الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

دوافع واشنطن "الخفية" لعسكرة بحر الصين الجنوبي !

بوابة روز اليوسف

لأسباب بعضها موسمية مثل قرب موعد الإنتخابات الأمريكية، وبعضها ذات طابع هيكلي جيواستراتيجي مع تنامي قوة الصين وتراجع الولايات المتحدة، تصاعدت خلال الأشهر الماضية وتيرة الحرب الباردة بين واشنطن و بكين .

 

 

وفي سياق تلك المواجهة السياسية والأيديولوجية وأحيانا العسكرية غير المباشرة بين البلدين ، ثمة سياسة ممتدة تحاول فيها الولايات المتحدة الأمريكية إثارة المشاكل و التدخل في الشؤون الداخلية و المسائل السيادية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية بداية من هونغ كونغ والتبت و شينجيانج وتايوان ( جميع هذه المناطق جزء لا يتجزأ من الاراضي الصينية وتخضع لسيادة بكين ) ، مروراً بالخلافات التجارية، و استهداف شركات التكنولوجيا الصينية ، ثم قضية بحر الصين الجنوبي والتي تبدو أكثر المسائل خطورة و سخونة حيث من المحتمل أن تهدد طرق التجارة العالمية والسلم والأمن الدوليين. منطقة بحر الصين الجنوبي، التي تستخدمها واشنطن حاليا كورقة مساومة وابتزاز للصين لتعطيل السلام والنظام الإقليميين. بينما تصر بكين على التنمية السلمية فيها ، وتدافع بحزم عن أمن سيادتها والحفاظ على السلام والاستقرار في تلك المنطقة .  

 

وأدى مؤخرا اختراق المدمرة الأمريكية «يو إس إس موستين»، و التي كانت تحمل على متنها صواريخ موجهة، المياه الإقليمية للصين بالقرب من جزر «باراسيل» في بحر الصين الجنوبي، إلي زيادة التوتر في تلك المنطقة .

 

 

هذا التوتر يجعل من احتمال نشوب صدام مسلح بين الطرفين مسألة واردة وغير مستبعدة، مع تحوطات تقترب من حد اليقين بأن الولايات المتحدة لا يمكنها ان تغامر بدخول حرب واسعة النطاق مع الصين، لأن ذلك سيجر أطرافا أخرى ، بما يحول المواجهة إلى حرب فناء نووي.  

 

فما هي أهمية بحر الصين الجنوبي ؟، وما الدوافع الأمريكية للبقاء في تلك المنطقة؟  

 

حقائق تاريخية : قبل ان نتطرق الى أهمية تلك المنطقة ، علينا أن نسرد بعض الحقائق التاريخية المتعلقة بها ، حيث يعود تاريخ أنشطة الشعب الصيني في بحر الصين الجنوبي لأكثر من 2000 عاما . خلال عهد أسرة هان الملكية الصينية "في القرن الثاني قبل الميلاد".  

 

تعود القصة عندما بدأ الشعب الصيني القيام بالإبحار في تلك المنطقة، واكتشف جزر بحر الصين الجنوبي خلال فترة طويلة من أنشطة الإبحار، ودوّنت كثير من المؤلفات التاريخية الصينية القديمة أحوال وجود الشعب الصيني في بحر الصين الجنوبي من ناحية، والمواقع الجغرافية والملامح الطبوغرافية لجزر بحر الصين الجنوبي والخصائص الهيدرولوجية والجوية لبحر الصين الجنوبي من ناحية أخرى..

 

 

كما سجلت العديد من الوثائق الأجنبية القديمة حقيقة أن الصينيين فقط هم الذين عاشوا وعملوا في جزر بحر الصين الجنوبي لفترة طويلة.  

 

وهذا ما يؤكد علي إن الصين هي أول من اكتشفت وسمت وطورت واستغلت جزر بحر الصين الجنوبي والمناطق البحرية ذات الصلة، ومارست السيادة والولاية القضائية على تلك الجزر والمناطق البحرية ذات الصلة في وقت مبكر وبطريقة سلمية وفعالة. وقد تم إرساء السيادة الصينية على تلك الجزر وما يتصل بها من حقوق ومصالح في المنطقة عبر عملية تاريخية طويلة، ولديها أساس تاريخي وقانوني كاف، وتمتثل للقوانين الدولية بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.  

 

موقف الصين تجاه البلدان المجاورة:  

طالما كان موقف الصين واقتراحها بشأن قضية بحر الصين الجنوبي ثابت وواضح، فهو يعامل دائمًا البلدان المجاورة في بحر الصين الجنوبي على قدم المساواة ويحافظ على أقصى قدر من ضبط النفس في الحفاظ على السيادة على جزر بحر الصين الجنوبي وما يتصل بها من حقوق ومصالح في بحر الصين الجنوبي. ووفقًا ل "إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي" الذي توصلت إليه الصين ودول الآسيان في عام 2002، تلتزم الصين بحل النزاعات المتعلقة بالسيادة الأرضية مع الدول ذات السيادة ذات الصلة مباشرة من خلال المفاوضات والمشاورات، وهي ملتزمة بالعمل مع دول الآسيان للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.  

 

وحقق التعاون بين الصين وبلدان الآسيان في مجالات البحث والإنقاذ البحري، وحماية البيئة البحرية، والبحث العلمي البحري، وغيرها من المجالات، تطورات إيجابية عديدة. كما تقدمت المشاورات بشأن "قواعد سلوك بحر الصين الجنوبي" بسرعة وبطريقة منظمة ، وفي البيان المشترك للاجتماع الثاني والخمسين لوزراء خارجية الآسيان، أشاد وزراء الخارجية العشرة بجهود الصين ودول الآسيان لجهودهم لاستكمال المسودة الأولى لنص التشاور الوحيد لـ "قواعد سلوك بحر الصين الجنوبي" في وقت سابق، وأعربوا عن اعتقادهم بأن نتائج المشاورات كانت مشجعة.  

 

 

التدخل الأمريكى لإثارة الأزمات:

علي الرغم من أن الولايات المتحدة ليست طرفًا في النزاعات في بحر الصين الجنوبي، لكنها تدخلت مدفوعة بمصالحها الذاتية، خشية من أن يحافظ بحر الصين الجنوبي على استقراره وأمنه، ما جعلها تبذل قصارى جهدها لإثارة العواصف وتعكير مياه بحر الصين الجنوبي. وليس هناك شك في أن الولايات المتحدة هي البادئة بعسكرة بحر الصين الجنوبي، وهي المخلّة والمدمرة والمزعجة للسلام والاستقرار في المنطقة. وتستغل قضية بحر الصين الجنوبي لإثارة الازمات، الأمر الذي يتعارض مع جهود وتطلعات دول المنطقة المحبة للسلام. وقد أرسلت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، عمدًا قواتها لإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في المياه ذات الصلة ببحر الصين الجنوبي، ما كشفت بشكل إضافي عن مؤامرتها لتعزيز عسكرة بحر الصين الجنوبي.  

 

 

أهمية بحر الصين الجنوبي:

بالإضافة إلى أهمية بحر الصين الجنوبي لتدفق التجارة الدولية، فإنه يمثل المنفذ الرئيسي للصين إلى البحار والمحيطات المفتوحة في العالم. ومن الصعب تصور أن تتحول الصين إلى قوة عالمية رئيسية إذا تمكنت الولايات المتحدة من شل حركتها وخنقها هناك. لذلك فإن صدام النفوذ في منطقة بحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص يمثل عقدة الصراع في الوقت الحاضر بين القوتين الرئيسيتين في العالم. وهذا ما يفسر موقف وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو في إعلان رفض بلاده تأكيد بكين سيادتها على بحر الصين الجنوبي، ومحاولات واشنطن تحريض الدول المحيطة ضدها .  

 

في مقابل ذلك تذهب تقديرات خبراء الاستراتيجية العسكرية في الصين إلى أنه في حال اختارت الولايات المتحدة مواجهة مسلحة مع الصين، فإن المرجح هو احتمال ان يحدث ذلك حول تايوان او في بحر الصين الجنوبي. وتذهب هذه التقديرات إلى أن إبعاد شبح حدوث مثل هذا الاحتمال يتطلب ان تستعرض الصين قدرتها على الردع العسكري، بما يجعل القيادة الأمريكية في غير شك من قوة رد الفعل الصيني الذي يمكن أن يسبب خسارة فادحة للولايات المتحدة. وفي هذا السياق اجرت الصين مناورات بحرية واسعة النطاق على مرحلتين في بحر الصين الجنوبي.

تم نسخ الرابط