مملكة الحبشة
إبراهيم مرجونة
الحبشة كلمة مشتقة من لفظ حبشان، وهو اسم قبيلة عربية نزحت من جنوب شبه الجزيرة العربيّة إلى سواحل البحر الأحمر الغربية، ثمَّ توغلت إلى المرتفعات الجبلية لتصبح فيما بعد إحدى القبائل التي أسهمت في تأسيس مملكة أكسوم، وبدأ النازحون في الاختلاط مع سكان البلاد الأصلية، وهذا يعني أَنَّ اسم الحبشة إِنَّما جاء نسبة إلى تلك القبيلة اليمنية الأصل، واشتهرت تلك المنطقة بهذا الاسم، الذي حرّفه البرتغاليون عند قدومهم إلى تلك المنطقة. وهناك رأي يشير إلى أَنَّ تسمية الحبشة ترجع إلى ما عرف عن أهالي الحبشة الأوائل، الذين كانوا يسكنون المغارات والكهوف التي تسمى بالحبشة (واشا)، إذ عرفت بلادهم بهذا الاسم الذي حرّف فيما بعد وصار حبشة.
ربما يعجبك
- جغرافية مملكة الحبشة:
مملكة الحبشة هي مملكة عظيمة، جليلة المقدار، متسعة الأرجاء، فسيحة الجوانب، أولها من جهة الغرب بلاد التكرور، ومن الجهة الشرقية المائلة إلى بعض الجهة الشمالية بحر الهند، وفيها يمر النهر المسمى سيحون، والذي يرفد منهُ نيل مصر.
والحبشة بلاد واسعة ذات عمائر واسعة، متصلة بالبحر الحبشي، وساحلها به الكثير من المدن التي تقابل ساحل اليمن، والمسافة بين زبيد من أَرض اليمن وساحل الحبشة ثلاثة أيام، وتطل الحبشة على بحر القلزم من الشرق، ويحدها غربًا بلاد الزنج، ومن الشمال النوبة، ومن الشمال الشرقي قبائل البجة الذين يسكنون بين البحر الأحمر والنيل عند حدود مصر الجنوبية، أَمّا الزهري فيحدد الحبشة بقولهِ: "يحدّها من الغرب النيل العظيم، ومن الشرق بحر القلزم، وفي الجنوب جبال الذهب التي على خط الاستواء، أَمّا حدّها الشمالي فيصل إلى آخر بلاد كوس حتّى أسوان"- إحدى مدن مصر.
أمّا أبو الفدا (ت732ه) فذكر الحبشة قائلًا: "إِنَّ بلاد الحبشة تقابل بلاد الحجاز واليمن، وبلادهم تتصل بالخليج البربري، ولها مدن كثيرة، وهي تجاور النوبة من الجنوب والشرق"، والحبشة هضبة مترامية الأطراف، شاهقة الارتفاع، تنقسم إلى قسمين، الأَوّل القسم الشمالي، وهو الذي يدخل ضمن حوض النيل، وتجري منهُ الأنهار التي تغذي نيل مصر، وهذه الهضبة هي المعقل الرئيس لمملكة الحبشة، أَمّا القسم الثاني فهو الجنوبي، وهو أَقل وعورة، ومرتفعاته أَقل علوًا، ووديانه أَقل عمقًا، ويفصل بين القسمين الأخدود الإفريقي الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال الشرقي، وعلى هذا فإِنَّ الحبشة تقع في شرق القارة الإفريقية، وهي عبارة عن هضبة مترامية الأطراف، وهي أعلى هضاب إفريقيا، وجبالها من أعلى جبال القارة، ويرجع ذلك الارتفاع الملحوظ في هضبة الحبشة إلى الطفح البركاني الذي غطى معظم الهضبة، ويتراوح ارتفاع هضبة الحبشة في المتوسط نحو 2500 متر، لكنَّ الهضبة في الوقت نفسه تحتوي على عِدَّة قمم جبلية، يصل فيها الارتفاع إلى أكثر من 4000 متر، وهي هضبة مستديرة الشكل، تنحدر في الاتجاهات جميعا، إِلَّا أَنَّ انحدارها العام باتجاه الغرب، وهضبة الحبشة مقطعة بوديان وأنهار متعددة، من أهمها روافد النيل في الشمال "التكازا"، وفي الجنوب الغربي نهر السوباط، وفي الغرب نهر النيل الأزرق، أَمّا من أَبرز هضابها فهى هضبة أمحرا التي تقع في الشمال الشرقي، وهضبة جودجاد الواقعة بين النيل الأزرق جنوبًا، وبحيرة تانا شمالًا.
وهضبة شوا تقع إلى الشرق وجنوب الشرق من هضبة جودجام، وتنحدر نحو السهول الصحراوية الشرقية، وتقع هضبة بالي إلى الشرق من هضبة شوا.
أمّا المنطقة الساحلية فتوجد فيها بعض السهول الساحلية التي تنحدر من الشمال إلى الجنوب.. وبناء على ما تقدّم يُفهم أَنَّ مملكة الحبشة كانت ترتكز بصفة رئيسة في الهضبة الشمالية، وتشمل عِدَّة أقاليم، ويتحدث السيوطيّ عن وجود العديد من الإمارات والممالك في الحبشة، فهي ليست مملكة واحدة، إذ كانت تنقسم على إمارات وأقاليم، ويذكر القلقشندي (ت821ه) أَنَّها أحد عشر إقليمًا، وهي: إقليم سرحت، وأمحرا، وشاوة، وداموت، ثمَّ لامنان، وإقليم السيهر، ثمَّ الزلح، ثمَّ عدل الأمراء، ثمَّ حماسا، ثمَّ باريا، ثمَّ الطراز الإسلامي، وهي على قسمين رئيسين، الأَوّل: البلاد النصرانية، والثَّاني: ما هو بيد المسلمين.
جوجل نيوز
