عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أحمد إبراهيم يكتب: تونس الغد خضراءٌ أو حمراء

أحمد إبراهيم
أحمد إبراهيم

يومًا خرجت من فندق أبو نواس بـ"الدّشداشة" والِّلبس الخليجي “الغترة والعقال، أمشي وأذرعُ الأرض جيئةً وذهابا على شارع بورقيبة، ودخلتُ سوق الصّناعات التقليدية وقطعته للنّهاية، فوجدت نفسي أمام بابٍ خشبي عملاق يحمل لوحة “جامع الزيتون” التاريخي.. كل هذا كان في زيارتي الأولى لتونس الخضراء قبل ثلاثين سنة.



 

لم يكن يومذاك قد وُلد كوفيد-19 (كورونا المزعوم) على كوكب الأرض، ولا كنتُ قد سمعتُ عن منطقة اسمها (سيدي بوزيد) بالوسط الغربي الفقير بتونس، أشعل فيه شابٌ تونسي ثقابٌ كبريتي أحرق به نفسه مُمهّدًا للربيع العربي المزعوم.

 

في ليلته عدتُ إلى غرفتي بفندق أبو نواس، عازمًا أن أكتب خطابا موجّها إلى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (يومذاك)، وكنت عازبا لم أتزوج بعد، جلست إلى الطاولة، طلبت من عاملة البدالة مكالمة دولية (بيت الوالدة في دبي) ورنّ هاتف الغرفة فرفعته وكان على الخط صوت أمي (تغمد الله روحها الجنان) وانتهت مكالمة قصيرة بيننا على كلماتي (أحبّج ماما) بعد أن أكّدتُ لها أني صلّيت اليوم المغرب والعشاء في جامع الزيتون.

 

وعُدتُ إلى الورقة وكلماتي:/ "سيادة الرئيس (زين) قطعت اليوم نهارًا كاملًا مشيًا على القدمين في العاصمة تونس، كما كنت قطعت قبل أسبوع مسافة ألف كيلومتر إلى (رأس الجدير) الحدود التونسية الليبية بالسيّارة، وفي تجوالي بين الدولتين المجاورتين في المغرب الكبير، لاحظت أسماء وقبائل عربية عندكم كما هي عندنا في الجزيرة العربية، وهذا يؤكد أن الحظ كان قد ابتسم لنا يوما، وسيبقى يبتسم لنا دومًا إذا اتحدنا يا سيادة الرئيس".. انتهت المسودّة.

 

وكانت هذه زيارتي الأولى إلى المغرب العربي في شبابي، رغم زياراتي المتكررة منذ طفولتي ومراهقتي إلى العالمَين الآسيوي والأوروبي، كثيرًا ما كنّا نتعمّد إخفاء عروبتنا في بعض تلك الدول حمايةً للعُنق والجيوب، لكنني تفاجأت في تونس الخضراء بكل حضاراتها وثقافاتها الغربية أنها كانت تحب العرب، مجموعة الشبّان والشابات أينما وجدتهم وأمدّ لهم يدي لأصافحهم أجد رحابة صدرٍ تفوقها ابتسامات عريضة، ليس لأنّي بجمال "يوسف" أو ثراء "بيل جيتس" وإنما والحديث لهم: (أنتم تتحدثّون اللغة العربية جميلةً وواضحة، لهجاتكم حلوة، هندامكم جميل، تلبسون الِّلبس التراثي الفضفاض، فيذكّرنا بزمن الرسول والصحابة الكرام، نتلمّس فيكم روح التواضع بنظرة الإنسان لأخيه الإنسان، ليس تلك النظرة الدُّونية "الأفندية" التي سُئمنا منها).

 

وعثرت في حقيبتي الآن على بقايا تلك الأوراق المُبعثرة، إعادة ترتيبها أعادت لي صياغة العنوان إلى: (تونس الغد خضراءٌ فلا تحرقوها).. لا حدود لحجم غِبطتي فرحًا عندما عرفتُ أن العربي من المشرق العربي مُحبوبٌ في المغرب العربي، ولهجات الشعر والنثر الخليجي مفهومة في الريف والحضر بتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، لأنه ينطق لغة الضاد سليمًا بتراتيلها السماوية الحجازية، ويتقيّد بالهندام التاريخي العربي.. وبالاختصار (والصوت من تونس الخضراء عام 1990) يا أخَ العرب، أنت محبوبٌ عندنا بتاريخك وتراثك العربي الأصيل.

 

والغريب أني يوم خربشتُ هذا العنوان في التسعينيات على المسودّة بقلم رصاص يقبل المسّاحة لم أكن متزوجا، وظلّ يسكنها الغبار إلى يومي هذا، ولي اليوم أبناء وأحفادٌ، أعدتُّه بقلم حبرٍ يقبل النشر، فإنه يفرض نفسه بواقع العرب لا يزال يحبّ العرب، وأنّ زمن الجاهلية والتقاتل القبَلي لن يعد بين العرب، وأن الأجيال القادمة سيتّحد مستقبلهم بالغد القريب وبطرُقٍ فُضلى كما اتّحد ماضيهم بالأمس القريب والبعيد.

 

وإنّي لأجزم أنه لا يوجد للعرب من هو أحنّ من العرب على أنفسهم، فكما أن لغة الحوار كان بالأمس تجمعنا وتوحّدنا، ولغة المال والسلاح أيضا قد توحدنا، كذلك لغة العلوم والتكنولوجيا والفضاء قد تُوحّدنا غدًا بخصوبة الأرض على الأرض، وسِلاسَة الفضاء بالفضاء.

 

هنا وجدت نفسي قارئا عربيا قبل أن أكون كاتبًا، بقراءة ما نشرته مجلة فورين بوليسي، أن الحفاظ على الديمقراطية في تونس مرهونٌ بالتزام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتعزيز الديمقراطيات في العالم، وأن ما يجري في تونس بمثابة اختبارٍ له على أن تونس هي آخر اختبار للربيع العربي.

 

إنّها لشعلةٌ تستمدّ وقودها من العرب بدمائهم، وعلى التوانسة إطفاؤها بأياديهم، وإن كانت أياديهم هي التي أشعلتها بعلمٍ أو جهل!

 

كاتب إماراتي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز