عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

قصة الضربة الجوية من الألف للياء ودور مبارك "العسكري" في حرب أكتوبر

محمد حسني مبارك
محمد حسني مبارك

طلب منه السادات استحداث أسلوب جديد في استخدام الطيران والهجوم على العدو



واجه مبارك أزمات عدة في البداية أبرزها تخلف طائراتنا نوعيا عن العدو ونجح في التغلب عليها

شملت الخطة الهجوم على مطارات العدو ومواقع دفاعه الجوي ومراكز القيادة وحصون خط بارليف وأهداف أخرى

الضربة الجوية المركزة باغتت العدو واستمرت حوالي 30 دقيقة بدون أي مقاومة من الطيران الإسرائيلي

نجحت الضربة في تدمير الأهداف المحددة بنسبة 90 % ولم تزد الخسائر عن 5 طائرات

كثيرون هم من شككوا في حقائق الضربة الجوية في حرب أكتوبر، وتحديدا عقب ثورة ٢٥ يناير، حيث تحولت الضربة الجوية إلى محل خلاف بين معسكرين، معسكر المختلفين مع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ومعظمه قلل من أهمية الضربة الجوية، مثل الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل الذي وصفها بأنها مجرد فرقعة إعلامية صنعت في عهد مبارك، وأنها لم يكن لها ضرورة إبان الحرب.

على الجانب الآخر تمسك معسكر مؤيدي مبارك ومحبيه بوصفها أحد أهم وأبرز حدث عسكري خلال حرب العاشر من رمضان.

مما لا شك فيه أن التهوين أو التقليل من أي حدث يتعلق بنصر أكتوبر، بعيدا عن الأشخاص، هو أمر غير مقبول، ويرسخ للتقليل والتهوين من النصر نفسه، وهو أخطر ما يسعى إليه الأعداء.

أيضا لا يصح ولا يجوز الخلط بين دور مبارك "العسكري" الذي حارب في ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وشارك في تحقيق النصر، الذي لا يختلف عليه أحد، وبين مبارك "السياسي"، الذي حكم البلاد ثلاثين عاما واختلفت حوله الآراء، وانقسم الشعب في تقييم عهده، ما بين مؤيد ومعارض. 

نسرد هنا كل الحقائق المتعلقة بالضربة الجوية من واقع شهادات ووثائق نشرتها مجموعة ٧٣ مؤرخين، بدون تقليل أو مبالغة، تهوين أو تضخيم، فقط الحقيقة التي سجلتها الوثائق العسكرية المصرية وقتها، وقبل تولي مبارك حكم البلاد بثماني سنوات.

في مطلع عام ١٩٧٢ استدعى الرئيس محمد أنور السادات اللواء محمد حسني مبارك وأسند إليه مسؤولية قيادة القوات الجوية، وأمره بالاستعداد للمعركة المقبلة، مؤكدا له أن الطيران هو فيصل الحرب، وقال له نصا "عليك منذ هذه اللحظة أن تختار أسلوبا جديدا في استخدام طيرانك، أسلوب جديد في الهجوم على العدو بحيث تحقق أقصى مفاجأة لطيرانه و قواته، و في الوقت نفسه تضمن سلامة قواتنا الجوية و قدرتها على الاستمرار، وهذا هو وحده طريق النصر".

بدأ اللواء مبارك العمل منذ الوهلة الأولى من أجل الاستعداد الجيد للمعركة وتحقيق أهداف خطة الحرب بالكامل.

واجهت مبارك أزمات عدة في البداية، أبرزها التخلف النوعي للطائرات المصريه مقارنة بالطائرات الإسرائيلية وقتها، ورغم أن الطائرات التي تملكها مصر لا تقل في عددها عن ما تملكها إسرائيل، إلا أن الفارق النوعي كبير، ومقلق أيضا.

لا يخفى على أحد وقتها أن العمود الفقري للقوات الجوية المصرية يتكون من طائرات من جيل الخمسينات، سوفيتية الصنع ومصممة للعمل لأهداف معينة، وكانت تواجه تحديات كبيرة في مسرح العمليات بجبهة قناة السويس، أبرزها أن الطيران على ارتفاع عال أو متوسط كما في الاتحاد السوفيتي وأوروبا غير وارد في مصر، لأن الرادارات الإسرائيلية فوق جبل أم خشيب ترصد حركة طائراتنا ثانية بثانية حتى في العمق، ما يعني أن مفاجأة العدو تتحقق ب الطيران علي ارتفاع منخفض جدا لتجنب الكشف الراداري من رادارات العدو، ما قلص من مدى طائراتنا لأكثر من نصف المدى الحقيقي للطائرة.

لم تتوقف الأزمات عند هذا الحد، بل امتدت إلى التخلف النوعي لأنواع الصواريخ والذخائر المستخدمة في طائراتنا أيضا.

كانت كل هذه العقبات في مواجهة مبارك عقب توليه المسؤولية، وكان التحدي الأكبر بالنسبة له هو تحقيق ما طلبه السادات وما تنص عليه خطة الحرب، بنجاح وبأقل خسائر.

 

 

ورغم براعة ودقة الخطة المطلوب تنفيذها من قبل القوات الجوية وفق ما أكدته معظم المصادر الأجنبية والإسرائيلية نفسها فيما بعد، إلا أنها كانت شديدة التعقيد، وتحقيقها بنجاح أمر في غاية الصعوبة، خاصة في ظل تلك الإمكانيات؛ حيث تعتمد الخطة على ضرورة تنفيذ الضربة الجوية بأكبر عدد متاح من الطائرات ومن مطارات مختلفة وفي نفس الوقت وعلى اقل ارتفاع لمفاجأة العدو بدقة متناهية، رغم ما تعانيه القوات الجوية من أزمات وقتها، وذلك مع مراعاة حمولة ومدى وسرعه كل طائرة ومكان انطلاقها والهدف المتجهة له، بحيث تكون كل الطائرات فوق أهدافها في وقت واحد، لتلقي بحمولتها من الموت في أحضان الإسرائيليين، مع العلم أن كل هذا مطلوب تحقيقه بدون أجهزة كمبيوتر وشاشات وأقمار صناعية، فقط بالورقة والقلم والحسابات الفنية، واستعمال  العقل.

حددت الخطة مجموعة أهداف منتقاة بعناية لضربها جويا وشل قدرات العدو الهجومية وإرباكه في ساعات القتال الأولى.

وضعت الخطة مطارات العدو ومراكز القيادة المتقدمة كأهداف لها أولوية قصوى، لكن ظهرت مشكلات في ضرب تلك الأهداف تمثلت في أهداف فرعية تعيق تنفيذ المهمة الرئيسية، أبرزها أن تلك الأهداف الرئيسية محمية ببطاريات من صواريخ هوك المتقدمة، فوضعت تلك البطاريات ضمن الأهداف الأولية بهدف تدميرها في نفس توقيت بدء الهجوم على الهدف الرئيسي سواء مطار أو مركز قيادة، وتوالي التوسع في الأهداف لتحقيق الهدف الأهم وهو شل العدو لمدة ساعات قليله.

مع زيادة الأهداف، زادت المسؤوليات أيضا، وتحولت خطة الهجوم الجوي من خطه محدده إلى خطة مفتوحة تستخدم فيها كامل تشكيلات القوات الجوية بهدف إلي توجيه ضربة شاملة لمعظم أهداف العدو الحيوية في سيناء.

أول الأهداف كانت المطارات، وحددت القيادة المصرية 5 مطارات رئيسية معادية في سيناء للهجوم عليها.

ثاني الأهداف كانت مواقع الدفاع الجوي، وحددت القيادة المصرية أهم 10 مواقع دفاع جوي صاروخية معادية من طراز الهوك الأمريكية الصنع، والأكثر والأحدث تطورا في العالم، في سيناء لضربها و إيقافها عن العمل أو تدميرها كليا  حتى لا تعيق عمل طائراتنا ولا تتدخل في عملياتنا الجوية أثناء الحرب أو تشكل أي تهديد علي المجهود الجوي المصري.

ثالث الأهداف كانت مراكز القيادة والسيطرة، وحددت القيادة أهم مواقع القيادة والسيطرة الإسرائيلية في سيناء والمتاحة لقواتنا الجوية لضربها وتدميرها في الهجوم الجوي الأول لقطع أي اتصالات بين القيادة الإسرائيلية وقواتها في خط بارليف وأثناء عمليات العبور حتى تكون مواقع خط بارليف فريسة للقوات المصرية المهاجمة كما يتم منع وارباك مرور أي أوامر للاحتياطي القريب  لنجدة حصون خط بارليف و يتم شل وإرباك القيادة المعادية في إسرائيل و قيادات الجيش الإسرائيلي في جبهة سيناء، كما تم تحديد مراكز قيادة فرعية متقدمة في قطاعات سيناء تقع خلف خط بارليف للهجوم عليها أيضا وتدميرها وكذلك مركز قيادة الدفاع الجوي الإسرائيلي في منطقة رأس نصراني.

كما حددت القيادة المصرية أهم 3 مناطق شؤون إدارية معادية في سيناء وعلى درجة كبيرة من الأهمية للعدو، للهجوم عليها وحرمان العدو وقواته في حصون خط بارليف من أي إمدادات بأسلحة أو ذخائر أو معدات أو وقود تساعد القوات المعادية على التصدي للهجوم المصري على خط بارليف، وحرمانه أيضا من تجميع وتعبئة احتياطياته.

 

 

كما حددت القيادة أهم مواقع الرادارات والشوشرة والإعاقة الإلكترونية لدي العدو، والذي يؤثر بالسلب على طائراتنا وكذلك عدد من مواقع رادارات  التوجيه والتي تمثل عيون العدو المراقبة لقواتنا وطائراتنا وذلك للهجوم عليها و تدميرها أو شل فعاليتها حتى لا تعيق عمل قواتنا الجوية.

وأخيرا استهدفت القيادة ضرب عدد من حصون خط بارليف بهدف ارباك المدافعين عنها وليس تدميرها، مع ضرب نقطة بودابست على البحر المتوسط لتدميرها.

ظهر يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973، استدعى قائد القوات الجوية اللواء طيار محمد حسني مبارك قادة القوات الجوية المصرية (قادة الألوية الجوية) في اجتماع عاجل وسري جدا، بحضور كل من رئيس أركان القوات الجوية اللواء طيار محمد نبيه المسيري ورئيس شعبة العمليات اللواء طيار صلاح المناوي ورئيس فرع التخطيط اللواء طيار محمد شبانه، وأخبرهم مبارك بموعد الحرب وأنها ستبدأ في الثانية من ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973، وألقى عليهم تعليماته الأخيرة للعملية الهجومية الجوية المخطط لها وشدد على سرية الموعد وأخبرهم بعدم الإفصاح عنه لأحد على الإطلاق، حتى قادة الأسراب الجوية،  والالتزام بجدول معين لإبلاغ كل قائد سرب، حفاظا على السرية لآخر لحظة، ثم وقع القادة على خرائط العمليات الخاصه بكل لواء جوي، وانتهى الاجتماع على ذلك.

قبل موعد إقلاع الطائرات المصرية لأداء مهامها القتالية يوم 6 أكتوبر، أقلعت بعض الطائرات الحربية من بعض المطارات لعمل طلعات روتينية تدريبية للتمويه والخداع ولعدم لفت نظر العدو لما يتم التخطيط له، وتحدث الطيارون في اللاسلكي مع برج المراقبة بشكل عادي جدا حتى يلتقط العدو حواراتهم كالمعتاد، كما تم إرسال إشارة مفتوحة غير مشفرة تبين أن قائد القوات الجوية المصرية وبعض معاونيه سيقومون بزيارة لطرابلس في ليبيا في نفس اليوم، وهذه الزيارة كان مخطط لها وتم تأجيلها عدة مرات من قبل.

كذلك أقلعت تشكيلات من طائرات الميج 21 من مطار المنصورة وقاموا بدورة طيران عادية وعند الانخفاض للهبوط فوق المطار، استمرت الطائرات على ارتفاعها المنخفض، وبعيدا عن أعين الرادارات الإسرائيلية، لتهبط في مطار بلبيس كما تم من قبل عشرات المرات في التدريبات الروتينية المعتادة، لكن ما لم يعرف الطيارين أن هذه المرة كانت الأخيرة إلا عندما وجدوا طائرات السوخوي في مطار بلبيس بكامل حمولتها وكان دور المقاتلات الميج 21 المقاتلة هو الطيران في حراسة لصيقة جنبا إلى جنب مع القاذفات السوخوي نحو أهدافها.

اتجه قائد القوات الجوية اللواء طيار محمد حسني مبارك إلى غرفة العمليات في يوم الحرب الساعة 12 ظهرا يوم السبت 6 أكتوبر عام 1973، و كان هادئ وطبيعي جدا واطلع على الموقف الجوي فوق الجمهورية وفوق سيناء عند العدو وتأكد من كل التفاصيل الخاصة بالعملية الهجومية الجوية وأن العدو لم يشعر بنيتنا في الهجوم عليه، ،وتابع بقلق إقلاع عدد من طائرات العدو من مطار رافديم ( المليز) ثم تنفس الصعداء عندما تأكد أن العدو لا يشعر بما ينتظره، وعادت طائراته إلى مطارها مرة اخرى.

ثم أُطلق مبارك النداء الكودي (صدام) لبدء الضربة الجوية، وبعد دوي هذا الكود المتعارف عليه في جميع غرف عمليات المطارات والقواعد الجوية المصرية، بدأ  كل قائد سرب بفتح المظاريف والاطلاع على المهام الموكلة له ووضعت خرائط العمليات الحقيقية بدل خرائط التدريب. 

لم يعلم الطيارون المصريون بأمر الحرب او موعدها او ساعة بدء العمليات إلا قبل الحرب بساعات قليلة جدا في يوم السبت 6 أكتوبر، لضمان السرية التامة للعملية الهجومية.

وبعد تناول الطعام،  قام كل قائد سرب بتلقين طياريه المهمة المباشرة بالهدف الرئيس، والهدف التبادلي لكل قائد تشكيل وكل طائرة، وكان التلقين معروف للطيارين منذ أشهر، فقد تدربوا لقصف أهداف معينة في مواقع معينة، وقاموا بمشاهدة صور الهدف وتدربوا على مجسمات مماثلة في تبات إطلاق الذخيرة الحية.

خططت القيادة بأن يكون الهجوم في موجات متتالية، أو نسق هجومي كما يقول الخبراء.

النسق الأول للتأمين بقوة حوالي 90 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وقاذفات ثقيلة بغرض تدمير وشل فاعلية مواقع الدفاع الجوي الهوك وتدمير محطات الرادار ومراكز القيادة، والهدف إغلاق أعين وأذن العدو ودفاعه الجوي. 

والنسق الثاني، القوة الضاربة، بقوة حوالي 90 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وقاذفات ثقيلة بغرض ضرب وتدمير وشل المطارات ومراكز الإعاقة والحرب الإلكترونية والإرسال ومواقع كتائب المدفعية بعيدة المدى وضرب النقطة الحصينة شرق منطقة بورفؤاد.

وأخيرا، النسق الثالث، التعزيز، بقوة حوالي 40 طائرة مقاتلة لتعزيز النسق الأول والثاني في أعمال القتال الجوي ومنع طائرات العدو من التدخل أثناء أداء المهام القتالية لطائراتنا المقاتلة والتي كلفت بعمل مظلات في مناطق اقتراب طائرات العدو المتوقعة.

وتم توزيع خرائط العمليات السرية على كل التشكيلات في وقتها في مظاريف مغلقة و قد كانت الطائرات معدة ومسلحة ومجهزة للعملية الهجومية الجوية داخل الدشم و حظائر الطائرات الحصينة و بأسماء قادة التشكيلات الجوية وكل الخرائط جاهزة وكل تشكيل جوي معه صور دقيقة للهدف الذي سيقوم بالهجوم عليه وضربه.

قرب الساعة الثانية ظهرا  يوم السادس من أكتوبر 1973 انطلقت حوالي 200 طائرة حربية مصرية و20 طائرة عراقية من طراز هوكر هنتر من حوالي 20 مطار وقاعدة جوية مصرية على ارتفاع منخفض جدا لضرب الأهداف المعادية الاسرائيليه المحددة لها في داخل سيناء المحتلة وأهداف خط بارليف الحصين، وتحركت الطائرات في صمت لاسلكي تام على ارض مطاراتها وحتى الإقلاع والطيران نحو أهدافها لتجنب أي عمليات تنصت معادية يمكن أن تكشف الهجوم المصري.

 

 

 

تجمعت التشكيلات في شكل أسراب، والأسراب تجمعت مع بعضها البعض في تنسيق كبير جدا في أماكن مختارة وتوقيت محدد بدقه لكي تتجه لأهدافها وسط غابة من صواريخ الدفاع الجوي التي صمتت تحية لنسور مصر المتجهين لبدء الحرب.

وفي مسارات رسمت بعناية تامة، بدأت الطائرات في المرور وسط تجمعات الجيوش المصرية متجهة لسيناء ورافعه معنويات الجنود على الأرض لتناطح السماء.

وكان للواء القاذفات الثقيلة  من طراز تي يو 16 الشرف في اطلاق اول صاروخ على العدو إيذانا ببدء الحرب، فكان أول هدف تم ضربة و تدميره بالصواريخ بعيدة المدى الموجهة راكبة للإشعاع الراداري، هو مركز القيادة الرئيسي للعدو في منطقة "أم مرجم" حيث تم ضربة بأول صاروخ افتتح الحرب منطلق من قاذفة ثقيلة من طراز TU-16 من مسافة بعيدة جدا فوق منطقة التل الكبير في منطقة الإسماعيلية غرب القناة، وقبل أن تعبر الطائرات المصرية لأهدافها في سيناء كان مركز أم مرجم قد تمت إصابته بنجاح.

عبرت الطائرات المصرية كلها في وقت واحد خط القناة على ارتفاعات منخفضة جدا حوالي 20 متر بعد ضرب مركز القيادة الإسرائيلي الرئيسي في منطقة أم مرجم، وعن طريق حسابات ملاحية دقيقة جدا، ومحددة من قبل، ومسارات واتجاهات محددة و بسرعات محددة متفق عليها بدقة لضمان عبور كل الطائرات من كل المطارات في وقت واحد لتحقيق المفاجأة الكاملة للعدو، وبتنسيق كامل مع الدفاع الجوي المصري تم التدريب عليه لمباغتة العدو الإسرائيلي.

طارت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة والثقيلة في حماية لصيقة من أسراب مقاتلات الميج 21.

وقد استخدمت في الضربة التي تركزت على الأهداف الإسرائيلية الحيوية في عمق سيناء وخط بارليف كل طائرات المتاحة من طراز ميج 17 وميج 21 و سوخوي 7 وقاذفات ثقيلة من نوع تي يو 16 و اليوشن 28 وطائرات الهوكر هنتر العراقية.

و في الساعة الثانية والنصف ظهرا تقريبا، عادت الطائرات المصرية جميعها بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة ومدروسة بدقة، ومتفق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والارتفاع والاتجاهات حيث كان الدفاع الجوي المصري وقتها منتظر عودة الطائرات المصرية ليبدأ دوره في الحرب.

نجحت الضربة الجوية في تحقيق المفاجأة للعدو الإسرائيلي وتدمير الأهداف المحددة لها بنسبة تزيد عن 90 %، بينما لم تزد الخسائر عن 5 طائرات مصرية على أكثر تقدير، من إجمالي 220 طائرة، بنسبة خسائر لا تزيد على 4 %، وكانت نتائج الضربة وفقا لما ورد في المراجع العسكرية الموثوقة، هي ضرب وشل ثلاثة ممرات رئيسية في 3 مطارات هم المليز وبير تمادا و رأس نصراني، بالإضافة إلى 3 ممرات فرعية في نفس المطارات، وقامت تشكيلات جوية من طائرات الميج 17 بإسكات حوالي 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض -جو من طراز هوك للدفاع الجوي في مواقع الدفاع الجوي الإسرائيلي بمناطق الرمانة والطاسة وبالوظه و أم الرخم بجوار عيون موسى؛ بجانب ضرب موقعي مدفعية ميدان، و تدمير مركز القيادة الرئيسي في منطقة أم مرجم ومركز الإعاقة، والشوشرة في منطقة أم خشيب وأم مخسه، وتدمير عدد من مراكز الإرسال الرئيسية ومواقع الرادار، كما تم ضرب 3 مواقع شؤون إداريه للعدو ومواقع حصون خط بارليف القوية وضرب مواقع في أم لحفن وبئر العبد أيضا بالقاذفات الثقيلة من نوع تي يو 16، وضرب محطة سيطرة وإعاقة وتوجيه في منطقة رأس نصراني.

استمرت هذه الضربة الجوية المركزة حوالي 30 دقيقة تقريبا، ولم تواجه الطائرات المصرية المهاجمة أي مقاومة أو إعاقه تذكر من الطيران الإسرائيلي المعادي، باستثناء مواجهات بسيطة مع الدفاع الجوي المعادي في مواقع أخرى سقط فيها طائرتين سوخوي 7 إحداهما طائره الشهيد النقيب عاطف السادات فوق مطار المليز.

وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم السادس من أكتوبر قبل الغروب بقليل، و لكن نظرا لنجاح الضربة الأول في تحقيق كل المهام التي أسندت إلى القوات الجوية المصرية، قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية لعدم الحاجة إليها ولتوفير القوة الجوية والاقتصاد فيها قدر الإمكان، وهو مبدأ صحيح في العلم العسكري.

بعد الضربة الجوية، اضطرت القيادة الإسرائيلية الجنوبية في سيناء إلى استخدام مركز القيادة الخلفي بعد ضرب المركز الرئيسي في منطقة أم مرجم ، كما أصبح مركز الإعاقة والشوشرة الخلفي في منطقة العريش هو المركز الوحيد المتبقي لإسرائيل في سيناء بعد تدمير مركز الإعاقة والشوشرة المتقدم فوق جبل أم خشيب.

وفق الشهادات العسكرية، عاد الطيارون المصريون من الضربة الجوية في قمة السعادة والفرحة ونشوة النصر، وقد بدأت الحرب فعلا بعد أن باغتوا إسرائيل وضربوها بقوة، وأخذت البلاغات تصل لغرفة عمليات القوات الجوية المصرية بنجاح كل سرب في المهام الموكلة له، واستقبل الفنيون والعاملون في المطارات الطيارين بفرحة وسعادة كبيرة جدا.

كانت تقديرات الاتحاد السوفيتي للضربة الجوية المصرية الأولى أنها ستحقق من 30 إلى 35% من أهدافها، وأن الخسائر المتوقعة في الطائرات المصرية سوف تكون من 40 إلى 45%، لكن ما حدث أن الضربة الجوية حققت مهامها بنسبة من 85 إلى 90%، والخسائر كانت في حدود والخسائر لم تتعد 5%.

الرئيس الراحل محمد أنور السادات قال عن الضربة الجوية نصا: "عندما يتم ضرب كل هذه الأهداف  في وقت واحد فلابد أن يصاب الجيش الإسرائيلي كله بالشلل التام. و لذلك صرحت بعد أربع ساعات من بدء المعركة أن إسرائيل قد فقدت توازنها تماما، ولكي تستعيد كل مراكز القيادة هذه وتبنيها من جديد يكون الوقت قد مر في غير صالحها، و نكون قد انتهينا من مهمتنا الأساسية الأولى، والفضل في هذا كله يرجع إلي ضربة الطيران المحكمة الموفقة التي أذاقت إسرائيل لفحات الجحيم المستعر الذي عاشت فيه مصر منذ التاسعة صباح يوم الاثنين الخامس من يونيو 1967 إلي الثانية ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر ،1973 منذ تلك الساعة الخالدة صدرنا الجحيم إلي إسرائيل لكي تعود إلي حجمها الطبيعي، مجرد دولة تابعة تعيش على صدقات الآخرين و حسناتهم، و لعل هذا من الأسباب التي أدت إلي اختياري لحسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية لأنه في ضربة واحدة أفقد إسرائيل توازنها، و فتح الطريق أمام قواتنا المسلحة كي تحطم إلى الأبد خرافة الجيش الذي لايقهر، و أنهي أسطورة التفوق الإسرائيلي التي خدعت العرب حوالي ربع قرن من الزمان،  واستعاد لسلاح الطيران المصري كرامته التي جرحت في معركتي عام 1956 وعام 1967 لإهمال القيادة في المعركتين، ولم يستعد الطيران المصري كرامة الطيران فقط، بل كرامة القوات المسلحة و كرامة الشعب المصري وكرامة الأمة العربية كلها".

كما قال عنها المشير محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973 فى مذكراته نصا: "فى الساعة الثانية بعد ظهر ذلك اليوم السادس من أكتوبر عبرت الطائرات المصرية خط جبهة قناة السويس متجهة إلى عدة أهداف إسرائيلية محددة فى سيناء، وأحدث عبور قواتنا الجوية خط القناة بهذا الحشد الكبير، وهى تطير على ارتفاع منخفض جدا، أثره الكبيرعلى قواتنا البرية بالجبهة وعلى قوات العدو، فقد التهبت مشاعر قوات الجبهة بالحماس والثقة بينما دب الذعر والهلع فى نفوس أفراد العدو، وهاجمت طائراتنا ثلاث قواعد ومطارات، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك، وثلاثة مراكز قيادة، وعدد من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى، وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء تتم فى وقت واحد، بعد أن أقلعت الطائرات من المطارات والقواعد الجوية المختلفة وتطير على ارتفاعات منخفضة جدا فى خطوط طيران مختلفة لتصل كلها إلى أهدافها فى الوقت المحدد لها تماما. كانت قلوبنا فى مركز عمليات القوات المسلحة تتجه إلى القوات الجوية، ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى، وننتظر عودة الطائرات إلى قواعدها لتكون مستعدة للمهام التالية. كما كان دعاؤنا للطيارين بالتوفيق، وأن تكون خسائرهم أقل ما يمكن، لأن مثل هذه الضربة الجوية بهذا العدد الكبير من الطائرات ضد أهداف هامة للعدو تحت حماية الدفاع الجوى المعادى، ينتظر أن يترتب عليها خسائر كثيرة فى الطيارين والطائرات يصعب تعويضها".

 

شاهد أيضاً

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز