ثورة يونيو 2013 والعلاقات المصرية- الإفريقية (1)
العلاقات المصرية- الإفريقية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، وكطبيعة العلاقات الدولية، تتراوح بين معدلات القوة والضعف، وفق متغيرات محلية وقارية، نابعة من اهتمامات وتوجهات الدول الإفريقية، أو انشغال مصر في بعض الأمور الداخلية وأولويات تنموية.
وبلغت العلاقات المصرية- الإفريقية ذروة قوتها في ستينيات القرن العشرين، مع بدايات حركات التحرر التي دعمتها مصر بقوة، إذ تعد مصر بحق عاصمة التحرر الإفريقي، فكان الزعيم جمال عبد الناصر بطلاً إفريقياً ارتبط اسمه بتحرير الدول الإفريقية من الاستعمار، والمشاركة في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، الاتحاد الإفريقي حاليًا.
مرت العلاقات المصرية- الإفريقية بفترة من الضعف نتيجة انشغال مصر فى حروب 48 و56 وحرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر المجيدة التي قطعت خلالها معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل دعمًا للموقف المصري، لتصاب العلاقات بنوع من الفتور بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا 1995. بيد أن العلاقات تباينت من حيث درجة قوتها وضعفها مع الدول الإفريقية حتى تنحى الرئيس مبارك عن الحكم في بدايات عام 2011.
لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات، ما يسمى بالدبلوماسية الشعبية، خاصة مع دول حوض النيل استغلت التوترات الداخلية، التي أعقبت أحداث ما سمي بثورة يناير، فبدأت في تنفيذ مشروعات ضخمة على منابع النيل، مما يؤثر على حصة مصر المائية التي حافظت عليها الدولة المصرية على مدار التاريخ.
وجاءت ثورة 30 يونيو المجيدة لتؤسس لمرحلة جديدة للعلاقات المصرية- الإفريقية. فبعد استعادة مصر هويتها وتصحيح مسارها فى 30 يونيو 2013 ووقوف جيشنا العظيم وشرطتنا الباسلة إلى جانب إرادة الشعب المصري الأبي وعودة مصر إلى المصريين وإنقاذها من الجماعة الإرهابية التي أرادت أن تبتلعها، واجهت دولة 30 يونيو أول التحديات، قرار تجميد الاتحاد الإفريقى عضوية مصر.
ومن وجهة نظري لم يكن قادة الاتحاد الإفريقي آنذاك على علم كامل بحجم المؤامرة التي تواجهها مصر، وحجم الهجمة الشرسة لإعاقة ثورتها وتشويه حقيقتها، بيد أن مصر استطاعت اجتياز فترتها الانتقالية، وتولى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في مصر، بإرادة شعبية عكستها الانتخابات الرئاسية التي شهدها العالم، ليصوب الاتحاد الإفريقي قراره بعد أن اتضحت له حقيقة ما جرى في مصر، من ثورة شعبية وما أعقبها من استحقاقات دستورية وانتخابية.
وما هي سنوات معدودات، حتى ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي الاتحاد الإفريقي، وإن دل ذلك فإنما يدل على مكانة مصر وقيادتها على الصعيد الإفريقي، وقدرة دبلوماسية دولة 30 يونيو على استعادة مكانة مصر الريادية، التي تناسب قدراتها ومكانتها.
في السبع سنوات الماضية التي تولى فيها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور فى مصر، شهدت العلاقات المصرية الخارجية نجاحات وتناميًا ملحوظًا، وفي القلب منها دائرة العلاقات الإفريقية، بالتوازي مع الإنجازات المتحققة على طريق بناء الجمهورية الجديدة.
وتعكس زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي الخارجية لدول القارة الإفريقية إيمانه الشديد بأهمية الدائرة الإفريقية للأمن القومى المصري. واستطاع استغلال إمكانيات الدولة المصرية وقدراتها الدبلوماسية في إعادة العلاقات المصرية- الإفريقية إلى فترات ذهبية لا يزال الأفارقة يذكرونها وأهمها ستينيات القرن العشرين، كما أسلفنا.
فعندما تتحدث في المحافل العلمية أو تتناقش مع المتخصصين فى الشأن الإفريقي، خاصة في الدول التي مرت بحركات تحرر "قوية" وفترات طويلة من الكفاح ضد المستعمر، لا بد من أن تتذكر كيف كانت مصر عاصمة لحركات التحرر الإفريقية، وفي سبع سنوات تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم استطاعت الدولة المصرية، أن تستعيد دورها الفاعل والمؤثر على كل الأصعدة.
وكما دعمت مصر ثورات التحرر ضد الاستعمار المادي، تدعم إفريقيا للتحرر من الاستعمار المعنوي، فتقود الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الدول الإفريقية في معركة هي الأخطر، معركة التنمية للتحرر من الفقر والجهل والمرض، معركة ضد استعمار "التخلف".
ويتضح ذلك من الاستراتيجية الإفريقية الجديدة، التي طرحتها الدولة المصرية للتعامل مع دول العالم، من أجل تحقيق الأمن الإنسانى للأفارقة بأبعاده المختلفة فتوفير الغذاء والماء والأمان والرعاية الصحية وصون البيئة والأمن الاقتصادي، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار.
وأهم سمات هذه الاستراتيجة:
أولاً: أن نكون شركاء، لا تابعين للدول المستعمرة، أي الشراكة بدلاً من التبعية.
ثانياً: التكامل والتعاون بين دول القارة، بدلًا من التنافس أو الصراعات في حل مشكلات القارة، وأن الأفارقة هم القادرون وحدهم على حل مشاكلهم، (حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية).
ثالثًا: اتباع سياسة الندية مع المجتمع الدولي ورفض تهميش الدول الإفريقية.
وهذه الاستراتيجية التي تعتمد على الشراكة والتعاون والتكامل والندية، أكد عليها الرئيس السيسي في زياراته الخارجية للدول الكبرى، وفي قمم الصين-إفريقيا واليابان-إفريقيا، وروسيا-إفريقيا، ومع مجموعة السبع الكبار وغيرها في كل المحافل الدولية، التي تحدث فيها عن القارة الإفريقية وقتما كانت مصر تدير مفوضية الاتحاد الإفريقي.
وأصبحت العلاقات المصرية- الإفريقية بفضل السياسة الحكيمة التي انتهجها السيد الرئيس خلال السبع سنوات الماضية أكثر قوة ومتانة. ترسخ توافق مصري- إفريقي على أهمية الحفاظ على العلاقات وتعميق صور التواجد للطرفين، وهو ما يمكن أن يقدم أسسًا لعلاقات أكثر عمقًا خاصة في دول حوض النيل ودول وسط القارة ودول غرب القارة، بالإضافة إلى دول القرن الإفريقي، وهي مناطق تشكل محاور للأمن القومي المصري، وعليه بات هناك إدراك إفريقي بأهمية الدور المصري وثقل مصر الدولي، ولذا نرى كثافة الوجود الإفريقي في مصر، وكثافة الزيارات المصرية إلى دول القارة.
ولقد حددت مصر، منذ أن تولى الرئيس السيسي الحكم، مجموعة من الأولويات من أجل نمو وازدهار القارة الإفريقية، ومن أهم هذه الأولويات التمسك بالمثل العليا للوحدة الإفريقية ومواثيق الاتحاد الإفريقى من حيث التكامل بين دولها وقدراتها وأهدافها ووضع خارطة طريق تهدف إلى تحقيق الرفاهية للشعوب الإفريقية، كما تهدف إلى تحقيق الأمن وانتشار السلم والقضاء على الفقر والصراعات القبلية. وتهدف أيضًا إلى الحفاظ على التراث والهوية الثقافية للشعوب الإفريقية.
وسخّرت مصر كل إمكانياتها لتحقيق النهوض بالقارة، وظهر ذلك في توجيهات السيد الرئيس المستمرة، حيث وجه بتوسيع دائرة التعاون مع الأفارقة، وقيادة مسار التنمية المستدامة بالقارة، ونقل التجارب والخبرات المصرية للدول الإفريقية.
واستقبال الآلاف من الشباب الأفارقة للتدريب في الجامعات والأكاديميات المصرية بتمويل من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية المصرية، التي تركز على دعم المشروعات التنموية الكبرى في إفريقيا بالتركيز على مجالات التنمية في قطاعات الصحة والاتصالات والنقل وتوطين التكنولوجيا وتأهيل الكوادر الفنية الإفريقية في مختلف المجالات، واستحداث لجنة وطنية لتنفيذ أجندة الاتحاد الإفريقى 2063 للتنمية المستدامة.
..وللحديث بقية.
القائم بأعمال عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا - جامعة القاهرة