الدكتور إبراهيم البيومي: رفع الأعمال في شعبان

يتميز شهر شعبان بمميزات عديدة وفضائل كثيرة  فهو شهر يحبه رسول الله حتى أُطلق عليه شهر الحبيب، ويُطلق عليه شهر القراء وذلك لقول سلمة بن كهيل الخضرميّ الكوفيّ التابعيّ أنّ القوم كانوا إذا جاء شهر شعبان تفرّغوا لقراءة القرآن، وتدبّره، والعمل به حتى سُمّي بشهر القرّاء، وهو شهر الحياء من الله فلقد كان النبى يكثر فيه من الصيام والأعمال الصاحة حياء من الله حتى تُرفع أعماله إليه وهو صائم.

شهر شعبان  من المواسم المعدودة والأزمنة المحدودة لزيادة الأعمال والطاعات والعبادات فيها، والتقرّب من الله تعالى، والتي كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يكثر فيها من العبادات والقربات، فهو شهر من الأشهر المباركة التي يتشعب فيها الخير ,ويكثر فيها الأجر وترفع  فيها الأعمال لذلك كان النبى يكثر فيه من الصيام، روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لم يكنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ شهراً أكثرَ من شَعبانَ، فإنه كان يصومُ شعبانَ كلَّه).

لقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- حريصاً على الطاعة والعبادة فى شهر شعبان ويخصه بمزيد من الأعمال الصالحة , وقد سأل الصحابة رضوان الله عليهم النبى صلى الله عليه وسلم عن سبب تخصيصه هذا الشهر بمزيد من الأعمال والعبادات  ,روى النسائي و أحمد واللفظ له عن أسامة بن زيد قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى يقال: لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة، إن كانا في صيامه وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما. قال: " أي يومين؟ " قال: قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: " ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " قال: قلت: ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". 

ومن حياء النبى من ربه أنه كان يحرص على الصيام وقت رفع الأعمال لذلك كان يواظب على صيام يومى الاثنين والخميس لأنهما  ترفع فيهما الأعمال، ولا تعارض بين رفع الأعمال في يومي الاثنين والخميس ورفعها في شعبان، فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر النبى أنه ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل.

يوضح النبي فى هذا الحديث الحكمة من تخصيص شهر شعبان بالصيام  ومن ذلك: 

أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.

 ومنها حياؤه من الله تعالى أن يرفع عمله إليه وهو على غير طاعة, ويتجسد حياء النبى من ربه ونظره إليه فى قوله "وأحب أن يرفع عملى إلله وأنا صائم " ففى الحديث كمال حياء النبى  من ربه  ,فالحياء من أخلاق النبوة ,فعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).

قال الخطَّابي: (قال الشَّيخ: معنى قوله ((النُّبوَّة الأولى)) أنَّ الحَيَاء لم يزل أمره ثابتًا، واستعماله واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم ينسخ فيما نسخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها) .

   لقد حرص  النبى أن يُرفع عمله الى الله وهو  فى أكمل أحواله الإيمانية وأحبها إلى الله، وذلك حياء منه سبحانه وتعالى، وحرصا منه أن يكون كما يريده خالقه ومولاه , لأنه من استحيا من الله استحيا الله منه.

يتجسد الحياء من الله فى شعبان أن تستحى من أعمالك وهى تعرض بين يدى الله تعالى  وأنت على غير طاعة , أن تستحى من كل ما كتبه الملائكة فى صحيفتك من سوءات وعورات , وهى تُعرض على الله  فى هذا الشهر فلو عرضت وانت على طاعة غفرها الله لك وتجاوز عما كان فيها من ذنوب وعصيان، وهذا أعظم أنواع الحياء : الحياء من الله ويكون ذلك بعمل الطاعات والمداومة على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة ليُكتب لك أجرها ولعل الله يختم لك عليها والاكثار من الدعاء أن يتقبل الله منك وأكثر من الاستغفار  قال بكر المزني رحمه الله: «إنَّ أعمال بني آدم ترفع، فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاء، وإذا رفعت صحيفة ليس فيها استغفار رفعت سوداء.