لإنهاء حالة الصدام بين الدول والشعوب
مؤتمر "حوار الأديان والثقافات" يؤكد أهمية رصد وتحليل الخطاب الإعلامي
وكالات
أكد المشاركون في مؤتمر "حوار الأديان والثقافات"، اليوم الأحد، أهمية رصد وتحليل الخطاب الإعلامي والمجتمعي الذي تقدمه وسائل الاعلام والتواصل للعمل على إنهاء حالة الصراع والصدام بين الدول والشعوب.
وفي كلمته، دعا الدكتور سامي عبد العزيز عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، أمام المؤتمر الدولي "حوار الأديان والثقافات" الذي ينظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على مدى يومي 13 ـ 14 مارس الجاري تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وبرئاسة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، ويشارك فيه 35 دولة و75 شخصية عالمية دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية، إلى رصد وتحليل ملامح الصورة الذهنية ومحاور الحوار العالمي بين الأديان والثقافات وسبل التعامل معها علميًّا وإعلاميًّا. وأكد أن المؤتمر يمثل فرصة عظيمة للتوصل إلى الأسس المعرفية والفكرية، وكذلك الاتفاق والوفاق على استراتيجية متكاملة تجعل من حوار الأديان والثقافات جسرًا للسلام والمحبة بين دول العالم. وأوضح عبد العزيز أن إقامة حوار بناء يتطلب عدة شروط منها : اللغة والاستعداد للحوار والتفاعل والاستماع وعدم توجيه الاتهامات للأطراف الأخرى، والتمتع بالمرونة والتخلص من الأحقاد والتزام الهدوء وعدم الانفعال، فالسلوك العصبي سيضيع الحقائق الإيجابية التي يمتلكها المتحاورون. وأشار عبد العزيز إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في دعم الحوار أو إفشاله من خلال ما يعرف بنظرية ترميم ذاكرة الدول والشعوب والمؤسسات وإحداث تغييرات مهمة في الصور، لافتا إلى أن الصورة الإسلامية تواجه أشد التحديات فيما يتعلق بالصور النمطية السلبية، والتي تلصق يوميًّا وتتركز في الخطاب الغربي – الأوروبي. وأكد أهمية تحديد وإدراك الخط الفاصل بين حرية التعبير وعدم الانخراط بخطاب الكراهية عبر الإنترنت بأي شكل من الأشكال والتي يصعب احتواؤها في حال حدوثها نظرًا لطبيعتها ولسهولة انتشارها بسرعة، منوها بأنه رغم أن كل منصة تواصل اجتماعي لديها قوانينها الخاصة لما يعتبر محتوى مناسب للنشر من عدمه (أو ما يصنف بخطاب الكراهية عبر الإنترنت)، إلا أننا لا نزال نرى تعليقات عنصرية أحيانًا وعدوانية أحيانًا أخرى منتشرة بسرعة وبكثافة؛ لذا بات من الضروري في المجتمعات الديمقراطية منع أي من أشكال التعبير التي تعمل على تحريض وتشجيع أو تبرير الكراهية على أساس التعصب. وفي كلمته ، أكد المستشار الدكتور علي عمارة الرئيس بمحكمة الجنايات وأمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ظل المتغيرات المتلاحقة إقليمياً ودولياً تجعل من الحوار النشط والمثمر في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية مسألة حياة أو موت لكل الدول العربية سواء اتخذ الحوار في صورة اجتماعات القمة العربية، أو اتخذ صورة اجتماعات عربية على مستوى وزاري أو لجان مشكلة من الدول العربية. وأوضح عمارة ، أن هذه الأوضاع تتطلب تفصيل الحوار بين الدول العربية لتنظيم إيجابياتها والتخفيف من سلبياتها؛ لأنها ولا شك يمكن أن تمثل عائقًا أمام الإسراع بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي المشترك، والاستغلال الأمثل لمواردنا العربية لتحقيق التنمية العربية الشاملة والمستدامة ، لاسيما وأن المنطقة مازالت تعيش جانب كبير من التأثيرات السلبية للعولمة خاصة في مجال صراع الحضارات، ورغبة الدول الغربية في سحق الهوية العربية، ومحو الحضارة العربية والإسلامية وطمس هوية هذه الشعوب، وفرض المسار الاقتصادي على بعض الدول؛ مما يؤدي إلى تفتيت الشمل للوحدة العربية الأمر الذي يتطلب حوارًا عربيًّا فاعلاً للحفاظ على الحقوق العربية. ومن جانبه ، قال الدكتور إبراهيم صلاح الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، موضحا أن التجديد لازمة من لوازمها بحكم تغير الأحوال والأوقات والنوازل. وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية ، أن الذي يطالع تراثنا الرائع يجد فقهاءنا كتبوا الفقه في كل عصر بما يلائم الأحوال مكانًا وزمانًا وبيئة، مؤكدا أن كل العلوم تبرهن عمليًّا على صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان وأنها شريعة عالمية. وأشار إلى ضرورة العناية بترسيخ ثقافة العقل في محاوراتنا ومناظراتنا وترسيخ فكرة تنوع الآراء، وقبول ثقافة التنوع والتأسّي بالعلماء الراسخين في احترام بعضهم بعضًا على الرغم من اختلافهم في الرأي ، وضرورة إبراز المخزون الثقافي والتراثي في نبذ التعصب، وثقافة الود مع الاختلاف واحترام الثوابت لدى أطراف الحوار، موضحا أن الحوار العقلي أقوى سبيل لمواجهة التطرف والفرقة والتشرذم. بدوره، قال الدكتور مصطفى محمد عرجاوي أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إن الحوار من أهم أدوات نشر رسالة الإسلام والتواصل الفكري والثقافي والاجتماعي، حيث أن الأسلوب الراقي للرسول صلى الله عليه وسلم دفع كثير من الناس للدخول في الإسلام. وأكد عرجاوي - في كلمته أمام المؤتمر - أهمية الحوار في مجتمعنا المعاصر؛ لما له من أهمية وأثر بالغ في تنمية قدرة الأفراد على التفكير الإيجابي المشترك، والخروج من دائرة التشدد والانغلاق، كما يفتح الحوار مزيد من قنوات التواصل الإنساني ، مضيفا أن الحوار له أنواع كثيرة منها الحوار الديني، والاجتماعي، والاقتصادي، والأمني، والسياسي والتربوي وغيرها، منوهًا بأن الحوار من أهم وسائل الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة. وأوضح عرجاوي ، أن الحوار الديني نلمسه فيما ورد في القرآن الكريم من قصص ومحاورات حيث وصل الحوار إلى قمة الروعة والقوة، مشيرًا إلى حرص الإسلام على سيادة روح التحاور مع المخالفين اقتداء بما ورد في الذكر الحكيم، مؤكدا أن الحوار يساعد على عرض الأفكار بصورة واضحة، وتقريب وجهات النظر بين المتحاورين، فضلا عن إظهار الحقائق، ونشر المعارف والثقافات، كما أنه يفتح أمام المحاور العديد من الخيارات والحلول. ونوه بأن الحوار الهادئ المستنير هو الحل لكل القضايا والمشاكل المعاصرة بكافة أشكالها داخليًّا وخارجيًّا، كما أن تفعيل لغة الحوار بين الأفراد يحقق الاستقرار على المستوى الأسري والمجتمع بأسره، في كافة القضايا الشخصية الخاصة، والمسائل القومية العامة، فرأي الجماعة لا تشقى البلاد به. ودعا إلى تمكين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف من نشر البحوث العلمية بشكل موسع، لتكوين الوعي الجمعي لدى جموع المواطنين؛ لأن العلم الوسطي النافع هو القادر على نشر روح التعاون والتحاور البنَّاء بين أفراد المجتمع، ولا يقل دعم النشر عن بناء المساجد، فالبناء يقام للعبادة، والنشر العلمي يعمّر البناء العقلي لرواد هذه المساجد فلا يتمكن متطرف أو منحرف من نشر فكره. وفي سياق متصل ، أكد الدكتور عبد الله مبروك النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أهمية الربط بين الحوار والالتزام بضوابط النقد للوصول بالحوار إلى غايته المرجوة. وأوضح أن أحكام الشريعة الإسلامية تكفل حق الحوار وتضمن وصوله إلى الغايات الإنسانية الرشيدة التي تبتغى من ورائه، وتتوافق مع ما هو مقرر في المواثيق الدولية والقوانين الوضعية. وشدد على أن الحوار يمثل ضرورة إنسانية لا غنى لأي إنسان عنها ويشكل أهمية فائقة في حياته، لأنه يبث من خلاله آماله، ويعبر فيه عن آلامه، ويشعر به أن له كياناً ذاتياً محترماً ووجوداً مقدراً، مضيفا: "إن بالحوار إما أن يبدي الانسان علماً يجب الاستماع له والاستفادة منه أو يقول رأياً ينبغي الاستماع له والرد عليه، وهو في هاتين الحالتين وغيرهما يؤكد ذاته، ويعبر عن وجوده، ويشعر بأن له قيمة في الحياة". من جانبه ، قال عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر الدكتور أحمد ربيع يوسف إن هناك مصطلح أصيل في ثقافتنا هو "إنصاف الخصم" ولا نقول قبول المخالف فقط، بل نصل أيضا إلى مرحلة الإنصاف. وأشار يوسف، إلى أن في القرآن الكريم والسنة المطهرة والتراث الإسلامي يحتوي على إنصاف الخصم بشكل واضح، فالقرآن الكريم به نماذج متعددة لإنصاف الخصم حتى ولو كانوا من المخالفين في الاعتقاد، ومن نماذج هذا الإنصاف حديث القرآن الكريم عن ملك مصر في عهد يوسف ، فرغم أنه كان على دين قومه و بعد أن فسر يوسف عليه السلام رؤيا الملك وطلبه أن يؤتى به؛ امتنع يوسف عن الخروج من السجن قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 50 - 55] . ولقد كان من الممكن أن يساوم الملك يوسف لخروجه من السجن حتى يسكت عن هذه القضية التي تنال من بعض سيدات المجتمع، ولكن لأن الملك كان عادلاً أمر بفتح تحقيق جديد في القضية.