حكاية شعب البُولالا في تشاد
د. إسماعيل حامد
شعبُ "البُولالا"، أو "البُلالة"، من الشعوب الإفريقية القديمة التي برز دورها في أراضي دولة تشاد، وكذلك غرب أراضي دولة السودان الحالي. ويُكتب الاسم: Boulala، وكذلـك يذكر فيما يبدو بشكل أو بآخر باسم: (الإيلالا) Ilalla واسمهما ربما يكون لجماعة واحدة لوجود تشابه لفظيٌ واضحٌ بينهما وبين قبيلة بني هـلال العربية (بو-هلال). ومن المعروف أن "البولالا" في الأصل كانوا يسكنون غرب إقليم دارفـور، وتحديدا بالقرب من بحيرة تشاد. وكان شعب "البولالا" من الأعداء القُدامى للحكام في مملكة الكانم والبرنو اللتين تأسستا بالقرب من بحيرة تشاد.
ربما يعجبك
وتوجد ثمة قرابةٌ بين "البولالا" وحكام الكانم، فهم من بنـي عمومتهم، و"البولالا" هم من الشعوب البدوية Nomadic Peoples في القارة الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وهذا الشعب لعب دورًا حاسمًا في طرد ملوك الكانم سنة 803هـ/ 1400م، ثم استقروا غربي "بحيرة تشاد". ويرى البعضُ أن "البولالا" ينتسبون إلى "عرب الشوا" ذوي الأصل الهلالي العربي، وهو الرأي الأقرب للصحة. وتذكر إحدى المخطوطـات الإفريقية أن شعب "البُلالة" ينتسبون إلى شخص يُدعى "بـلال" من "أزد عمان"، وهو افتراضٌ بعيد إذ لم يكن لقبائل الأزد العربية، وهي التي استقرت في عمان، دورٌ ذي بال في مناطق السودان إبان العصر الإسلامي. وبحسب هذه المخطوطة فـ"البولالا" كانوا يسكنون أيضا في المنطقة الواقعة فيما بين بلاد البرقو و"باقرمة" (باجرمي).
وقد أقام شعب البولالا سلطنة إسلامية نالت شهرة تاريخية في بلاد "السودان الأوسط" (أي تشاد حاليا)، وكانت تمتد تُخُوم تلك السلطنة من المناطق الغربية لبلاد الكانم، وكان نفوذهم يمتد شرقـًا حتى بلاد النوبة، وكانت أراضيهم تلتقي في الجنوب مع الصحراء الكبرى على جزءٍ مُتعرِج من مجرى "نهر النيل"، وهو ما يُشير أيضا إلى أن تأثير شعب البولالا كان منتشرًا في بعض مناطق سودان وادي النيل.
ومن خلال بعض تلك الإشارات، وكذا الآراء المُهمة التي أوردها الباحثون، فإنه يمكنُ الربط بشكل واضح بين بطون قبيلة بني هـلال العربية من جانب، وشعب البولالا من جانب آخر. ويبدو ذلـك الربط طبيعيًا وغير مُفتعل لا سيما من خلال الطبيعة التي كانت تغلب على هؤلاء البولالا، إذ تصف أكثر الآراء عن ذلـك الشعب ذي "الأصل الغامض" بأنهم كانوا من بين القبائل الرعوية، أو بدوية الأصل.
خريطة بلاد برنو (تشاد) القديمة حيث ظهرت سلطنة البولالا
ويذهب البعضُ إلى أن "البولالا" جاءوا من الصحراء الكبرى في الأصل، كما أشار آخرون إلى أن قدومهم إلى هذه البلاد (أراضي تشاد) كان أقرب ما يكون إلى "الغزو" لأولئك القادمين من مناطق الصحراء. وهو ما يُشبه لحدٍ كبير الهجرات التي قامت بها الجماعات الهلالية إلى إفريقيا وبلاد المغرب، وشمال إفريقيا والتي يُطلق عليها "الغزوة الهلالية"، أو التغريبة الهلالية. وهو ما قد يشير بشكلٍ واضحٍ إلى هجرات بطون هلالية عبر الصحراء الكبرى قادمة من مناطق شمال إفريقيا، إلى السودان الأوسط (تشاد)، ومناطق سودان وادي النيل (السودان الحالي)، ويؤيد ذلـك وجود عدد من الجماعات الهلالية في بلاد الكانم والبرنو.
ويذكرُ المؤرخون أن الصراع بين كل من شعب البولالا وسلاطين دولتي الكانم والبرنو في تشاد كان صراعا طويلًا، وقد سقط على أثره العديد من سلاطين الكانم. ولعل منهم السلطان الكانمي "سعيد". وقد استمرت هذه الجماعات (أي: البولالا) تحارب سلاطين الكانم مدة طويلة، وصاروا يشكلون تهديدًا خطيرًا لحكام هذه الدولة التي تنتسب بحسب أكثر الروايات الإفريقية إلى "سيف بن ذي يزن" حاكم اليمن المعروف، وقد اضطر حكام بلاد الكانم إلى أن ينقلوا مقر حكمهم إلى مناطق المستنقعات شرق (بحيرة تشاد)، وكان ذلك هربا من اعتداءات جماعات "البولالا" على أراضي مملكتهم.
خريطة تظهر بحيرة تشاد حيث عاش شعب البولالا بالقرب منها
وثمة رأيٌ مُهمٌ إذ يُشيرُ المستشرق المتخصص في التاريخ الإفريقي (جي. دي. فيج) J. D. Fage إلى أنه لما تزايدت حدة الصراعاتُ داخل أحد فروع "الأسرة الحاكمة في بلاد الكانم التي تأسست في أراضي دولة تشاد قديما، ما أدى لانقسام هذه الأسرة الحاكمة لقطاعات مُتفرقة، ومُتناحرة تتنافس على العرش في هذه البلاد، ومن ثم صارت تلك البلاد بعد ذلـك رهينةً لضغوط كبيرة بسبب اعتداءات شعب "البولالا" على أراضيهم.
كلية الآداب - الجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا
جوجل نيوز
