عاجل
الأحد 15 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
حوار مع الرياضة

حوار مع الرياضة

تخيلت نفسي يومًا ما أنني أجري حوارًا موسعًا مع الرياضة، فدائما ما يجلس النقاد الرياضيون أو المفكرون أو العلماء يتحدثون أو يفسرون أو ينتقدون أو يناقشون بعض مفرداتها أو يحللون بعض قضاياها، لكن هل سمح أي منهم لعقله- لبرهة من الزمن- أن يدخل في حوار معها؟ يسألها عن طبيعة منظماتها وفلسفة إداراتها وهيكلتها العالمية وتبعيتها الدولية، وفلسفة تصميم تشريعاتها القانونية؟ يسألها عن مستهدفاتها من حيث ممارسة المجتمعات للرياضة المنظمة، يحاورها بالمنطق والعقل؟



لذا أجري هذا الحوار مع الرياضة.

 

س1: في البداية كيف تعرفين نفسك.. خاصة فيما يتعلق بالرياضة المنظمة؟

ج: أنا اسمي "الرياضة" أتكون من عدد كبير من الألعاب الرياضية التي تنقسم إلى نوعين، هما الرياضة الأولمبية والرياضة غير الأولمبية، ومرجعية التصنيف ترجع إلى السير بيردي كوبرتان، باعث الحركة الأولمبية الدولية، ويتضمن الآن البرنامج الأولمبي 33 لعبة رياضية أولمبية.

 

والرياضة المنظمة التي تقصدها في سؤالك تتعلق بما أسميها "هيكلة الهرم والتبعية"، فهناك الهيكلة الوطنية التي تتكون من الأندية الرياضية التي تؤسس الاتحادات الرياضية الوطنية والاتحادات الرياضية هي التي تؤسس اللجان الأولمبية الوطنية، ثم تأتي الهيكلة الدولية، التي تتكون من الاتحادات الرياضية الوطنية والتي بدورها تكون كلًا من الاتحادات القارية والاتحادات الدولية، والتي بدورها الأخيرة تكون اللجنة الأولمبية الدولية، وتراقب عمل كل هذه المنظمات؛ من حيث المنشطات لجنة دولية تسمى اللجنة الدولية لمكافحة المنشطات، ويفصل في المنازعات الرياضية بين كافة تلك المنظمات (المجلس الدولي للتحكيم الرياضي) الذي تندرج تحت مظلته (المحكمة الرياضية الدولية) التي لا تستطيع أن تتصدى لأي منازعة رياضية إلا بعد استنفاد كافة إجراءات فض المنازعات الرياضية الوطنية أو الدولية وارتضاء الأطراف المثول أمامها. هذا باختصار بسيط تصميم الرياضة المنظمة على مستوى العالم.

 

س2: ما الفارق بين تبعية الرياضة المدوَّلة والرياضة المعولمة وعلاقة المفهومين بإدارة الحركة الرياضية الوطنية؟

ج: يجب أن تعلم أن الرياضة تدار من خلال نظام عالمي للقوانين الرياضية التي تنظم إدارة الألعاب الرياضية، فقانون كرة القدم على سبيل المثال يخضع لأطر العولمة، فلا تستطيع أي دولة أن تغيره بمعرفتها إلا عن طريق كونجرس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهذا الأمر بالتبعية يسري على كافة الألعاب الرياضية، كما أنها تخضع لقواعد النظم المدولة (أي التشريعات والأنظمة الأساسية التي تأخذ الصبغة الدولية) مثل الميثاق الأولمبي الدولي- لائحة تقنين أوضاع انتقالات اللاعبين الدولية- الأنظمة الأساسية للاتحادات الرياضية الدولية... الخ، وهنا يجب أن أؤكد أن ليس كل ما في القواعد الدولية ملزمًا للاتحادات الرياضية الوطنية، فهناك جوانب أساسية يجب أن تأخذ بها الاتحادات الرياضية الوطنية، وهناك جوانب تترك للاختيار من قبل الاتحادات الرياضية الوطنية.

 

س3: إجابتك السابقة تدفعني إلى سؤال في غاية الأهمية.. هل تنصحين المنظمات الرياضية الدولية بالاستقلال بمنظماتهم الرياضية وطريقة إدارة الرياضة الوطنية؟

ج: أجابت وقد بدأت ملامح الاستغراب تظهر على وجهها، وقالت: من قال هذا؟ فكل ما أؤمن به وأقره من نصوص تستهدف التكامل بين القواعد الدولية وأحكام السيادة الوطنية للدول، فاستقلالية الهيئات الرياضية ليست معناها إدارة الرياضة بمعزل عن الدولة، والدليل على ذلك من يشهر الهيئات الرياضية الوطنية هي الدول، ومن يعطي المشروعية القانونية لعمل الجهات الرياضية الوطنية، من المؤكد أنها الدول، ولك أن تتخيل "دعنا نفترض أن كافة الدول امتنعت عن إشهار الاتحادات الرياضية الوطنية واللجان الأولمبية الوطنية، فمن يكون إذا الاتحادات الرياضية الدولية واللجنة الأولمبية الدولية؟ إذا العلاقة تكاملية، فلا معزل عن إدارة الرياضة الوطنية عن الدول وإنما هي توزيع لاختصاصات وسلطات، ولا يجوز لأي من تلك السلطات أن يتجاوز اختصاصات الآخر، والميثاق الأولمبي الدولي يؤكد فكرة التكامل بين الإطار الحكومي والاطار الرياضي الأولمبي، وهذا يبرز في فكرة استضافة الدورات الأولمبية.

 

س4: هذا أيضا يأخذني إلى سؤال آخر مهم جدًا: ما هو التدخل الحكومي؟

ج: أولًا يجب أن تعلم أنه لا يوجد شيء في الميثاق الأولمبي- أو أي لائحة رياضية دولية- يتضمن مفهومًا أو مصطلحًا يسمى "التدخل الحكومي"، فما يذكر في تلك التشريعات نطلق عليه "الطرف الثالث"، فالرياضة الوطنية تدار- بعد إشهارها الحكومي والاعتراف الأولمبي بها- عن طريق اتحاداتها الدولية، عن طريق طرفين "مجلس الإدارة والجمعية العمومية الخاصة بكل جهة رياضية"، فلا يجوز أن يتدخل أي من أطراف خارجية في عملهما، وهذه الفلسفة تكمن في فكرة التبعية وهيكلة الهرم التي ذكرتها في بداية الحوار (فالأندية تمثل قاعدة الهرم والاتحادات الرياضية تمثل جسم الهرم واللجنة الأولمبية تمثل قمة الهرم) ومن ثم لا يجوز أن تنفصل القاعدة عن الجسم أو عن القمة، فتكوين الهرم لكي يكون صحيحا يجب أن يكون تكامليًا لكي ينجح هذا العمل، ومن ثم فإن العلاقة بينهما هي علاقة عمل تكاملي، وأي نزاع في الاختصاص بينهما يكون الفصل فيه لمراكز فض المنازعات الرياضية، سواء الوطنية أو الدولية.

 

س5: هل تستهدفين ترسيخ فكرة الاستقلالية في الرياضة وتأكيد فكرة تخطي الرياضة للحدود الوطنية؟

ج: أجابت وهي تحزم كل أوراقها وتعيد ترتيبها مرة أخرى، بصورة دقيقة لافتة للانتباه: إن قوانين الألعاب الرياضية- كما قلت من قبل- لا يجوز التدخل فيها بصورة منفردة من قبل الدول، أما الجوانب التي تتعلق بالأنظمة المالية والرقابة الضريبية وتشريعات إشهار الاتحادات الرياضية وأنظمة العمل الرياضي في الدولة، التي تتمثل في قواعد الحوكمة والنزاهة المؤسسية ونظم تأسيس الشركات التي تدير الألعاب الرياضية وأحكام السيادة الوطنية المرتبطة بالانتخابات في الجهات الرياضية، كل هذا يرجع للدول، فكل جهة رياضية مسؤولة عن أعضائها؛ اللجنة الأولمبية مسؤولة عن أعضائها الذين يؤسسونها، والاتحادات الرياضية مسؤولة عن الأندية الرياضية التي تؤسسها، والأندية الرياضية مسؤوله عن أعضائها، وكلهم مسؤولون أمام الدولة وأمام جهاتهم الرياضية الدولية.

 

س6: اذًا ما سلطة الميثاق الأولمبي الدولي؟

ج: الميثاق الأولمبي الدولي هو المرجعية لإدارة الحركة الرياضية الدولية والقارية والوطنية، فهو الذي يعطي الفلسفة العامة والإطار المنهجي لإدارة المنظمات الرياضية بمختلف مسمياتها، من خلال تأكيد عدم التمييز في إدارة الحركة الرياضية، وفقا للجنس أو العرق أو اللون أو الطائفة أو الدين، بالصورة التي تحترم سيادة الدول وأحكام الميثاق الأولمبي الدولي، وهنا يجب ان أؤكد مرة أخرى ان هناك فارقا كبيرا بين النظام العام وتدخل الطرف الثالث، فالجهة الرياضية بمجرد إشهارها لا يجوز التدخل في قراراتها، طالما أن تلك القرارات تتعلق بالجوانب الرياضية، أما إذا تعلق الأمر بالنظام العام للدولة وأحكامها السيادية فلا يجوز التدخل في هذه الشؤون.

 

س7 لماذا إذا تقومين بحظر الذهاب إلى المحاكم العادية من قبل عناصر الألعاب الرياضية وتلزمينهم بالذهاب إلى محاكم التحكيم الرياضية؟

ج: نعم هذا بالفعل صحيح، ويتم منذ عام 1984، عندما ابتكر خوان أنطونيو سمارانش- رئيس اللجنة الأولمبية الدولية في هذا التوقيت- فكرة المحكمة الرياضية الدولية، التي استقلت عن اللجنة الأولمبية الدولية عام 1994، هذا الإلزام يرتبط فقط بالمنازعات التي تتعلق بالرياضة ومخالفة قواعدها ونصوصها، من أجل تسهيل الإجراءات وسرعة الفصل في المنازعات الرياضية مثل عقود اللاعبين التي لا تحتمل التأخير في البت فيها، في ظل ارتباط اللاعب بمواسم رياضية، والأمور التي تتعلق بالجوانب الإدارية وشؤون عضوية الاتحادات الرياضية ونظم المسابقات الرياضية واختلافات النصوص في الأنظمة الأساسية للجهات الرياضية... الخ، أما الجوانب الأخرى فتخضع للنظام العام الذي تقره الدول.

 

س8: في نهاية هذا الحوار هل تودين إضافة شيء؟

ج: ما أريد إضافته هو يجب أن نعلم أن إدارة الرياضة المنظمة تعتمد على التشاركية بين كل الأطراف، الحكومات والقطاعات الرياضية الأهلية، وأن نجاح الرياضة الوطنية يعتمد على وجود أنظمة رياضية تحترم السيادة الوطنية والقواعد الدولية وتعلي من القيم الأخلاقية التي تستهدفها الممارسة الرياضية.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز