
مشاهد الماستر سين بمسلسل "ولاد ناس " (2-3 )

سوزى شكرى
بعض الأعمال الدرامية ينتهى تأثيرها بنهاية الحلقة الاخيرة، باستثناء الأعمال التي وجد فيها المشاهد شخصيات وأحداثًا تقترب من واقعه، وهذا الاستثناء والتفرد تحقق فى مسلسل "ولاد ناس"، الذي عرض ضمن دراما رمضان 2021 للمؤلف والسيناريست والمخرج هانى كمال، دراما اجتماعية إنسانية وبطولة جماعية لنجوم كبار يشاركهم نجوم المستقبل من الأطفال.
طرح المسلسل قضايا شائكة، تهتم بالأسرة المصرية التعليم بالمدارس الخاصة، والتربية الصحيحة وأضرار العنف الاسرى، علاقة الآباء والأمهات بالأبناء، مدى تأثير وانعكاس هذه العلاقة على سلوكيات الابناء، ومشاكل المراهقين، المخدرات، التنمر .
وكما ذكرنا فى المقالة السابقة، أن المسلسل لم يكتف بإلقاء الضوء على القضايا، بل قدم روشتة علاجية تربوية وتوصيات لتصحيح مسار العلاقة بين الآباء والأبناء، فكانت أولى خطوات العلاج، تبدأ من المراجعة الذاتية . ارتكز"كمال " على تقارب وتماس بين الشخصية الدرامية والشخصية الواقعية، فكان السؤال الاكثر طرحًا يدور حول "الأبوة" .
بالعمل العديد من المشاهد، يمكن أن نطلق عليها Master Scene لأنها مؤثرة ومفصلية وجوهرية ومكتملة العناصر الفنية والجمالية، وإذا لم تكن متابعًا لأحداث المسلسل، يمكنك أن تشاهد هذه المشاهد بمفردها ستصلك رسائل العمل، اخترنا بعض المشاهد ونماذج من الأسر منهم، أحمد وفيق ورانيا فريد شوقى – صبرى فواز ووفاء صادق – ماجد الكدوانى وآخرون.

رمزية حاذثة الأتوبيس
بالتأكيد الانطباع الأول لك كمشاهد، اقتصر على تفسير العمل أنه مبنى على أن انقلاب أتوبيس المدرسة أدى إلى تغيير وتصحيح مسار العلاقات الاسرية وهذا بالفعل حدث، إلا أن مع تكرار مشهد انقلاب الاتوبيس فى "الفلاش باك" أثناء تتابع وتصاعد الاحداث، ستدرك أن الحادثة ليست إلا رمزًا وجرس إنذار، يشير الى ضرورة وجود حدث أو موقف ما يجعلك تتغير وتعيد ترتيب علاقاتك بكل من حولك .

فصائل الدم لا تعرف العنصرية
أثناء وجود الأطفال المصابين بالمستشفى، نتيجة حادثة أتوبيس المدرسة طلب الطبيب من أولياء الامور، أن يتبرع أحد بالدم لإنقاذ طفل دون أن يخبرهم من هو الطفل، فبادر بالتبرع شريف يوسف، قبطى جسد دوره الفنان محمود حجازى، فأنقذ حياة رجب الطفل عمر حسن ابن الحاج رمضان المتعصب جسد الدور الفنان فريد النقراشى، فكان هذا المشهد درسًا عظيمًا فى الإنسانية أن فصائل الدم لا تعرف العنصرية ولا التعصب، وإنقاذ حياة الآخر لا تتطلب معرفته ديانته.
وهذا الموقف، كان بداية تغير الأفكار الخاطئة للحاج رمضان، حيث أصبح صديق والد شريف اللواء "نجيب بطرس أرميا" وجسد دوره الفنان أحمد صيام .

كرامة ابنك ورخصة الأبوة
الفنان أحمد وفيق، جسد دور المحامى "يحيى البهى"، ظهر طوال الحلقات متزن وينصح الجميع بأهمية دور الاب ورعايته لأبنائه، الى أن اتضح أنه أخطأ فى الماضى وتعلم من تجربته، زوجته إيمان التي جسدت دورها الفنانة رانيا فريد شوقى، زوجة هادئة الطباع استوعبت أخطاء الماضى، تسعى دائما لوجود السلام النفسى بالأسرة، وحصل الاثنان على أفضل زوجين بالمسلسل كنموذج مثالٍ متفاهم .

الأب يحيى والد "وليد" الطفل مازن علوان، فى مشهد لم يحدث من قبل فى الدراما ولا فى الواقع، فهل تمنح ابنك الثقة أم اعتادت اتهامه بالكذب، طلب "وليد" من والده أن يذهب معه للمُدرسة، فقد أغفلت المُدرسة تصحيح باقى إجابته الموجودة، خلف ورقة الامتحان واتهمته بالكذب، ذهب "يحيى" لمقابلة المُدرسة، وكشف لها عن إغفالها الاجابة، وأن ابنه لا يكذب ويثق فيه، وبعد أن تأكدت المُدرسة من صحة موقف "وليد" لم يهتم "يحيى" بتعديل الدرجة بل طلب منها تعتذر لابنه لأنها جرحت كرامته.
ومشهد آخر يرتقى بالعلاقة بين أفراد الاسرة، حين تعصب يحيى على زوجتة اعتذر لها أمام ابنته "حياة" أو جومانة فؤاد وإرساء ثقافة الاعتذار، ولا يقلل الاعتذار من قيمة الانسان .

وفى مشهد المحكمة بالحلقة الأخيرة، ومرافعة "يحيى"، قدم درسًا بليغًا وعميق المعنى، طالب صياغة عقد موحد بين وزارة التربية والتعليم والمدرسة وولي الأمر بالحقوق واجبات كل منهم تعليمياً ومادياً، ولان الاب يعتقد أنه أصبح أبًا لمجرد أنه أنجب طفلًا، لكى يكون رب الاسرة لابد أني يحمل "رخصة أبوه" وتجديد الرخصة كل خمس سنوات عن طريق لجنة تفحص الاسرة، هل تصلح لرعاية أولادها لأنه بالفعل يسوق أسرة بأكملها.

صدمة الفقد وقسم "الأبوة"
الفنان ماجد الكدوانى جسد دور صلاح كمال نجيب، وابنه الطفل آدهم عبدالله فى دور "آدم"، الذي توفى فى حادثة أتوبيس المدرسة، المشهد بالمستشفى وصدمة فقد ابنه وبكلمات مؤثرة يتخللها آهات نبعت من قلب أب موجوع قال للدكتور: " آدم قالى يابابا انا مش أنا، وأنا مش فى حضنى، روح يادكتور قوله : أن انا مش هابقى أنا وهو مش فى حضنى".

ومشهد ختام بالحلقة الاخيرة بقاعة المحكمة، وقف الأب صلاح نجيب يحكى عن أن الفلوس لأ نشترى إلإ كل ما هورخيص ، اولادنا اغلى شىء فى حياتنا ونعمة من ربنا، واقسم "قسم الابوة: "أقسم بالله العلى العظيم الذي رزقنى هذا الطفل، وأوكلنى على رعايته،أن أعمل جاهدًا على نفسى ومنكرًا ذاتيًا، لابنى فية إنسانيته، ليكون نافعًا فى كل عمل صالح لأهله ووطنه".

لماذا فكر ابنك فى الموت .!
شعور مؤلم أنك تظن أن ابنك يكرهك، ربما أنك فشلت أن تشعره بمحبتك له، وهو أيضا يحبك ولكنه لا يجيد التعبير، كفاحت طول حياتك كأب من أجل أن تضعه فى مستوى اجتماعى مناسب، ولكنك أغفلت أهم شيء، وهو الاهتمام بمشاكله واحترام مشاعره ولم تمنحه لو دقيقة واحدة تسمعه، ولولا أنه أصيب بحادثة انقلاب الأتوبيس لما اكتشفت أنك لا تعرفه كما يجب أن تعرفه، كتب الابن أنه يريد الموت ولولا الحادثة كان بالفعل انتحر .

رغم أنها مشاعر موجوعة، إلا أنها درس من القدر، جعل الأب يعيد ترتيب حياته مع زوجته وابنته ومهنتة كمحامٍ، وبدأ يبحث عن خيط يوصله الى حقيقة ابنه، اكتشف أن ابنه كان وحيدًا مالوش أصجاب ووقع فى فخ التنمر من زملائه فى الفصل، وفى مشهد يجلس الأب بجانب ابنه وهو فى غيبوبة بالمستشفى، وتذكر يومًا ما جاء ابنه من المدرسة، يبكى فرفض الاب بكاءه ونبهه أن الرجال لا تبكى، ولم يسأله عن سبب بكائه، وتدور الايام ويبكى الاب، ويقول لابنه: انا كذبت عليك فى رجالة بتبكى".

وفى مشهد آخر لا يقل فى قسوته عن سابقة الابنة "هايدى" دينا يوسف متهمة بجريمة قتل وسرقة، دافعت عن نفسها أنها لم تفعل شيئًا، حضنها الاب حضنا يجمع بين غضبه من فعلها وبين احتضانها لاحتوائها، وقال لها: "أنا يابنتى اللى معملتش حاجة".

هذا ما حدث مع الاب المحامى "عيسى الناجى"، الذي جسد شخصيته بكل ما فيها من تناقضات الفنان صبرى فواز، وشاركته الفنانة وفاء صادق"بدور "أروى" الزوجة الصبورة، التي رغم معاناتها ظلت محافظًا على بيتها وتحب زوجها رغم بمعرفتها أنه كان يحب صديقة لها من الماضى .



ونكمل فى المقالة القادمة عن مجموعة أخرى من الأبطال، إيهاب فهمى صفاء الطوخى فريد النقراشى وبيومى فؤاد ومحمد عز ومحمود حجازى وآخرين، بالإضافة للأطفال نجوم المستقبل .
لينك المقال الأول
مسلسل "ولاد ناس" استعادة الدراما الاجتماعية (1- 3)