ميرنا الفقي: "حتة من القمر" حرّر ضحايا التنمر من الإحساس بالنقص..وجميعنا قمر مظلم.. والـ5 حلقات السهلة الممتنعة
هبة جلال
لم يسلم إنسان من التعرض للتنمّر سواء من حيث الشكل أو اللون أو الكلام وخلافه، ونظراً لانتشارها السريع في هذه الآونة، الأمر الذي لفت انتباه السيناريست ميرنا الفقي، فرأت تسليط الضوء علي هذه الظاهرة برؤية مُختلفة في التناول وكيفية المعالجة الدرامية لها من خلال حكاية "حتة من القمر"؟
وفي إطار ذلك تحدثت الفقي لـ"بوابة روز اليوسف"، حول هدفها من الحكاية، وسبب اختيارها للوحمة تحديدًا، وحول اختيار الفنان حسن الأسمر كنموذج وتشبيهه بالبطلة، ودلالات استخدام عدد من أغانيه ضمن أحداث الحكاية، وكيف استقبلت إشادات الكثيرين للعمل .
من جانبها تشير السيناريست ميرنا الفقي إلي أن الهدف من حكاية " حتة من القمر" التي عُرضت ضمن حكايات مسلسل"زي القمر"، بموسمه الثاني هو إلقاء الضوء على قضية التنمّر لأنه لا يوجد شخص في الحياة لم يتعرض للتنمر حتي ولو من باب المزاح .
وتقول حكاية "حتة من القمر"، جاءت من خلال رؤيتي لطفلة صغيرة أمريكية الجنسية، في نصف وجهها “وحمة” كبيرة، لكن أكثر ما شدني لها هو ضحكتها وعندما فكرت في الموضوع رأيت فيه موضوع تنمّر كبيراً وعميقاً، وأن معظم من يتنمرون يكون تنمرهم بشكل غير مقبول، ويعود ذلك في الحقيقة إلي أن هؤلاء الأشخاص قد تعرضوا لأذٍ نفسي من قبل فيترجموا ذلك الأذي وينفثون عما تعرضوا له من خلال أذي غيرهم، بالنسبة لي ليس هناك أحد شرير بالمُطلق ولا طيب بالمطلق.
وتابعت: فقمنا في حكاية"حتة من القمر"، بالتركيز على جزئية النفس لأنها أمّارة بالسوء وجميعنا يكمن بداخله الخيّر والشر وفي النهاية فإن الطبع الذي يغلب وينتصر، فشخصية "قمر" طبعها الطيب هو الذي غلب والذي ساعدها كثيرًا، في ذلك هو الحُب فالحُب قادر على تغيير كل شيء، لذلك فشخصية"سيف" تطلبت في العمل مجهوداً كبيراً وبعد انتهاء عرض العمل تواصلت مع الفنان محمد العمروسي، الذي جسد الشخصية وقلت له "بنات مصر كلها تُحبك".
وعما إذا كانت تعرضت للتنمّر يومًا ما، وكيف أثر ذلك عليها وكيف تعاملت مع الموقف، تقول: "قصتي مع التنمّر تتلخص في مشهد أستاذة عايدة رياض حيث كنت أعاني من السمنة بشكل كبير، وكنت أسمع الكثير من الكلام المؤذي من القريب قبل الغريب، وكتمت كل ذلك بداخلي وكنت عنيدة كثيراً لدرجة تعمدي وحرصي علي زيادة وزني بشكل أكبر، إلي أن جاءت لحظة قررت فيها أن أقلل وزني من أجل نفسي، وعندما أنقصت الوزن أصبحت أسمع العكس تماما وهو شكلك كان أجمل وأحلي دلوقتي عجّزتي وبقي شكلك وكأن عندك 100سنة، فدخلت في حالة توهان إلي أن أيقنت بأنه لا يهمني كلامًا أو تنمرًا لأي أحد وأحببت نفسي وتقبلتها بكل أشكالها".
واختارت السيناريست ميرنا الفقي "الوحمة"، لإلقاء الضوء على قضية التنمّر التي يتعرض لها الكثيرون، مما جعل الكثيرين يتساءلون عن سبب هذا الاختيار تحديدًا، هل لسهولة الميك آب الخاص بالوحمة أم لتقبل المشاهد لشكل البطلة أم لماذا كان هذا الاختيار؟
وتوضح الفقي أسباب الاختيار، مؤكدة أنها عندما طرحت الموضوع لم تكن تقصد الوحمة، ولكنها تتحدث بشكل عام عن التنمّر، وإذا كان الشخص لديه مشكلة في شخصيته وهو ليس له دخل فيها لماذا يُحاسبه الناس عليها وما الذي سيستفيده من إحساس غيره بالألم وهو يُحزّنه لدرجة تحوله لشرير.
واستطردت قائلة: عندما اخترت الوحمة كانت بمثابة شباك لطرح قضايا كثيرة تحت مسمي "التنمّر"، لأن المجتمع يهتم بالشكل الخارجي ونحكم بناء على المظهر قبل الجوهر، موضحة إن الميك آب للوحمة لم يكن سهلًا على الإطلاق، فكان سبيشال افكتس ويستغرق تركيبه ساعتين ويتم إزالته في ساعتين أيضا كما أن إزالته أمر صعب للغاية والفنانة لقاء الخميسي وجهها كان يلتهب كثيراً بسببه .
وخلال حوارها لـ"بوابة روزاليوسف"، تقول السيناريست ميرنا الفقي: إن شخصية "قمر" أرهقتها كثيراً في الكتابة لأنها شخصية ما تُكنه عكس ما تُظهره فكان من الصعب التحكم في مشاعرها في أوقات معينة، كما أنها لم تظهر ضعفها إلا أمام شخصية واحدة، وهي صديقتها "سمر"، فكانت تتجرد أمامها من كل شىء عكس ما كانت تدعي القوة أمام والدتها وشقيقها لأنها لو ضعفت سيضعفان هما أيضا متأثران بها .
وأردفت: رغم أنها أرهقتني إلا أنني كنت مستمتعة كثيراً بها، وأنا أكتب كل تفصيلة خاصة بها لأنها شخصية جميلة وأحبها كثيراً ومتعلقة بها نفسياً فكل شخصية من الشخصيات التي اكتبها يكون فيها "حتة" مني دون إرادتي فقمر على قدر ما أرهقتني على قدر ما كنت مستمتعة بها كثيراً.
وكان هناك مشهد يجمع بين البطلة أثناء طفولتها وهي جالسة مع والدها وهو يحكي لها عن الفنان حسن الأسمر والوحمة وكيف صنعت منه شخصاً مميزاً وساعدته في بداياته الفنية، وكانت أيضا تميمة حظه، فما سبب اختيار الفنان حسن الأسمر كنموذج وتم تشبيهه بالبطلة، ما دلالات أغانيه المستخدمة في بعض حلقات العمل؟
فتؤكد السيناريست ميرنا الفقي، أن سبب اختياراها للفنان حسن الأسمر وبعض أغانيه الخاصة ضمن حكاية"حتة من القمر"، يعود لحبها الشديد له فهو فنان عظيم ومختلف، وعندما شاهدت الطفلة الصغيرة أول شيء خطر ببالها هو الفنان حسن الأسمر، فهو عبقري ورحلة كفاحه تستحق أن تبروز وكان شرف لهم أن يقدموه في "حتة من القمر" كرمز وقيمة وقامة.
وتضيف: الفنان حسن الأسمر له العديد من اللقاءات الصحفية والتلفيزيونية يتحدث من خلالهما عن الوحمة، وأنه عندما بدأ يُحقق شهرته ومع أول بوستر غنائي له قام بإخفائها عن طريق المكياج، فالأفراح بدأت تقل لأنه كان معروفاً بالوحمة لأن في الفترة الزمنية التي كان يعيش فيها كان هناك مطربون شعبيون كثر عندها تأكد أن الوحمة تميمة حظه وأن الله سبحانه وتعالي ميّزه بها والناس أحبّته بهذا الشكل.
وتلفت: ومن هُنا جاء مدخل لفكرة أن الله سبحانة وتعالي لا يخلق شخص إلا في أحسن صورة وبالعكس فهذه ميزة أن يكون شكلك مُختلفًا، ولذلك جعلت سيدة تقابل قمر ضمن أحداث العمل لتقول لها "أنتي شكلك مُميز"، لأنها فعلا مُميزة، فلقاء عندما شاهدتها بالمكياج الخاص بالشخصية لأول مرة نظرت لأستاذ حماقي، وقلت له "هي ازاي جميلة كدة".
وحول دلالات استخدام أغنيتي "صاحبك قالي" و"أدلع يا حلو"، ضمن أحداث العمل، أكدت أنها على المستوي الشخصي تحب أغنية"صاحبك قالي" كثيرًا، كما أن آدم عندما كان يريد أن يخبر قمر بأنه يفهم ما بداخلها أو أن بها شيئًا متغيرًا أو هناك شخصًا يشغل بالها كان يقول لها "صاحبك قالي" بالمعني الدارج "أنا قافشك"، فكان يرمز لقلبها بصاحبك .
وأغنية "ادلع يا حلو"، التي بدأت بها أولي حلقات الحكاية دلالتها أن قمر طيلة عمرها وهي تعيش حالات الحب بينها وبين نفسها وفي خيالها فهي تحب كثيراً سماع أغاني الحب وتحب أن تدلع نفسها وتناغشها وكان صاحبها الوحيد الذي يحقق لها ذلك هو حسن الأسمر فكان صاحبها وحبيبها وبتدلع نفسها به .
وقد رأت السيناريست بطلة العمل كـ"القمر المُظلم"،وبهذا التشبيه العميق والجميل حررت ضحايا التنمّر من الإحساس بالنقص ونجحت في تقديم روشته لعلاج قضية التنمّر بل وجعلت الكثير من الفتيات اللاتي يشبهن قمر تنشر صورهن ويشبهن أنفسهن بـ"القمر المظلم" بل وأصبح يتعامل معهن الإعلام وكأنهن نجمات ويقمن بإجراء حوارات صحفية.. فمن أين جاءها هذا التشبيه؟وكيف رأت تحرر ضحايا التنمر من الإحساس بالنقص ونشرهم لصورهم وتقبلهم لأنفسهم؟
وعن تشبيه بطلة العمل بالقمر المظلم، أشارت إلي أنها قبل أن تبدأ في كتابة أي شيء تحب أن تذاكره جيداً وتقرأ عنه كثيراً ومن المفترض أن تيمة حكاية "حتة من القمر" هو القمر، فالقمر هو مثلما قالت على لسان بطلة العمل: إنه بالنسبة لها مثله مثل البني آدم طالما تشاهديه من بعيد ستنبهرين به كثيراً وترين أنه شخص لامع جميل في كل شئ وكلما اتخذتي خطوة تجاهه سيبدو على حقيقته فالقمر كذلك أيضا فنحن نشاهده من بعيد منيرًا ومستديرًا، ولكنه ليس كذلك فهو كان كوكب كُسر لأجزاء ثم بدأ يتجمع وعندما تجمع أصبح كله ثغرات وجسم مظلم والنور يأخذه من أشعة الشمس فهو جسم مظلم فمن هنا جاء تشبيه بطلة العمل بـ"القمر المظلم" فهي منقسمة لنصفين نصف منير ونصف مظلم.
وتوضح أن هذا التشبيه يعني أن الجزء الأسود به نقطة بيضاء والجزء الأبيض فيه نقطة سوداء وبيد كل الظروف المحيطة بالإنسان تكبر هذه النقطة أو تصغر فلا يوجد بني آدم شرير في المطلق فأي شخص شرير لديه ماضي كبير حوله لإنسان مؤذي رغم أنه ليس كذلك فلا يوجد بني آدم يولد مؤذٍ فالله سبحانة وتعالي لم يخلقنا مؤذيين والبيئة والمجتمع هي التي تشكلنا فجميعنا "قمر مظلم" ويوجد بنا "حتة من القمر" سواء الحتة البيضاء أو السوداء .
"اليوم هيخلص وهتنتهي الحدوتة والصورة هتبقي هي اللي هتفكرنا بحبيب فارق، صديق سافر، أخ هاجر، صاحب بعد.. كل حاجة هتخلص ما عدا الصورة هي اللي هتفضل "بهذه الكلمات بدأ التعارف بين "سيف" و"قمر" أبطال حكاية "حتة من القمر".. فكيف كانت كواليس كتابة هذا المشهد ومن هم الأبطال الحقيقيون له وما مدي إيمانها بالصورة وأهميتها في توثيق اللحظات أو حياتنا بشكل عام؟
وكشفت السيناريست عن أبطال هذه المقولة الحقيقيين، مؤكدة أن الجملة حقيقية وقالها لها صديق مقرب جداً وكانت تربطهما علاقة صداقة قوية وكان يحب التصوير والصور لدرجة الجنون لدرجة أنها كانت تختنق منه كثيراً لأنه يصور كل شيء في الدنيا إلا أن حدثت لقطة وقوع صديق مشترك بينا في النيل فهو ذهب سريعاً على الكاميرا كي يلتقط صورة للموقف ونشب بيننا خلاف كبير وقتها فقال لي الجملة التي قالها سيف لقمر في بداية تعارفهما وبعدها بثلاثة أيام تحديدا يوم 28 رمضان توفي .
وبتأثر شديد تقول: لم يتبق لي معه سوي الصور فهي التي تذكرني به بعد وفاته ووفاة أقرب إنسانة لي والتي لم يتبق سوي صوري معها وأتمني كثيراً وجودها معي في نجاحاتي الأخيرة لأننا حلمنا بها معا منذ زمن طويل .
وبدأت تروي الفقي كواليس كتابتها لهذا المشهد، وأنها كتبته من قلبها وبإحساسها وعندما قرأ مخرج العمل السيناريو تواصل معها كي يخبرها بجمال الكلام، قائلا لها "ايه المشهد ده وايه الكلام المكتوب فيه ده" .
وأعربت عن سعادتها البالغة لوصول هذا المشهد للكثيرين، وبدأ يعلق معهم فهو مشهد حقيقي وخرج من شخص حقيقي رحمة الله عليه.
وحول مدي أهمية الصور في توثيق حياتنا اليومية،أكدت ميرنا أهمية الصور لأنها ستذكرنا بذكرياتنا وأيامنا بحلوها ومرها وبالأشخاص الذين مروا بحياتنا بمواقفهم المختلفة فهي توثيق لكل شيء جميل.
واختتمت السيناريست ميرنا الفقي حديثها لـ"بوابة روزاليوسف"، عن صعوبة الكتابة لعمل درامي ذات الـ5 حلقات، وأنه مثله مثل السهل الممتنع وميزته أن ليس لدي السيناريست وقت لوضع حشو دون هدف أو مغزي درامي، فالصعوبة تكمن في محاولة إيصال أحداث العمل بشكل مكثف وليس في شكل سريع ولا يعقل لعين المشاهد لأن السيناريست شطارته تظهر في هذه الجزئية وهو أن يكون المشاهد مقتنعًا ومستمتعًا في نفس الوقت فالحفاظ على ذلك صعب للغاية.