نشوى سلامة تكتب: فراق الأحباب

دائما ما تترك التواريخ والأماكن، وحتى العطور أثراً قوياً جداً فى ذاكرتك، فهى تذكرك بكل حدث أو أحداث جرت فى فترات حياتك السابقة، حتى لو كانت بعيدة جداً، طفلاً كنت أو فى مرحلة الشباب، وأحياناً نوعيات الطعام، مجرد سماع اسمها ينبه ذهنك لاستحضار صورة الذكرى كاملة أمام عينيك، تحكى لك حكايات عشتها، بعضها مؤلم، وبعضها مبهج، المهم أنها حكايات حياتك كلها.

 

لهذا لن يمر عليك شئ هباء، ولن يذهب أبداً ما تأثرت به من ذاكرتك، من الممكن أن تنسى تفاصيل أماكن وأيضاً أرقام وأسماء ووجوه، لكنها تظل رموز وإشارات وعلامات لا يمكن تمسح من ذاكرتك أبداً، خزائن روحك تحتضت عمرك كله مع أحبائك. 

 

 أحياناً ستتمنى أن تمحى بعضها لأنها تذكرك بما يؤلمك، بل ستسقطها من ذاكرتك عمداً، وربما تحتفظ بها فى آخر السرداب، وأحياناً تريد أن تستعيد بعض من هذا الألم وتفاصيله لأنه آخر ما تبقى لك من حكايات عُمرك، آخر كلمة سمعتها، وآخر نظرة لحقتها.

 

واليوم  الثالث والعشرون من ديسمبر، تاريخ فاصل فى حياتى، كنت أظنه بداية لتغيير ملامح التواريخ وحكايتها معى، ولكن لم يشأ القدر ذلك، وكان هذا التاريخ بمثابة آخر عهدٍ لى بكل حكايات العمر التي طالما رغبتها رغماً عن كل شىء، وعن الزمن الذي  اختصرها فى يومين رغماً عنى ولم يمهلنى وقتاً،  وقال لى اكتفِ قَدراً، لقدمضى هذا العهد، وما عليك إلا أن تراقبى انقضاء  لحظاته، ولم أقوى على الصد، ولم أستطع الزود، ولم يتبق لى إلا احتفاظى بمجرد تاريخ.  

 

أدعوك يا الله ألا تمحوا شيئاً من ذاكرتى حتى وإن أصابتنى الحسرة واعترانى ألم فراقهم، ففى تذكرهم تحلو ذكرياتى، بل كل حياتى.