، وللكلمة هجاءات مختلفة، ولكنها متقاربة، وهي تعني في الفرعونية: الحارس أو المحارب؛ معتمدين في ذلك على عدد من الأدلة التي وردت في النقوش الفرعونية، التي تشير إلى استعانة الفراعنة بقبائل جنوبية تحت اسم (مجا) تتطابق صفاتهم ومواطنهم مع قبائل البجة الحالية.

جغرافية البجة:

تقع البجة في الصحراء الشرقية جنوب الصعيد مِمَّا يلي الشرق فيما بين بحر القلزم (الأحمر) وبين نهر النيل على مقربة من الديار المصرية إلى شمال بلاد النوبة والحبشة، وبين البحر الأحمر شرقًا ونيل مصر والسودان غربًا، وفي صحراء طولها أكثر من ألف فرسخ، وعرضها ثلثمائة، وأَنَّ بداية طول هذه البلاد الشاسعة، تأتي من الشمال من قرية بخرية معدن الزمرد في صحراء القوص، وبين ذلك الموضع وبين قوص مسافة ثلاثة مراحل، ويمتد ذلك الطول جنوبًا حتّى ينتهي بالمنحدرات الشمالية لهضبة الحبشة؛ لذلك نجد تلك البلاد جاورت أَرض الحبشة من الشمال، ويأتي عرضها من ساحل البحر الأحمر شرقًا ويمتد غربًا إلى جبال منيعة تفصل بينها وبين أَرض النوبة  وتلك الأوطان لا تمثل موطن البجة في العصور الوسطى فحسب، بل مثلت الموطن الأصلي لهم؛ وذلك منذ زمن غارق في القدم، وأَنَّ تلك القبائل استوطنت منذ عهد الأسرة السادسة الفرعونية (6460-2200 ق.م) في إقليم يعرف بإقليم (مجا)، أو (مزا) ، وعرف أهله القائمين عليه باسم (أونوت)، ويعني: رامي القوس، ولكن تلك الأوطان ضاقت عَمَّا كانت عليه في العصور اللاحقة، وأخذت تالف من الأراضي الواقعة بين البحر الأحمر شرقًا ونهر عطبرة، ثمَّ النيل الأكبر غربًا، وتمتد من المنحدرات الشمالية لهضبة الحبشة في الجنوب إلى نهاية أسوان في الشمال، وتحديدًا يحد ذلك الإقليم من الشمال خط وهمي يبدأ من منطقة عيذاب الواقعة على البحر الأحمر في الشرق، وينتهي غربًا ببلدة العلاقي الواقعة على نهر النيل شمال مدينة وادي حلفا، ويحده شرقًا حوض البحر الأحمر، أَمّا في الجنوب فيحدّه خط وهمي يمر من ساحل البحر الأحمر جنوبًا، وينتهي غربًا بنهر عطبرة في منطقة الشمال حيث بلدة القضارف جنوب السودان.

ومن الجدير بالذكر أَنَّ هذا الإقليم اتصف بصفات جغرافية متنوعة تمثلت بالتضاريس وموارد الماء، وما يترتب على ذلك من تنوع النبات والحيوان، ولعل اختلاف التضاريس هو أَكبر عامل طبيعي يؤثر في الظواهر الطبيعية الأخرى، وأكبر مظهر لاختلاف التضاريس هو وجود تلك السلاسل الجبلية الممتدة من الجنوب إلى الشمال في محاذاة البحر الأحمر في شكل مرتفعات متصلة الحلقات فيما عدا مكان واحد يشقه خور بركة.

والملاحظة في تلك المرتفعات المحاذية للبحر الأحمر أَنَّها تلتصق به أَحيانًا؛ حتّى لا يكاد يفصلها عنه شيء، وتبتعد عنه أَحيانًا؛ فتترك بينها وبينه سهلًا ساحليًا ضيقًا يتراوح عرضه ما بين (20-30 كم)، يضيق في القسم الأعظم من الجهات الداخلية في السودان والأكثر اتساعًا في الجزء الداخلي في حدود مصر، كذلك نجد أَنَّها ليست متساوية في الارتفاع والوعورة؛ فترتفع في بعض الجهات لتزيد عن (1500م) لتقل في الأخرى عن (500م)، أَمّا من ناحية الانحدار والوعورة فيكون فجائي من جهة الشرق، وتدريجي من جهة الغرب، تتخلله بعض الأودية والسهول.

وَمِمَّا لاشكَّ فيه فقد أثرت تلك الجبال واختلاف مظاهرها في تنوع موارد المياه وتوزيعها، ولاسِيَّمَا في مصادرها الأولى، ألا وهو سقوط الأمطار؛ إذ إِنَّها تكون غزيرة في منطقة، ولكنها دون ذلك في منطقة أُخرى، فضلًا عن مواسم سقوطها؛ فمنها ما هو صيفي، ومنها ما هو شتوي؛ فالمرتفعات المنحدرة غربًا وما يليها في ذلك الاتجاه مطرها الصيفي، والمرتفعات شرقًا، وكذلك الساحلية فمطرها شتوي.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

وكيل كلية الآداب جامعة دمنهور  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز