ليبيا.. طرابلس تنتفض ضد أردوغان وترسم خطوطًا حمراء جديدة
كتب: علي الفاتح
ثورة الغرب الليبي فاجأت الجميع وأربكت حسابات المحتل التركي
أحفاد عمر المختار يتحدون حظر التجوال ويواجهون رصاص الميليشيات
ردًا على بيانات وقف إطلاق النار عصابات العثماني تهاجم مدن الجبل الغربي وأردوغان يدفع بالمزيد من المرتزقة
الخطوط الحمراء تطوق أردوغان وجلاء المرتزقة أول شروط وقف إطلاق نار دائم
خارج صندوق التوقعات والسيناريوهات، التي وضعتها المخابرات التركية وأتباعها من قادة ميليشيات وعصابات فائز السراج الإرهابية، تأتي انتفاضة طرابلس عروس المغرب العربي والبحر المتوسط.
لعلهم اعتمدوا في بناء استراتيجياتهم وخططهم، التي تستبعد فرضية خروج الشعب الليبي في مظاهرات عارمة، ترفض الاحتلال التركي والمليشيات،على أمرين أولهما أن التظاهر بحد ذاته لم يكن إحدى الأدوات السياسية التي يستخدمها الليبيون للتعبير عن مواقفهم ومطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانيهما أن الليبيين في كل مدن الغرب يبيتون بمنازلهم بينما بنادق ورشاشات المرتزقة والميليشيات مسلطة فوق رؤسهم.
انتفاضة ٢٣ أغسطس التي ما لبثت وتحولت من تظاهرات سلمية تطالب بالكهرباء والماء والخدمات الأساسية إلى ثورة ضد المحتل التركي وأدواته من المرتزقة، والمليشيات والعصابات الإرهابية، فاجأت الجميع بسرعة تصاعد وتيرتها واتساع رقعتها، لتشمل غالبية مدن الغرب الليبي.
الشباب كانوا شرارتها الأولى لكن سرعان ما انضم لهم باقي فئات وشرائح الشعب الليبي، ولعل السيدة الخمسينية التي ملأت صرخاتها مواقع التواصل الاجتماعي متحدية رصاص المرتزقة وميليشيات السراج كانت خير تجسيد لانخراط غالبية الليبيين في تلك التظاهرات التي تشارك فيها وبقوة فتيات وسيدات طرابلس، اللاتي احتشدن في ميدان الشهداء قلب العاصمة طرابلس طيلة الأيام الماضية.
ولأن فعل التظاهر جديد على الشعب الليبي كنت واحدا ممن فضلوا التمهل في قراءة هذا التطور الجديد والنوعي، وما إذا كان يمكن المراهنة عليه لإحداث تغيير في المعادلة السياسية،فلربما ينجح رصاص الميليشيات والمرتزقة في إخافة هذا الشباب حديث العهد لهذا النوع من الممارسة السياسية.
مساء الأربعاء السادس والعشرين من أغسطس عام ٢٠٢٠ جاء ليؤكد أن روح (عمر المختار) قد حلت في قلب وجسد كل ليبي،ففي صباح نفس اليوم قرر فائز السراج بعد اجتماعه بقادة الميليشيات فرض حظر تجوال كامل على مدار ٢٤ ساعة لمدة أربعة أيام، يبدأ في السادسة مساء،ورغم ذلك خرج ألآف الليبيين من أبناء العاصمة طرابلس رافعين لافتات ترفض المحتل التركي وتطالب بترحيل المرتزقة السوريين والأجانب وإسقاط حكومة السراج ومحاكمة الفاسدين.
احتشد الليبيون في ميدان الشهداء(الساحة الخضراءسابقا) لتحاصرهم مبليشيا النواصي الموالية لفائز السراج وتبادر بإطلاق النار بشكل عشوائي، مما أضطر بعض المتظاهرين إلى التفرق في الشوارع الفرعية ليجدوا أنفسهم في مواجهة الرصاص الحي مرة أخرى وتمكنت عناصر ميليشيا النواصي الإرهابية من اعتقال العشرات وحتى لحظة كتابة هذه السطور واصل ألآف المتظاهرين احتشادهم وتحديهم لحكومة السراج غير الشرعية.
اللافت في هذا السياق أن ميليشيات السراج بادرت منذ اليوم الأول لانطلاق التظاهرات السلمية إلى إطلاق الرصاص الحي مما أدى إلو مقتل وإصابة العشرات ولم تستخدم تلك الميليشيات أدوات الردع التقليدية التي تستخدم لفض التظاهرات مثل القنابل المسيلة للدموع والهراوات وخراطيم المياه وهو ما يؤكد بما لا يدع مجال للشك، كونها مبليشيات إرهابية وعصابات إجرامية على عكس ما يحاول فائز السراج ووزير داخليته المفوض فتحي باش أغا، بشأن كونها عناصر جهاز أمني وشرطي يلتزم بقواعد القانون ومبادئ حقوق الإنسان.
على الجانب الآخر أدرك رجب طيب أردوغان زعيم الإرهاب الدولي منذ اللحظة الأولى أن هذه التظاهرات في جوهرها ثورة ضد المستعمر التركي، وأنها تشكل خطرا حقيقيا على مستقبل تواجده في ليبيا ومن ثم مصالحه التي رتبها عبر اتفاقيات عسكرية واقتصادية غير شرعية وجائرة مع حكومة فقدت صلاحيتها القانونية ومشروعيتها السياسية.
وفي هذا الإطار عقد فرع المخابرات التركية في طرابلس اجتماعين مع قادة وأمراء الميليشيات الأول في قاعدة معتيقة والثاني في قاعدة أبو سته البحرية، حيث تم وضع خطة لاختراق صفوف المتظاهرين بعناصر مليشياوية وإرهابية ومن المرتزقة يشاركون في التظاهرات بزي مدني ويرفعون شعارات أقل معارضة لحكومة السراج وتندد بالجيش الوطني الليبي، وبمجلس النواب برئاسة عقيلة صالح وتطالبه بإعادة فتح أبار النفط،وفي حال استمرار التظاهرات أوصى ضباط المخابرات التركية بقطع الاتصالات وخدمات شبكة الإنترنت وغلق المدن وعدم السماح بالتنقل بينها.
ويأتي قرار فائز السراج بفرض حظر التجوال الكامل، تنفيذا لتعليمات المخابرات التركية، لكن حشود المتظاهرين نجحت في خرق هذا الحظر ومواصلة فعالياتهم.
ولعل مقتل الجندي التركي، الذي كان يرتدي ملابس مدنية في شوارع مدينة طرابلس مؤشر على تدخل المخابرات التركية المباشر على الأرض.
التحركات التركية المحمومة لوأد ثورة الليبيين، تؤكد أن أردوغان يدرك أن انتفاضة طرابلس، قد رسمت له خطوط حمراء سياسية جديدة تهدد تواجده في كل مناطق الغرب الليبي،وأنها في الواقع امتداد للخط الأحمر السياسي والعسكري، الذي رسمه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لم يعد أردوغان ومرتزقته في مواجهة مع الجيش الوطني الليبي، ومن خلفه الدولة المصرية على حدود سرت والجفرة فقط،فقد دخل في مواجهة جديدة مع الشعب الليبي لم تكن ضمن حساباته،فثورة طرابلس تستكمل إذا جاز التعبير الطوق السياسي، الذي فرضه أبناء الشعب الليبي من طبرق شرقا وفزان جنوبا ورأس جدير غربا على المحتل التركي.
وكما فرض الخط الأحمر في سرت والجفرة قواعد جديدة للسلام في ليبيا ستفرض ثورة طرابلس ومدن الغرب قواعد مكملة تربك كل حسابات أردوغان وتابعه السراج لعرقلة محاولاتهم للالتفاف على مبادرات وقف إطلاق النار،فحسب الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، تحركت بوارج وفرقاطات تركية تجاه مدينة سرت متخذة وضع الهجوم فيما تحركت أليات عسكرية في الجنوب أتت عبر منطقة جبال التبستي بمرتزقة تشاديين، استعدادا لعملية عسكرية شاملة ضد محور سرت الجفرة وذلك عشية إعلان فائز السراج وقف إطلاق النار،بل أن قاعدة الوطية استقبلت طائرة شحن عسكرية تركية محملة بالأسلحة والمرتزقة بعد ساعات من إعلان السراج.
وفي اليوم التالي تحرك المطلوب على قوائم الإرهاب الدولي صلاح بادي زعيم ميليشيا لواء الصمود على رأس قوة تضم ٥٠٠ مدرعة وآلية عسكرية نحو مدن الجبل الغربي، وقامت باعتقال أكثر من مائة شخص في مدينة الأصابعة بتهمة دعمهم للجيش الوطني الليبي.
تلك التحركات تؤشر إلى أن أردوغان أراد استغلال وقف إطلاق النار لشن هجوم مباغت عله يستطيع احتلال مناطق الهلال النفطي ليعوض خسائره في شرق المتوسط، لكن انتفاضة طرابلس، جاءت لتعرقل مخططاته فقد شملت معظم مدن الغرب الليبي، وهو ما يجعل ظهر مرتزقته ومليشيات السراج مكشوفا إذا فكر في خوض تلك المغامرة.
الجيش الوطني الليبي الذي التزم بوقف إطلاق النار منذ الثامن من يونيو الماضي بموجب إعلان القاهرة،راقب تناقض التحركات التركية وعصابات السراج، مع إعلان الأخير وقف إطلاق النار الذي تزامن مع بيان رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح وهو ما دفعه إلى تجديد إعلان شروطه للبدء في مسار التسوية السياسية والتي تتوافق مع الموقف المصري، وتتلخص تلك الشروط في انسحاب كافة عناصر المرتزقة والمليشيات من حدود سرت الجفرة تحت إشراف دولي ووضع جدول زمني لجلاء المستعمر التركي ومرتزقته وتفكيك القواعد العسكرية التركية وحل المليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية، وتمكين الجيش الليبي من ملاحقة التنظيمات الإرهابية وتفرده بحماية الهلال النفطي.
يشار في هذا السياق إلى أن كلا من بيان المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق المنتهية صلاحيتها وغير المعتمدة قد توافقا فقط على إعلان وقف إطلاق النار فيما اختلفا في ترتيبات ما بعد الهدنة حيث أكد عقيلة صالح على أن جلاء مرتزقة أردوغان وتفكيك المليشيات وتشكيل مجلس رئاسي جديد مقره سرت ستكون نتيجة وقف إطلاق النار بينما لم يشر بيان السراج، إلى وضع المرتزقة وتواجدهم على حدود سرت والجفرة مشددا على انسحاب الجيش الليبي منهما، وجعل المدينتين منطقة منزوعة السلاح وبقائه على رأس المجلس الرئاسي لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مارس المقبل ورغم التناقضات الجوهرية في البيانين، إلا أن مراقبين أكدوا أن الهدنة ستتيح المجال للتفاوض السياسي حول ترتيبات المراحل التالية.
وفي رأيي ستلعب انتفاضة طرابلس حال نضوجها وتحولها إلى ثورة متكاملة الأركان ضد المحتل التركي ونجاحها في إسقاط حكومة السراج غير الشرعية،دورا داعما لبدء عملية سياسية حقيقية، يتم فيها التفاوض بعيدا عن الضغوط والتدخلات الأجنبية، وفي مقدمتها التدخلات التركية، لكن لن تنضج انتفاضة طرابلس إلا بتشكيل قيادة وطنية لها مشروع وبرنامج عمل وطني حقيقي، كما يقول السياسي والدبلوماسي الليبي السفير رمضان البحباح في تدوينة له بمجموعة مصر ليبيا "لدعم الجيش"، حيث طالب بسرعة تشكيل هذه القيادة حتى يمكن استثمار حراك شباب طرابلس في الاتجاه الصحيح، ودون ذلك قد تنجح أجهزة المخابرات الأجنبية ومعها تنظيم جماعة الإخوان الإرهابي، في استغلال هذا الحراك لصالح مخططاتها، لا سيما أنها تعبث بليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في فيراير ٢٠١١.