

د. عادل القليعي
الوعي.. الاستقرار.. النهضة الشاملة
مما لا شك فيه أن النهوض بدولة من الدول وتحقيق تنميتها المستدامة دأب وديدن قادتها وشغلهم الشاغل، لكن من هؤلاء، أولئك المخلصون الذين أخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية، فالمسؤولية أمانة، والمناصب تكليف وليست تشريف.
وإذا كان ذلك كذلك، فإنه ثم معينات تعين الحاكم على أداء مهامه، لا بد من توافرها حتى يستطيع أداء ما عليه من مسؤوليات تجاه مواطنيه.
الحاكم سواء رئيس أو وزير ، أو رئيس مؤسسة أو مصلحة حكومية أو عمل خاص، أيا كانت طبيعة القيادة حتى لو كان قائد سيارة أو قطار، لا بد من توافر ما يعينه على الوصول بسفينته إلى بر الأمان فإن زمن المعجزات قد انتهى وولى، وأنه ليس ثمة عصا سحرية إنما هي أوهام كأوهاف كهف أفلاطون، أو أوهام سوق فرانسيس بيكون.
فإذا علمنا ذلك جيدا فلنعلم أيضا أن ثم نعمة منحها الله إيانا ألا وهي نعمة العقل المستبصر الذي يقرأ الصورة جيدا لا ينبهر بألوانها البراقة، وإنما يغوص محللا مضمونها.
فلا ينخدع بالشعارات الجوفاء والكلمات المعسولة ، والورود التي تملأ أرجاء أماكن الزيارات، ومجرد ما أن يولي وجهه عن المكان تعود ريما إلى عادتها القديمة.
أما عن المعينات.
أولا: الوقوف قلبا وقالبا، جملة وتفصيلا بإخلاص خلف قياداتنا طارحين خلفنا الأنا والأنانية والمغالاة في حب الذات وتغليب مصلحة الوطن.
ثانيا: تهيئة بطانة صالحة لا هم لها ولا هدف إلا مصلحة شعوبها، دأبها وشغلها الشاغل التفاني في العمل على كآفة الأصعدة والمستويات ، تنصح بإخلاص إذا ما طلب نصحها ، وتبدي رأيها دون مداهنة أو مجاملة في كل صغيرة وكبيرة تخص المواطن ولا تدخر جهدا في خدمة بلدها..
وإذا رأيت أنها ليست أهل لتحمل المسؤولية ، فعليها ترك مكانها لمن هو أهل له دونما ضيق أو ضجر أو إثارة الفتن وبلبلة الرأي العام وتشويه كل منجز تم على أرض الواقع.
ثالثا: طرح الشائعات جانبا وعدم التأثر بما يقدمه مروجوها ، أولئك الذين لا يريدون خيرا للبلاد، إنما همهم وشغلهم الشاغل زعزعة أمن واستقرار البلاد واستفزاز المواطن البسيط مستغلين الأزمات التي يتعرض لها العالم كله طريقا لهم للوصول إلى مآربهم غير السوية.
ومن ثم وجب على كل محب لوطنه إغلاق الأبواب في وجه أمثال هؤلاء.
وهذا بدوره يحقق الاستقرار والسلام والأمن الداخلي للمواطن فيحيا حياة هادئة بعيدا عن مسببات القلق النفسي وأهم هذه المسببات سيكولوجية الشائعة التي تلعب على دغدغة مشاعر البسطاء أولئك الذين يشكلون الغالبية العظمى للشعوب.
رابعا: المكاشفة والمصارحة في ما هو مباح ذكره.
نعم هناك أمور لا يمكن التحدث عنها إلا في أضيق الحدود، ولا يمكن التحدث عنها أمام أقرب الأقارب، كاتخاذ قرارات الحرب أو ما يخص الأمن القومي للبلاد، فلا يمكن الحديث مثلا على شاشات التلفاز، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما ضرورة توخي الحذر.
أما ما دون ذلك فيمكن مناقشته في مؤتمرات مفتوحة يدعى إليها أهل الخبرات في مختلف المجالات، ويدعى إليها الشباب الذين هم عصب البلاد وصمام أمانها فهم يشكلون ثروة قومية، ضرورة ملحة الاستفادة منهم وزرعهم بعد تدريبهم في كل مفاصل الدولة مدعومين بخبرات الكبار دون تسلط من الكبار ودونما عصبية وحمية وحماسة الشباب وإنما عن طريق إبداء الرأي وقبول الرأي الآخر.
مقومات استقرار الدول وتحقيق نهضتها الشاملة وتنمية المستدامة لا يكون إلا عن طريق تنمية وعي المواطن ولا يتحقق ذلك إلا من خلال ما يلي.
أولا: تنمية الوعي الديني، ولكي يتحقق ذلك ، فلا بد من وجود خطاب ديني متزن متكامل لا يعتمد على التضليل واعتماد الحناجر الجهورية ولا عن طريق الأمر بالمعروف والبر والمتحدث أبعد ما يكون عن ذلك، ولا كمن يقف خطيبا يدعو الناس إلى الزهد والتقشف وهو أبعد ما يكون عنهما، أو كمن يدعو إلى المواطنة وحب الوطن وإذا ما حدث مكروها أول من يغادر البلاد.
وإنما خطاب ديني رائد يوضح للناس قيمة حب الوطن والتعاون والإخلاص في حبه.
كذلك شرح مفهوم الدين الصحيح الذي ينبذ التطرف والإرهاب والمغالاة والتشديد وقتل النفس.
وتنمية عقيدة الولاء والبراء في قلوب وأفئدة المواطنين، الولاء للوطن الذي حبه من الإيمان والولاء لترابه وبذل الغالي والنفيس لنصرته كل في مكانه.
والبراء من كل من يعادي الوطن، وكل من يثير الفتن والقلاقل، وكل من يروج الشائعات، وكل من يحاول زعزعة أمن الوطن واستقراره، وكل من يقف عقبة كئود وحجر عثرة في سبيل تحقيق تنميته والنهوض به.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال علماء أجلاء مشهود لهم بالتقى والعفاف والاستغناء عن المآرب الدنيوية شغلهم الشاغل حب الله ورسوله اللذين أمرنا بحب الوطن.
فليس كل من ارتدى جلبابا قصيرا ووضع مسواكا ومصحفا في جيبه ينصب نفسه داعية، فالدعوة لها ضوابطها وشروطها وإلا ستخرج عن مضمونها الحقيقي.
ثانيا: تنمية الوعي الثقافي للمواطنين.
فالثقافة عليها معول كبير في نهضة الأمم، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تستقيم دولة وشعبها مغيب ثقافيا، بمعنى توسيع مداركه وتغذية عقله وتثقيفه ثقافة مستنيرة.
وذلك عن طريق الدعوة المستمرة للقراءة والمطالبة بزيادة عدد المكتبات العامة وتفعيل دورها فلا ينبغي أن تكون كتب تملأ الأرفف دونما الاستفادة منها، إحياء مشروع القراءة للجميع، تفعيل دور الثقافة الجماهيرية، عقد ندوات ومؤتمرات تنظمها وزارة الثقافة ، تخصيص مبالغ مالية لجوائز قيمة تمنح للمبدعين يحكمها حكام عدول دونما وساطة أو محسوبية.
ليس هذا وحسب بل وعن طريق استخدام وسائل الإعلام، فعليها دور فعال في إثراء الحياة الثقافية للمواطنين عن طريق إعادة هيكلة البرامج الثقافية التي تبث عبر تليفزيون الدولة ومراقبة ما تقدمه القنوات الخاصة من مادة ثقافية يستفيد منها المواطن وتسهم إسهاما مباشرا في تنمية وعيه.
ثالثا: تمنية وعي المواطن سياسيا ، عن طريق مشاركته مشاركة فعالة في المجالس المحلية والمجالس النيابية ، وعن طريق مشاركته الحزبية ، وتوفير قاعدة بيانات له تعينه على الإدلاء بصوته ممارسا حقه الدستوري في ذلك وحثه على المشاركة.
هذه واحدة، أما الثانية فتتمثل في فرض رقابة أمنية مشددة لحماية المواطن أمام لجان الانتخابات من التنكيل والبطش به من بلاطجة بعض المرشحين.
وكذلك فرض الرقابة الصارمة خصوصا في القرى والنجوع والأحياء الشعبية على رأس المال السياسي لشراء الأصوات والتي وصل الصوت في بعض المناطق إلى ألف جنيه، مستغلين حالات العوز والحاجة للمواطنين الفقراء.
رابعا: تنمية وعي المواطن وإحاطته بالعملية التعليمية، وأن استقامة البلاد لا تكون إلا بالعلم منعا للجهل والأمية.
وإحاطته بجريمة تسريب أولاده من التعليم.
وضرورة متابعته لأولاده ومتابعة معلميهم في مدارسهم.
خامسا: تنمية وعي المواطن عسكريا عن طريق توضيح أهمية إلحاق أبنائهم بأداء الخدمة العسكرية، يؤديها عن طيب خاطر، فأبناؤنا الجنود هم حماة الوطن وحراس حدوده من تربص المتربصين من حوالينا، فعزنا وقوتنا بالله تعالى ، وبجندنا الذين هم خير أجناد الأرض.
كذلك توعية المواطن بتسليحنا وبقوتنا العسكرية التي يستشعر معها بالفخر وأن له سيف ودرع يحمي حماه وما ينفق عليه لا يضيع سدى ، فقوة الدول من قوة جيوشها.
سادسا: تنمية وعي المواطن بالنهضة الحضارية وبقيمة المشروعات التنموية التي نفذت والتي هي قيد التنفيذ، من مشروعات عملاقة ما كان يمكن أن تنفذ إلا من خلال قرارات جريئة، وما كان يمكن تنفيذها إلا من خلال جهود المخلصين المحبين للوطن.
إذا أردنا حقا النهوض بوطننا وتحقيق استقراره فلا بد من تنمية وعي المواطنين وتوسيع مداركهم وإفهامهم دونما إفراط أو تفريط.
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان