عاجل
السبت 4 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
القرآن الكريم وفن الدبلوماسية.. "الكتمان وسرية التفاوض"

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية.. "الكتمان وسرية التفاوض"

يعتبر الكتمان وسرية العمل من أهم أولويات النجاح والتفوق المهني، بل وحتى في الحياة اليومية، كما يعتبر الكتمان والسرية من أهم مفردات نجاح التفاوض، ويمكن لتغريدة واحدة على وسائل التواصل الاجتماعى أن تقلب الموازين، وقد تغير مصير شعوب واقتصاديات بلدان، خاصة الصادرة ممن يعملون في سوق الأوراق المالية وبورصات الاقتصاد العالمي، ومنها بورصة النفط والمواد الغذائية الأساسية التي تعتبر سلة الحياة اليومية للمواطن، فما بالك بالتصريح لوسائل الإعلام أثناء التفاوض.



لغوياً، كتم الشيء هو أحد أبواب النصر والنجاح والتفوق ويمكننا القول إنه أن تفعل ما تريد فعله دون أن يعرف بذلك الآخرون، وتعطي لأفعالك هذه غطاءً لا يمكن مشاهدته من قبل الآخرين. 

ويحتاج الإنسان بطبيعته إلى كتم بعض أسراره، إن لم يكن كلها، وعلى أية حال يُعتبر (الكتمان) من السمات الناجحة لدى الدبلوماسي وكذلك عند عامة الناس، وكلما كان الإنسان كتوماً كلما استطاع أن ينجز بعض أو كل أعماله بشكل آمن وناجح.

 وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق، ووضع  الكتمان والسرية ضمن بروتوكول وإتيكيت شخصية الدبلوماسي الناجح أو كبار الشخصيات، كما جاءت في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة كدروس للاقتداء بها وممارستها في حياتنا اليومية، وكان رسولنا الكريم - صلّى الله عليه وسلم - يحث على هذا النسق الراقي في الحياة والدعوة إلى التعرف على بعض المفاهيم والحقائق عن السرية والكتمان، وهو أول من استخدم الختم في رسائله المبعوثة إلى ملوك وسلاطين العالم ليضيف عليها السرية والخصوصية، في بدء الدعوة الإسلامية، والكتمان والسرية تم سردهما في آيات القرآن الكريم حيث قال تعالى: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا.."  (23 سورة الكهف) وهي آية غايةٌ في الروعة فتوصينا بعدم الكلام والثرثرة في أمور مستقبلنا مهما كانت أهميتها، وإنما يوصينا رب العزة بكتمان أعمالنا وتحركاتنا وعدم البوح بتفاصيل ما هو موجود في جعبتنا. 

وقال تعالى:" قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ "( 5 سورة يوسف ) وهي دعوة ربانية بالحفاظ على السر من أقرب الناس لأن هناك في نفس البشر " الحقود، والحاسد، والغيور والكاره"، إلى آخر الصفات السلبية التي تؤثر على مستقبل الإنسان" ولذلك علينا جمعياً الاحتفاظ بأسرارنا لأنفسنا أو بمن نثق بهم وتبادل الرأي معهم، ليس أكثر من ذلك، لأنه كما قال أحد الحكماء "إذا ذاع السر بين ثلاثة فقد فشى".

وقال تعالى: "فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً" (19سورة الكهف)، ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن عن ما جرى لإخوانه، ويبدأ بالكلام هنا وهناك ويشهر أمرهم بين الناس، وإنما أن يذهب إلى السوق ويشتري ما يحتاجونه بكل هدوء وسكينة وعدم الثرثرة بما حصل لهم، والأدهى في هذه الآية الكريمة أن يذهب شخص واحد فقط وليس الجميع، وهي من علامات الكتمان والسرية للحقيقة، وعدم جلب النظر من قبل عامة الناس لأن شخصًا واحدًا قد لا يجلب النظر إليه، أما عدة أشخاص فقد يكونون تحت مجهر عامة الناس.

ولذلك أوصانا القرآن الكريم بأخذ الحيطة والحذر في هذه الأمور، والالتزام بهذه الحكم الربانية وعدم الركض خلف المدارس الدبلوماسية التي تدرس وتستفيد من قرآننا الكريم. 

أما السيرة النبوية فحافلة بالمواعظ والاهتمام بصفة الكتمان والسرية، قال رسولنا  الكريم عليه الصلاة والسلام: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان،  فإن كل ذي نعمة محسود"، والحديث واضح وصريح حيث يرشدنا إلى الكتمان والسرية في قضاء معظم أعمالنا، وعدم التكلم هنا وهناك من أجل التباهي أو التفاخر أمام الناس، فقد كان صلى الله عليه وسلم، أول من وضع هذه الخاصية الرائعة في الحفاظ على السرية، وعدم الثرثرة التي تطيح بكبرياء الشخص، وبالتالي يفقد هيبته بهذا التصرف وهو ما تؤكد عليه المدارس الدبلوماسية المتخصصة في البروتوكول والإتيكيت، وهكذا كان الصحابة - رضوان الله عليهم - وكان أجدادنا الأوائل يعلّمون أولادهم المحافظة على السر، وهي صفة من ألزم الأمور لسلامة الأمة وأمنها، وقد ابتكر الرسول - صلى الله عليه وسلم -"الرسالة المختومة" مراعاة للسِّرِّية والأمن، كما أوضحنا سلفاً، أما  الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "من كتم سره كان الخيار بيده"، وقال الإمام علي رضي الله عنه : "سِرُّكَ أسيرك، فإذا تكلمتَ به صرتَ أسيره "، والمقولة الشهيرة للخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، حيث قال: "القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل أمرئ مفتاح سره".

 وفي الختام فإن المحافظة على هذه الصفة من علامات النجاح والتفوق في الحياة اليومية والعملية، سواء الشخصية منها أم الرسمية، الفردية منها أم الجماعية، وبالتالي علينا التمعن، وبدلا من الانقياد خلف المدارس والنظريات الأجنبية عند تعلم هذه الصفة، العودة لتعاليم الإسلام والسيرة النبوية الثرية.

 

دبلوماسي سابق كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز