عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

هجرات المسلمون لإفريقيا

د إبراهيم محمد مرجونة
د إبراهيم محمد مرجونة

ليس من المعقول أن يمر العرب المسلمون بأرض إفريقيا، خاصة الصومال، عند هجرتهم إلى الحبشة في الذهاب والعودة، دون أن يعرف أحد الصوماليين شيئًا عن الإسلام، مع أن المهاجرين لم يأتوا لهذه البقعة لتجارة أو سياسة، ولكن قدموا ومعهم دينهم الذي أوذوا بسببه، وهو دين توحيد ومساواة، فلا بد من أنهم تحدثوا مع أهل هذه البلاد عندما مروا بها، عن هذا الدين، وبذلك يكونون قد عرفوا الإسلام منذ فجره الأول، ووصل إليها قبل أن يصل إلى المدينة المنورة بنحو ثماني سنين.



 

ثم استجدت على الساحة العربية جملة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كان لها الدور الفعال في تدفق المزيد من الهجرات العربية إلى البلاد الإفريقية، فبعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- برزت العديد من المنافسات والصراعات، من حروب الردة الطاحنة التي شهدتها بلاد العرب، يقول ابن الأثير: "لما مات النبي- صلى الله عليه وسلم- وسيَّر أبو بكر جيش أسامة، ارتدت العرب... وارتدت كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشًا وثقيفًا"، كذلك الفتنة الكبرى في عهد عثمان بن عفان- رضي الله عنه- (23 - 35هـ/ 644-656م)، وما تلاها من موقعة الجمل سنة (36هـ/ 656م) وظهور الخوارج واضطهاد أهل البيت على أيام الدولة الأموية.

 

 

وعندما حلت سنة (132هـ/ 749م) جاء دور بني أمية فعصفت بركائز حكمهم الثورة العباسية، التي مزقت شملهم وشردتهم في الآفاق فتوغلوا إلى القارة الإفريقية، وأعطوا بذلك وجهًا جديدًا للهجرات الإسلامية لإفريقيا.

 

 

وما أن استقر الأمر للعباسيين حتى اتسعت الهوة بينهم وبين أنصارهم من العلويين، فقام العلويون بثورات متكررة ضد العباسيين، كما ثار الخوارج بفرقهم المتعددة المذاهب ضد النظام العباسي، وأشهرها ثورة الخوارج في الحجاز أيام المنصور (158هـ/ 774م).

 

 

ثم إن اعتماد الدولة العباسية على الجند الخرساني، قلل من اعتمادها على العرب، الذين فقدوا كثيرًا من امتيازاتهم ووظائفهم تدريجيًا، وما تم في عهد الخليفة المعتصم (218-227هـ/ 833-842م) واعتماده على الجنود الأتراك، فلم يعجب العرب ذلك فبدأت الهجرات الواسعة إلى أطراف الدولة الإسلامية، حيث تحرّك العرب بأعداد كبيرة صوب الجنوب، حيث أرض البجة والنوبة وحيث السودان الأوسط.

 

 

ولقد كان قرار الخليفة العباسي المعتصم (218-227هـ/ 833-842م) بالكتاب إلى واليه بمصر، يأمره بأن يسقط من في ديوان مصر من العرب، وقطع العطاء عنهم- ففعل ذلك- نقطة تحول خطيرة في تاريخ العرب في مصر وهجرتهم إلى الجنوب، فصهرت تلك المناطق بالعنصر العربي، ومن هنا كان قرار المعتصم بتجنيد الأتراك السبب المباشر الذي شجع الهجرة العربية الواسعة إلى السودان، لأنه كلما زادت هيمنة الأتراك على الحكومة والجيش في مصر اضطر العرب إلى الهجرة جنوًبا نحو السودان، ولقد كان أسلوب العنف والشدة الذي أظهره الولاة الأتراك وسجن الزعماء وفرض الغرامات من الأسباب الجوهرية التي دفعت بالأعداد الكبيرة بالانسياب نحو الجنوب والغرب، مبتعدين عن هذا الجو المعادي للعروبة، وهم أبناء الصحراء الذين اعتادوا على جو التنقل والترحال، وبذلك شهد القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي هجرات عربية إسلامية واسعة للسودان، ومن ثم التوغل في السهول الواسعة جنوبًا أو شرقًا.

 

 

ثم ما كان من انقسام المسلمين إلى شيع وفرق، ما اضطر بعض هذه الجماعات العربية والفارسية إلى الفرار من مواطنهم إلى إفريقيا بعيدًا عن متناول أعدائهم ومنافسيهم، وما كان من انقسام العالم الإسلامي إلى سنة وشيعة، وما تبع ذلك من قلاقل ومنازعات خاصة في الجزء الغربي من آسيا، أدّى إلى هجرة العديد من المسلمين إلى أوطان بعيدة عن مسرح الأحداث بحثًا عن الأمن والسلام، وكان من أبرز تلك الأوطان ساحل شرق إفريقيا، لسهولة الوصول إليه، ولما كان عليه ثروات ومحاصيل أغرت الوافدين عليه.

 

 

إن كل هذه الثورات المتواترة كانت موردًا لا ينضب معينه من المهاجرين المسلمين الفارين بأرواحهم إلى إفريقيا، ومما ساعد على انتشار الإسلام وتقبله هناك ظهور مصر الإسلامية المجاورة لهم.

 

 

ثم أصبح نشر الدين الإسلامي من أسباب استقرار العرب في شرق إفريقيا، وإقامتهم كيانات سياسية عربية بعد أن ازدادت هجرة العرب إليها في عهد الدولتين الأموية والعباسية، وفي إثر المنازعات الدينية السياسية.

 

 

لقد كون هؤلاء المهاجرون عديدًا من المراكز والإمارات والمدن، عملت على اندماج العرب مع الأفارقة، كما عملت على انتشار الإسلام والفكر الإسلامي في البلاد الإفريقية، ويلاحظ أن هذه الهجرات الإسلامية تهاجر أولًا إلى السواحل الإفريقية حيث تستقر فترة من الزمن، فإن طاب لها المقام استقرت، أو تتجه بعد ذلك إلى دواخل القارة الإفريقية.

 

 

وأقام المهاجرون ممالك إسلامية كانت على علاقة حسنة مع الممالك الحبشية، وربطتهم بسكان المنطقة علائق المصاهرة، وبمرور الزمن خرج جيل جديد من المسلمين كان نتاجًا لهذه العلاقات الاجتماعية المتأثرة بالروح الإسلامية، ولما اشتد ساعد الهجرات الإسلامية وتوطدت علاقاتهم بحكام الولايات الحبشية، تمت سيطرتهم على التجارة التي هي عصب الحياة السياسية، وأخذوا شيئًا فشيئًا يقيمون لأنفسهم أثرًا سياسيًا تمثل فيما بعد، في إقامة ممالك إسلامية في إفريقيا.

 

 

ومهما يكن الأمر فبعد دخول الإسلام إلى الشمال الإفريقي وتعاقب هجرات القبائل والجماعات الإسلامية إلى إفريقيا، أظهر هؤلاء المهاجرون خصائص فريدة في التأثير على المجاميع التي سكنت معها، وبرز عدد من القادة المسلمين كان لهم الدور الكبير في نشر الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء، فأسهموا في ترسيخ أسس العقيدة الإسلامية، حتى بدأ مواطنون أفارقة يدعون إلى الإسلام بين مواطنيهم في حركة سلمية.

 

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية 

ورئيس قسم التاريخ- كلية الآداب

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز