أحمد فايز يكتب: "فابرجيه" صائغ الإمبراطور
عادة الرسم على بيض الدجاج وتلوينه ثم إهدائه، هو تقليد مُتبع في عيد الفصح في روسيا منذ قديم الأزل، حيث كانت البيضة ترمز إلى بداية الحياة حسب المعتقدات الروسية القديمة، واتبعت الكنيسة الأرثوكسية هذا التقليد تأكيداً لقيامة السيد المسيح، وفي عام 1885 قرر الإمبراطور ألكسندر الثالث إهداء زوجته "ماريا فدوروفنا"، ابنة ملك الدنمارك، بيضة في عيد الفصح بمناسبة مرور 20 عاماً على زاوجهما.
واستمد ألكسندر الثالث الفكرة من شدة إعجاب زوجته بقطعة ذهبية كانت قد أهدتها إليها وهى طفلة خالتها الأميرة ماري، وهى قطعة بداخلها بيضة من الذهب، عند فتحها تجد فرخاً صغيراً بعيون من العقيق مرصعة بالماس.
ونفذ فكرة ألكسندر الصائغ الماهر فابرجيه (بيتر كارل فابرجيه) مالك شركة فابرجيه، وهو ابن العائلة الأصلية المؤسسة لهذه الشركة المولود في مدينة سانت بطرسبرج في روسيا عام 1846، وقد تعلم أسرار المهنة على يد والده، وورث عنه تجارة العائلة، وتوسع فيها في سن الرابعة والعشرين، وأصبحت لديه شركته الخاصة ومصانعها في العديد من المدن الروسية، منها كييف وموسكو وأوديسا وسانت بطرسبرج، وفي خارج روسيا أيضاً.
وطلب ألكسندر أن تحتوي هديته إلى زوجته مفاجئة بداخلها، وبالفعل نفذها فابرجيه بإتقان غير مسبوق للتفاصيل، وبمهارة شديدة، وعلى الرغم من أن منتجات فابرجيه الأخرى، مثل علب السجائر، ومقابض المظلات النسائية، والأزهار، والمنمنمات الذهبية، والساعات، وغيرها، كانت مثيرة للإعجاب، إلا أن البيض الذهبي المرصع بالماس والعقيق الذي قام بتصنيعه وزخرفته للعائلة الإمبراطورية في روسيا، هو الذي جلب له شهرته العالمية، حتى إنه حصل على لقب رئيس نقابة الجواهرجيين في باريس عام 1920.
وقدم الإمبراطور ألكسندر الثالث هديته الثمينة لزوجته الإمبراطورة ماريا فدوروفنا، في عيد الفصح، وكانت عبارة عن بيضة من المينا والذهب مرصعة بالأحجار الكريمة والماس، لقد صنعها فابرجية وفقًا لمبدأ دمى ماتريوشكا، بيضة بداخلها دجاجة، بها تاج، وداخل التاج قلادة من الياقوت، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الهدية تقليداً عائليأ إمبراطورياً روسياً استمر لمدة 31 عاماً.
وبعد وفاة ألكسندر الثالث طلب ابنه الإمبراطور نيكولاي الثاني، إعداد فابريجيه بيضتين، واحدة إلى زوجته الإمبراطورة ألكسندرا فيدروفنا، والثانية إلى أمه الإمبراطورة ماريا فدوروفنا، وحتى عام 1916 كان فابرجية قد صنع للعائلة الإمبراطورية الروسية 50 بيضة، تبقى منها 42 فقط، 10 منها بمتحف الأسلحة في موسكو، وتوجد مجموعة لدى الملكة إليزابيث الثانية، ملكة إنجلترا، وتفرقت باقي المجموعات على العديد من الجهات والأماكن على مستوى العالم.
أما بيتر كارل فابرجيه نفسه فقد تحول إلى طريد بعد قيام الثورة البلشفية سنة 1917، ونجح في الهرب إلى سويسرا وهناك افتتح بيت فابرجيه للمجوهرات والتجارة، وحتى الآن تعيش عائلته على اسم فابرجيه اللامع، إلى أن قرر ورثته إعادة أمجاد الماضي بتصنيع البيضات مرة أخرى ولكن بما يلائم العصر الحالي.
اليوم تعتبر هذه الأعمال الفنية نادرة للغاية، يكتنفها الأسرار، وتبلغ تكلفتها عشرات الملايين من الدولارات، وقد اتخذت بيضة فابرجيه أشكالاً مختلفة، كان أهم ما فيها هو احتواؤها على مفاجئة، من بينها بجعة ميكانيكية، ومنمنمة ذهبية للقصر الصيفى للإمبرطور نيكولاي الثاني، مع ٥ صور صغيرة على البيضة لبنات الإمبراطور وزوجته، ونموذج يخت ملكي، ونسخة طبق الأصل من عربة ملكية، ولا يوجد تكرار في شكل البيضة وزخرفتها وألوانها.