عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"الحاجة سعاد" وبيت "روزا" الجديد

الغربة الثانية 6

"الحاجة سعاد" وبيت "روزا" الجديد

سعاد رضا.. لا تتلاقى الشفاه على تلفظ اسمها أمام من عايشوا زمن "روزاليوسف" الأول، يوم كانت المجلة تتربع على عرش الصحافة المصرية، شيخة القلم والحبر والورق، حتى تدور الرؤوس وتطل الذكريات.



وتحتار- إن سُئلت- كيف تصف تلك المرأة التي ذهب سمعها في الناس، فغدت مترامية الذكر في الآذان والقلوب، فهي في الإدارة عدالة وحزم، وفي العمل همّة عالية، لم تُضبط يومًا متلبسة بمجاملة على حساب العمل، في المحاسبة وجداء الحساب دِقة وأمانة وثقة، بيدها مفاتيح بيت مال "الست روزا"، وكانت قد ائتمنتها عليه بعدما رأت مَهاَرتها في المحاسبة والإدارة، وكان حظها من النجاح وافرًا، فجعلت "الحاجة سعاد"، كما تُحب أن تُنادى، للدار ساقين تقف عليهما وتجابه صروف الأيام، وغدرات الزمان.

هي التي عرفت اليُتم باكرًا، دخلت حياة وبيت "الست روزا" طفلة، فترعرعت وكبرت وشبَّت، تتنكب المسؤوليات الجسام، فيما كان أعز ما تملك "الست روزا" وأغلى هو مجلتها، التي أعطتها اسمها وحياتها كلها.

ما كان والد سعاد، محمود رضا، عند "الست روزا" مجرد ممثل عادي، يؤدي على الخشبة معها أدوارًا، ويجسد شخصيات سال حبر المؤلفين في تكوينها وتحريكها، إنما كان صديقًا صفيًا عندها، تأتمنه على القليل والكثير من كتمات صدرها، فكان هو الأمين المؤتمن.

ما وقفت "الست روزا" في عز تألقها ومجدها خلف الستارة، إلا وكان شرطها أن يكون محمود رضا معها. فأفنى عمرًا على الخشبة وخارجها إلى جانبها، حفّاظًا للجميل وفيًا "لست ستات المسرح"، كما كان يحلو له أن يناديها.

وتوعّك، نغل المرض العضال في جسمه النحيل، وعرف أنه لن يبرأ ولن يسترد عافيته، فأوصاها بابنته الوحيدة سعاد، فوعدته برعايتها والاهتمام بها.

ومات محمود رضا بعدما استبدت به العِلّة، فوفت "الست روزا" بالوعد، ضمّت الطفلة اليتيمة إلى أسرتها، فقرّبتها من آمال ابنتها من زواجها من زكي طليمات، وإحسان من زواجها من محمد عبد القدوس، وقد أصبح إحسان لها الشقيق الأكبر، يحميها ويرعاها، تأتيه فينصح ويرشد، وتطلب فيُلبي.

ولم تفرق "الست روزا" في معاملة سعاد، فكما قست على ولديها عندما يأتيان بما لا توافق عليه من تصرفات، أو لا تأتي نتائج دراستهما على ما تشتهي وتطلب، كانت تقسو عليها وتعاقبها، أسوة بآمال وإحسان.

وأقبلت سعاد على العلم بنهم المتعطشين للمعرفة، وغلب عليها الميل إلى الأرقام والحسابات، فشجعتها "الست روزا" على دراسة المحاسبة وإدارة الأعمال، وفي نيتها أن تسلمها مقدرات الدار المالية الإدارية، فنبغت سعاد فيهما، وتقلدت في رأسها معرفة واسعة بما يتصل بالإدارة والتنظيم المالي ووضع الميزانيات، فغدت مرجعًا لكثير من شواردهما وأوابدهما.. واستطاعت بجهدها واجتهادها ومثابرتها ودأبها المتواصل والتتبع الدقيق، أن تحظى بثقة "الست روزا"، فنالت الحظوة، ورفعتها من أصغر المناصب إلى أكبرها، لتتصدر المسؤوليات في الدار بصفتها "العضو المنتدب" للمؤسسة.

والحقيقة، أن سعاد رضا أنفقت في الوصول إلى ما وصلت إليه الوقت الوفير والعناء المديد.

لم تتغير عليَّ، على الرغم من أنني لم أرها منذ أن غادرت إلى لبنان، في غربة تمددت على سنوات ست ويزيد قليلًا، فإن وجهها الذي تنعكس على قسماته رقة نفس عذبة، هادئة متلطفة، بدا لي أليفًا. العينان، المستعصيتان على الوصف، تدوران في وجه عليه مسحة من البهاء والنضارة.

 

لما رأتني، مدت على شفتيها ابتسامة ودودة، خطفتها منها كلمات خرجت متلهفة:

"ازيّك.. عامل إيه.. انت زي ما أنت ما تغيّرتش عليّ".

وودّت أن أقول لها "وانت كمان"، فسكت.

وخرجنا من مطار "هيثرو" الدولي. وفي الطريق شرحت لها أن وجهتنا جنوب شرقي لندن، حيث بيتنا، فهي ستكون ضيفتنا طوال فترة إقامتها في العاصمة البريطانية، فزوجتي "الصعيدية" (على الرغم من أنها لا تبطل التندر ورمي النكات عن الصعايدة)، تربأ أن تقيم فتاة في فندق أو نزل بمفردها، فليس ذلك البتة من شيم وكرم ونُبل أخلاق الصعايدة.

 

"يقولوا الناس عنّا إيه..." وتصر زوجتي أن تحل "الحاجة سعاد" في الغرفة المخصصة للزوار في بيتنا.

 

وعلى الرغم من أنني لست ممن يحبون خلط العمل بالعلاقات الشخصية، إلاَّ أنني نزلت على رغبة زوجتي وإصرارها، وليس بالطبع خوفًا من الناس.

 

وسعاد رضا تختصر المسافة، تعرف كيف تدخل إلى حياة وعقل من يتعرف عليها، وسرعان ما أصبحت جزءًا من حياة بيتنا، أحبّت شيرين، وداعبت شريف، وانسجمت مع زوجتي أيما انسجام، و"هات يا أحاديث" عن المصريين وأخبارهم وأحوالهم ومعاناتهم في التأقلم مع العادات والتقاليد البريطانية.. ولم تصدق زوجتي أن وجدت من تسمع لها، وهي تحكي عن حياتها في غربتها الثانية، وتختم الكلام بجملة كانت تكررها دائمًا: "نار لبنان ولا جنّة الإنجليز".

 

ووجدت "الحاجة سعاد" نديمة من أصفاهن، ذكية، متواضعة، وديعة، تتقن فن الإصغاء، على درجة رفيعة من الذوق، عرّافة بكل جديد، فريدة في شخصيتها، فريدة بذاتها.

 

لم تُشعرنا طوال أسبوع مكثها في ضيافتنا أنها غريبة، فهي تعرف كيف تتآلف وتتأقلم، وتجعلك تشعر بذوق وتهذيب أنها من أهل البيت، مع المحافظة على الكياسة والخصوصية، والتهذيب المفرط. الشمس التي تضج بالضوء غمرت غرف البيت، ظننتها تغط في نوم عميق، وما بها رغبة في الاستيقاظ. فهي وصلت لندن في الليل، ولم تنم باكرًا، بَقيت مأخوذة بأحاديث زوجتي، تغزل وتجدل الكلام معها، ولا تنفك تسألها، كلما روت حادثة، عن واحدة أخرى.. وقدّرت أنها ستمضي اليوم الأول من وصولها بالراحة، قبل أن تبدأ بالمهمة التي انتدبت من أجلها.. فوجدتها تنتظرني بكامل أناقتها، تجلس بوقار في ردهة الاستقبال، وفنجان الشاي في رحلة من شفتيها إلى صحن الفنجان الصغير، وإلى جانبها حقيبة جلدية متخمة بالأوراق.. الحياة تضج في صدرها حركة لا تهدأ، وعطاء لا يقف عند سَدٍّ أو حَدٍّ.

 

طوال الدرب إلى المكتب في "ريجنت ستريت"، راحت تُحضّرني للمهمة التي جاءت من أجلها، وهي الوقوف على عمل المكتب وعلى الميزانية، وكيف تُنفق، وأن لويس جريس وعبد الرحمن الشرقاوي تركا لها، على ضوء معاينتها ومعرفتها، واطلاعها على ما جرى ويجرى، وما دار ويدور، وعلى ما عندي من خطط لتطوير عمل المكتب.. قرار توسيعه أم إقفاله.

 

تركت بين يدي "الحاجة سعاد" دفاتر الحسابات وملفات العقود، وطلبت منها أن نتناقش، وأن أرد على جميع أسئلتها واستفساراتها، متى انتهت من التدقيق في الدفاتر ومراجعة الملفات والتقارير التي كنت أرسلها دوريًا وتباعًا إلى عبد الرحمن الشرقاوي ولويس جريس، عن سير العمل والمتطلبات والطلبات.

 

أمضت "الحاجة سعاد" اليومين الأولين، وعلى مدى ساعات طويلة، في الاطلاع والتدقيق والمراجعة، وتسجيل الملاحظات والأسئلة التي تريد أجوبة عنها. وحرصت أن ترافقني وتشارك في كل الاجتماعات الطويلة التي أعقدها في المكتب وخارجه، سواء مع وكلاء الإعلانات أو العلاقات العامة والتسويق أو الاجتماعات مع زياد فهيم لضبط التوزيع. وتمكنت "الحاجة سعاد" من عقد اتفاق مع فهيم لتوزيع "صباح الخير" إلى جانب "روزاليوسف".

 

وكانت سعاد رضا تسمع، لا تناقش ولا تسأل، لا تستوضح إلا عندما لا يعجبها الطرح، أو عندما تستهجن فكرة، وتجد أنها ليست في مكانها الصحيح في النقاش.. وكانت دائمًا تسجل الملاحظات بدقة متناهية. وكنت أراها من طرف عيني، بين الحين والآخر، تراقبني، وتكتفي بهز رأسها إيجابًا أو سلبًا، موافقة أو معترضة. واتضحت لها الأمور: الدفاتر بما فيها من أرقام متطابقة مع المستندات المنظمة والمرقمة في الملفات. العقود لا لبس بها ولا التباس. والميزانية التي وُضعت للمكتب تُنفق بدقة وعلى المستلزمات الأساسية. ثم وضعت نظاما ماليًا، دربتني عليه وعلى طريقة استخدامه، وأسلوب التواصل مع الإدارة المالية في القاهرة.

 

سألت ورددت، استفسرت فشرحت، طلبت المزيد فاستفضت. وفي تقريرها الذي رَفَعته إلى لويس جريس وعبد الرحمن الشرقاوي، اعتبرت أن المكتب على الرغم من ميزانيته الضئيلة يؤدي ما طُلب منه في الأصل، وهو نجح في التسويق والعلاقات العامة، وحتى في اختراق "مافيا" الإعلانات، وانتزع لمجلة "روزاليوسف" حملات إعلانية، ما عرفتها أي مجلة مصرية، ويمكن أن تتنوع خدمات المكتب ونشاطاته الصحفية والتسويقية والإعلانية، بما يخدم "روزاليوسف"، الدار والمجلات التي تصدر عنها.

 

وأوصت "الحاجة سعاد" في تقريرها بالانتقال إلى مكتب أرحب وأوسع، يُسعف في تنفيذ الخطط المستقبلية التي وضعها كل من لويس جريس وعبد الرحمن الشرقاوي، ووافقت هي عليها كعضو منتدب. لقد أدركت بعد الاجتماعات الطويلة مع سعاد رضا، أنه ليست الخبرة والحنكة فقط التي تتحكم بمسار الأمور واتخاذ القرارات، إنما الحسابات الدقيقة وإن دخلت فيها الاحتمالات والنسب.

 

وقد احتسبت سعاد رضا جيدًا، وكانت قراراتها في تقريرها، بما فيه توسيع مكتب "روزاليوسف" صائبة. وكانت سعاد رضا تملك القدرة متى خرجت من المكتب أو من آخر اجتماعات النهار، أن تسدل الستار عما جرى ودار كأنها تطفئ النور في ذهنها، فلا تعود ترى ما دار خلال ساعات النهار، وتكون على استعداد ذهنيًا ونفسانيًا لتمضية وقت راحة لا ينزل فيه العمل ومشاكله على كلام الليل والسمر والسهر.

 

سبقها خبر مجيئها إلى لندن قبل أن تحط طائرة "مصر للطيران" في مطار "هيثرو"، وعلى الرغم من مشاغلها لم ترُد باب المكتب في وجه أحد طلب أن يراها، ممن عَرَفت في سنوات عملها في "مؤسسة روزاليوسف".

 

كان أولهم حسين قدري، ابن السيدة زينب، وكانت عَرَفته منذ كان رئيس تحرير "مجلة الإذاعة" وبعدها، عندما حضر إلى لندن كمراسل للمجلة. ورضا حسين قدري، أديب ممراح أروب في الوسط الصحفي والأدبي المصري، بخفة ظله وأسلوبه. انعكس هذا في لقائه "الحاجة سعاد" في مكتبي، فامتزج الجد بالمزاح والهزل. وتطايرت النكات والتعليقات الساخرة لدرجة يصعب على المستمع أن يفرق بين الحقيقة والمزاح. وأحرجني حسين عندما راح يغدق عليّ المديح، وذهب به الغلو إلى تعداد أهمية وجود "روزاليوسف" الدار والمجلة في لندن. وفي مستطيل الكلام استفاض في "دوري الناجح" في تنظيم وضبط إدارة المكتب لدرجة يصعب معها التصديق...

 

بدأ حسين قدري الكتابة في مجلة "التحرير" التي كانت تصدر عن "جريدة الجمهورية" قبل أن ينتقل إلى مجلة "الإذاعة والتليفزيون"... حاور أكثر من 300 شخصية فنية وسياسية وأدبية.. وقدمهم في الصفحة الأخيرة من المجلة تحت عنوان "أيام من حياتهم"، ونجحت الصفحة وجذبت القراء والنجوم على حد سواء، وبأسلوبه الكوميدي قال إنهم كانوا يتصلون برئيس التحرير وقتها يقولون "إن مجلة الإذاعة الآن تُقرأ من الخلف"!

 

وانفلت حسين في الحكي، فاستعرض سيلًا رقراقًا من المعلومات عن رحلاته الصحفية وريادته في "أدب الرحلات"، والحقيقة أنه كان رحّالة جوّالًا، طاف في بلدان كثيرة، وعاد منها، وكتب عنها الكتب، وروى فيها الحكايات التي أشبه بالمغامرات.

 

ورحلاته تلك كانت بدأت سنة 1946 واستمرت 117 يومًا في الصحراء مع زوجته والمصورين كمال راشد وأحمد فؤاد، فمسحوا كل الصحاري المصرية: سيناء شمالها وجنوبها، ثم الصحراء الشرقية والغربية أيضًا... ثم توالت الرحلات إلى "جزر الكناريا" وقبرص وبيروت وغيرها.. جمعها في كتب تجاوزت العشرين، عن لندن كتب كتابين بينهما ثلاثين سنة، وهما مختلفان تمامًا تحت عنوان "مذكرات شاب مصري يغسل الأطباق في لندن" ويدور في فترة الستينيات وأواسط السبعينيات، يومها كان المحرر الفني نجمًا لامعا ومتألقًا يسعى الوسط الفني لصداقته ومودّته ويتبادلون معه الزيارات العائلية، فقد دخل بيته، كما يزعم، صلاح وعز الدين ذو الفقار، عمر الشريف وفاتن حمامة، وسعاد حسني، ونادية لطفي وغيرهم.. في حضور زوجته الأولى سامية حمام، وبالمناسبة تزوج قدري أربع مرات، والأخيرة كانت من حبه الأول، الأديبة عصمت صادق التي كانت تصغره بسنوات أربع، لكن قصة حبهما انتهت بالفراق، فقد رفضه والدها، فهو كان لم يزل طالبًا في "جامعة فؤاد الأول"، ولم يكمل دراسته، والفراق الذي دام سبعين سنة، انتهى قبل وفاته بالزواج، كان رضا وقتها قد ناهز الخامسة والثمانين.

 

ومرّ على المكتب ماهر عثمان، الكاتب والمترجم والإذاعي الفلسطيني، مُقدم الجولات الإخبارية في "القسم العربي" في "هيئة الاذاعة البريطانية" BBC. وقد رغب أن يُجري مع "الحاجة سعاد" حديثًا إذاعيًا عن المرأة العاملة المصرية التي كانت هي خير مثال لها، فلبّت "الحاجة سعاد، وكان الحديث.

 

استأجر عثمان مكتبًا لنشاطه في مجال الترجمة في الطابق الإداري نفسه، ومن خلاله تعرفت على أسرة "القسم العربي" في "الإذاعة البريطانية"، فكان لي بينهم أكثر من صديق، سيأتي الحديث عنهم فيما بعد.

 

على الرغم من إغراءات زوجتي بأن تصحبها إلى المحلات والأسواق للتبضع.. فلم تكن سعاد رضا من اللائي تجذبهن الأزياء وشهوة التبضع أو التفرج على واجهات المحلات.

 

وعادت إلى القاهرة كما جاءت، لم تحمل معها من المشتريات ما تعودت أن أراه من زوار لندن من المصريين الذين يعودون ومعهم حقائب منتفخة من ملابس وأدوات ماكياج وخلافهما، إلى درجة أن جمرك القاهرة كان يستقبل المصريين الوافدين من لندن بتركيز كبير وعيون مفتوحة وتفتيش دقيق، كأن لندن هي المصدر الوحيد لدخول كل البضائع الأجنبية إلى القاهرة، لكثرة المترددين من المصريين على العاصمة البريطانية.

 

وفضّلت سعاد رضا مشاهدة أحدث الأفلام الأجنبية (التي لم تصل مصر بعد ولم تُعرض بصالات المحروسة) في ميدان "ليستر سكوير" وهو واحد من أجمل المعالم السياحية في لندن، لأهميته على الصعيدين الثقافي والحضاري، فهو شارع المسارح وصالات السينما، ويستضيف المهرجانات المشهورة.

 

سافرت الحاجة سعاد عائدة إلى القاهرة متمنيةً أن تعود إلى لندن مرة أخرى لزيارة بيت "روزا".

 

لم "أكُذّب خبرًا" كما يقول العوام عندنا، وبدأت البحث عن المكتب الجديد. وفضّلت أن يكون في الشارع العريق نفسه، فلم ألجأ إلى وكالات بيع وتأجير المكاتب. وفضّلت الأسلوب البدائي بدق الأبواب وسؤال حرّاس البنايات العملاقة العتيقة في "ريجنت ستريت". وصل بي الطواف إلى البناية رقم 213 "مورلي هاوس" Morley House، أجمل مباني الشارع العريق المجاور لشارع Langham Place حيث تقع "كلية بوليتكنيك" التابعة لجامعة "ويستمينستر"، وأحد مباني هيئة الإذاعة البريطانية وكنيسة All Souls.

 

واجهة المبنى منقوشة، وهي في الدرجة الثانية من المباني الأثرية المستوحاة من فن "جون ناش"، أحد الفنانين المعماريين الذين شهدوا بخيالهم الواسع في تصميم الأبنية وتخطيط المدن. وُلد في لندن، وتوفي في جزيرة Isle Of Wight، واشتهر بجرأته في طرح الأفكار الإبداعية والتشكيلية. في تصاميمه الأولى واجهات القصور التي نفذها في "ريجينت ستريت" و"حدائق وبحيرة ريجنت"، وتصميم "سانت جيمس بارك"، وبدأ إعادة بناء "قصر باكنجهام" كقصر ملكي عندما توفي الملك جورج الرابع.كما يمثل الجناح الملكي Royal Pavilion في مدينة برايتون Brighton وصممه على الطراز الهندي بلمحة من الطراز العربي الإسلامي، وأصبح من معالم "برايتون" السياحية.

 

والتقيت وكيل البناية "مستر فرنيزي"، الإيطالي الجنسية. بدا لي كأنه "لورد" إنجليزي أو أمير إيطالي من عصر النهضة، مثقفًا كان، بهيّ الطلّة، أنيقًا ولطيفًا. أجابني بأدب شديد أخجلني، عن توفر شقة صغيرة بالطابق الرابع، هي عبارة عن صالة كبيرة وغرفة مغلقة. وعندما شعر برغبتي لمعاينتها، رافقني، وبتهذيب مفرط، راح يشرح لي شروط الإيجار، وما يُسمح لي بتغييره، وما هو محظور. أعجبتني الشقة، وتم الاتفاق المبدئي بالقبول على أن يرسل عقد الايجار للمحامي الذي أتعامل معه" مستر جون أكِرسللي" من مكتب المحاماة Solicitors Janners في منطقة "ماي فير" الراقية، لإتمام إجراءات التعاقد، وهو المحامي الذي لجأت إليه في البداية لإتمام الإجراءات القانونية لمكتب التمثيل وإجراءات إقامتي.

 

وتم التعاقد. وأرسلت عقد الإجارة الجديد وتفاصيل المكان بالصور الفوتوغرافية إلى "الحاجة سعاد"، ونُسخ أخرى لكل من عبد الرحمن الشرقاوي ولويس جريس.

 

وبدأ العمل في بيت "روزا" الجديد.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز