هاني عبدالله
لصوص الجامع! "الحلقة الثامنة"
بالتوازى مع الكَم الهائل من المواد التربوية التي تُرسِّخ لدَى الفرد الإخوانى قناعة مفادها أنَّ دعوة الإخوان هى «دعوة الحق»، وأن المجتمع الخارجى- بالضرورة- هو «مجتمع جأهلي»؛ تأسيسًا على فهْم «سيد قطب» وقيادات التنظيم الحالية.. فإنَّ «المناهج التربوية» عند مستوى «الأخ العامل»، تهتم- كذلك- بتغذية عددٍ من الجوانب الحركية والاعتقادية لدى متلقى الخطاب الإخوانى؛ لدعم قدراته الذاتية فى التأثير على الآخرين (أو آليات «جمْع القلوب» بحسب المصطلح المتداوَل تنظيميًّا).. إذ تعتبر المناهج المقررة- قديمًا وحديثًا- أن هذا الأمر، هو أحد الأهداف العامة [الأساسية]، التي يجب أن يتمتع بها «المُربّى» الإخوانى، فى كل الأحوال والظروف.
ووفقًا لوثيقة «جمْع القلوب» الملحقة بالمنهج الأخير، فإنَّ «الهدف العام» السابق، يتطلب عددًا من «الأهداف الإجرائية» الأخرى، إذ إن تلك الأهداف حصرًا، هى:
(أ)- أن تتحقق فيه القدوة (أخلاق وصفات المربى).
(ب)- أن يدرك فرضية الدعوة ويَعلم أدلتها الشرعية. (أى أن الجماعة تَعتبر العمل فى دعوة الإخوان «فريضة شرعية»- كما سنبين لاحقًا).
(ج)- أن يدرك وجوب التآزر والتعاون للقيام بفريضة الدعوة إلى الله والأدلة الشرعية على ذلك (وجوب العمل الجماعى).
(د)- أن يعرف وسائل «جمْع القلوب»، وكيفية تحقيقها.
(هـ)- أن يلم بطبيعة النفس البشرية وكيفية التعامل معها.
.. وكل نقطة من النقاط السالفة ستكون محلّا للتوضيح فى عدة مواضع تالية.
1 تأصيل العنف:
تُفصّل وثيقة «جمْع القلوب» ما يتعلق بالهدف الأول من الأهداف الإجرائية (أى هدف: أن تتحقق فيه القدوة) بالقول: إن «الإسلام العملى» هو شعار جيد لهذه المرحلة.. بمعنى أن كل فرد من أفرادها (أى أفراد مرحلة الأخ العامل) يكون همُّه العمل والتنفيذ والممارسة والتطبيق لكل ما عرفه ورُبى عليه من نظريات ومعلومات نظريّة، ويمارس ذلك فى كل مجالات الحياة، [...] وعليه أن يتقن فن «غزو القلوب»، وكيفية فتح مغاليقها، وأن يجمع بين إثارة الوجدان وإقناع العقول، فذلك أدعى إلى بقاء أثر حديثه والتأثُّر به، [...] وعليه أن يتحرّى فى أحاديثه الفهم المستمد من الأصول العشرين التي ذكرها الإمام (يقصدون: الأصول العشرين التي وضعها المرشد المؤسّس للتنظيم الإرهابى: حسن البنا).. وأن يعتبر التزامه [وطلابه] بذلك «وفاءً لبيعته»(!).
.. وانتقالًا من التغذية [الظاهرية] للعمل التعبُّدى والأخلاقى إلى ترسيخ جوانب التوظيف الحركى (بشكل متدرج)، تُجمل «الوثيقة» التوجيهات الضرورية للمربى فى هذا المستوى، اعتمادًا على كتاب (القدوة على طريق الدعوة) للمرشد الأسبق «مصطفى مشهور»، فى نحو 20 نقطة كالآتى:
(1)- على المربى أن يكون قُدوة حسنة؛ خصوصًا فى الجوانب التي يُربى طلابه عليها.
(2)- وعليه أن يعطى الاهتمام الأكبر لـ«قضية الإيمان وسلامة عقيدة التوحيد»، فذلك هو الأساس المتين الذي يقوم عليه بناء الفرد المسلم..
.. (ولنا- هنا- أن نشدد على أن فهم مصطفى مشهور لتلك النقطة يُستمد من فهم سيد قطب لمعنى «لا إله إلا الله» وربطها بالحاكمية- انظر الحلقة السابقة من الدراسة «الحلقة السابعة»).
(3)- ثم يلى ذلك فى الأهمية حُسن أداء العبادات من حيث صحة أحكامها وأسرارها وحياة القلوب بها كى تثمر التقوى وسُمو الروح.
(4)- وعلى المربى أن يولى الجانب الأخلاقى اهتمامًا خاصًّا، وتحقيق ذلك من خلال: الدروس والرحلات والكتيبة والمعسكرات والزيارات وغير ذلك من الوسائل.. فالمربى أثناء الرحلة مَثلًا يكون منتبهًا إلى كل ما يصدر ممن معه من أقوال أو تصرفات؛ ليجعل ما يلمسه فيها من انحرافات نُصب عينيه ليعالجها معهم كمثل الطبيب إذا لمس ظاهرة مرض معين عرفها وعالجها بالدواء المناسب.
(5)- وعلى المربى أن يربى طلابه على الصدق والوفاء بالعهد (والبيعة).. وذلك من ألزم الأمور لكل طالب يأخذ مكانه فى الصف ويكون على ثغرة من ثغرات العمل الإسلامى.
(6)- وعلى المربى أن يربى الأفراد على أسلوب «العمل الجماعى» (أو على طبيعة العمل فى جماعة)، وما يتطلبه من شروط والتزامات لا بُدّ منها لسلامة السَّير وتضافر الجهود وتوفُّر الإنتاج.
(7)- وعليه أن يوضح لطلابه طبيعة طريق الدعوة (أى دعوة الإخوان)، ومعالمه، وما يتسم به من طول، وما يتخلله من أشواك وعَقبات، وما على جانبيه من منعطفات.. ويوضح لهم كيفية تخطى العَقبات والتحرُّز من المنعطفات.
(8)- وعليه أن يُطمئنهم بأنه رُغم ما فيه؛ فإنه هو الطريق الوحيد؛ لأنه هو الطريق الذي سار عليه رسول الله وصحابته من قبل.. (راجع فى هذا السياق ما أثبتناه بالحلقة السادسة من الدراسة عن المنهج الحركى للتنظيم).
(9)- وعليه أن يوضح لهم أن هناك عوامل نجاح تصاحب هذا الطريق لن تقف أمامها أى عقبات بإذن الله، وأن الأمل كبير فى أن المستقبل لهذا الدين.. (وفى الواقع ينسحب فهْم عبارة «مستقبل هذا الدين» حقيقةً على «مستقبل الإخوان» لا مستقبل الإسلام).
(10)- وعلى المربى أن يهتم بتزكية معانى الأُخوّة والحُب والإيثار بين الإِخوة، والتذكير الدائم بهذا المعنى وبالوسائل التي تنميه، والتحذير من الأمور التي تنال من هذا الحب أو تُحدث فرقة وخلافًا.. فهذا الحب يثمر وحدة الصف وتماسُكه، ومعلوم أن قوة الوحدة هى الأساس الثانى بعد قوة الإيمان وثالثهما قوة الساعد والسلاح..
.. (أى أن النقطة السابقة- على وجه التحديد- تلخص أمامنا بوضوح شديد أن البناء التنظيمى للإخوان يعتمد بشكلٍ رئيس على جوانب ثلاث، هى: توظيف الإيمان وقوته/ ووحدة الصف وتماسكه/ وقوة الساعد وحمْل السلاح).
(11)- وعلى المربى أن يكون متحليًا بخُلق الصبر ويربى طلابه على التحلى بهذا الخُلق لأهميته لمن يسلك طريق الدعوة.. وكذا الصبر على تحمُّل الإيذاء.
(12)- وعليه أن يكون ذا عِلم بقضايا الشباب ومشكلاتهم الشخصية أو فى أسرته وأهله أو فى علاقته بطلابه أو فى حياته العامة. هذه القضايا التي قد تكون سببًا فى تعويق سَيره على الطريق أو انحرافه عنه.. فعلى المربى التبصر بها ورسم الحل النافع لها.
(13)- وعليه أيضًا أن يُبصر طلابه بالانحرافات الفكرية أو الحركية التي ينزلق فيها البعض وتبعد بهم عن الطريق (أى طريق الجماعة)؛ كى يتحرز منها.. خصوصًا أنها تبدأ بسيطة ثم تزداد مع الزمن.
(14)- وعلى المربى أن يُزكى روح الجهاد والتضحية بالنفس والمال والوقت والجهد وكل شىء فى سبيل الله فى نفوس طلابه، وأن يحثهم على عَقد الصفقة الرابحة مع الله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.. والترغيب فى الشهادة فى سبيل الله..
.. (وليس خافيًا، هنا، ما تحمله النقطة السابقة من إشارات ضمنية بأن التضحية بالروح والمال تحت راية الجهاد، هى فى حقيقتها تضحية بالروح والمال فى سبيل الجماعة.. إذ تتشبع قناعات أفراد الصف- عند هذا المستوى- بأن سبيل الله هى السبيل التي اختارتها الجماعة لنفسها، ولنشر دعوتها).
(15)- وعليه أن يعيش طلابُه جَو السيرة العطرة وكأنه يحيا وإياهم مع هذا الجيل الأول وما تعرضوا له من أحداث ومواقف على طريق الدعوة، فذلك خيرُ عون للاقتداء بهم والسَّير على نهجهم الذي أوصلهم إلى النصر والتمكين.. (راجع هنا- أيضًا- ما أثبتناه بالحلقة السادسة من الدراسة عن المنهج الحركى للتنظيم).
(16)- وعلى المربى أن يربى طلابَه على «السمع والطاعة» فى العُسر واليُسر، وفى المنشط والمكره.. ويربيهم على الثقة وعدم الشك أو التردد (أى الثقة فى قيادة التنظيم)، ويعودهم الدقة فى أداء ما يكلفون به من أعمال وواجبات؛ سواء كان فى موقع مسؤول أو جندى، وأن كلّا من المسؤول أو الجندى يتعبد إلى الله ويسأله القبول، ويربيهم على الاستعداد لتبادُل المراكز بين الجندى والمسؤول إذا اقتضى صالح العمل ذلك من دون حرج.
(17)- من المفيد للمربى أن يطلب ممن يربيهم ألّا يُبقى أحدٌ منهم شيئًا يحيك فى نفسه من دون سعى لاستيضاحه، ويعطى الفرصة لمن يريد أن يسأله منفردًا؛ كى لا يكون هناك حرج.
(18)- وعلى المربى أن يُعوّد طلابَه على كيفية الرجوع إلى أمهات الكتب والتعرُّف على ما يريدون.
(19)- وعليه أن يعودهم على دعوة غيرهم إلى الله (التي هى- فى تصوّر التنظيم- دعوة الغير للجماعة)، وإلقاء الدروس.. بل يحرص على إعداد إخوة مربين من بينهم؛ ليقوموا بمثل واجبه مع غيرهم من الإخوة الجدُد.
(20)- وعلى المربى ألّا يغفل فى تربيته جانب الرياضة البدنية، ولا بأس من اختيار من يقومون عليها؛ لأن قوة البدن لا بُد منها لمن يسلكون طريق الدعوة(!).. وإذا تيسر إقامة نوادٍ رياضية إسلامية(!).
2 فرائض إخوانية:
بشكلٍ شارح للهدف الثانى (أى هدف: أن يدرك فرضية الدعوة ويَعلم أدلتها الشرعية)، تقول الوثيقة: الدعوة إلى الله فريضة شرعية، {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}، والآية واضحة فى الدلالة على الوجوب.. ويقول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفى خُسر إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.. إذ أقسَم الله عز وجل على خسران الإنسان، ثم استثنى مَن توافرت فيهم هذه الصفات الأربع: الإيمان، العمل الصالح، التواصى بالحق (وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر)، والتواصى بالصبر.. سواء كان على الأقدار أو على الطاعات أو عن المعاصى أو على ما يصيبهم من أذى بسبب القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وتتابع الوثيقة: «أمرنا الله تعالى بمواجهة المفسدين فى الأرض وعدم ترْك الأمْر لهم {واتقوا فتنة لا تُصيبنّ الذين ظَلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب}.. وقال ابن كثير عن ابن عباس- رضى الله عنهما: (أمر الله المؤمنين ألّا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب).. وعن النعمان بن بشير- رضى الله عنهما- عن النبى قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)».
وتحشد الوثيقة دليلًا آخر حول لعن الله من تركوا الأمرَ بالمعروف والنهى عن المنكر؛ إذ تقول: عن عبدالله بن مسعود- رضى الله عنه- قال رسول الله: (إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.. ثم قال: {لُعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا، لبئس ما قدمت لهم أنفسُهم أن سَخِط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنَّ كثيرًا منهم فاسقون}.. ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرًا ولتقصرنه على الحق قصرًا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم).
.. والملاحَظ هنا أنه فى سياق «البرمجة العقلية» لأعضاء التنظيم، التي تمارسها جماعة الإخوان «الإرهابية» (وما ينهج نهجها من جماعات العنف الأخرى)، هو أنها تعتمد- فى إطار توجيه الأدلة الشرعية- على المتوالية الآتية:
إسقاط الرداء الإيمانى عن الآخر (أى آخر)، ممّا يستوجب بالتبعية قيام «أمّة من المؤمنين» بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. (وهو ما يتقاطع بالضرورة مع مفهوم جاهلية المجتمع، التي يؤمن بها قيادات الإسلام الحركى).
فإذا تماست قناعة متلقى الخطاب الإخوانى حوْل أن «الأمّة المؤمنة» هى جماعة الإخوان.. فإن العمل على تمكين دعوتها، يصبح بدوره «ضرورة»، و«فريضة دينية»(!).
فإذا بات العمل داخل الإخوان «فريضة»؛ فإنّ [اللعن] هو جزاء كل مَن يتقاعس عن تأييد دعوتها(!).
وبالتالى.. فإن تأميم «النص الدينى» لحساب التنظيم، وإخراجه من سياق الأمر العام بممارسة الدعوة (التي هى من اختصاص دعاة الإسلام)، وقسْرها على أفراد صف التنظيم من دون غيرهم، يصبح بمثابة قناعة غير قابلة للشك عند أفراد صف التنظيم.. إذ يتعامل «فرد الصف» فى تلك الحالة على أنه المعنىّ [وحده] بالخطاب النصوصى، بوصفه واحدًا من أعضاء الفرقة المؤمنة (الفرقة الناجية)، التي تعمل على تمكين شرع الله فى الأرض.
3 الجاهلية والتنظيم:
يرتبط الهدف الثالث من الأهداف الإجرائية بالتبعية (أى هدف: أن يدرك وجوب التآزر والتعاون للقيام بفريضة الدعوة إلى الله/ وجوب العمل الجماعى)، بالهدف الثانى المشروح آنفًا.. إذ تُحاكى وثيقة «جمْع القلوب» فى طريقة عرضها للأدلة الموجهة لأفراد صف التنظيم طريقة «الاستدلال الفقهى» (التقليدية)، عبْر التركيز على نوعين من الأدلة: أدلة نقلية (أى أدلة نصوصية)، وأدلة عقلية.. وهو ما يُمكن أن نجمله فى الآتى:
(أ)- أدلة نقلية:
1. «وتعاونوا على البر والتقوى»؛
2ـ «إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص»؛
3ـ « المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا»؛
4ـ «يد الله مع الجماعة»؛
5ـ «الشيطان من الفرد أقرب ومن الاثنين أبعد»؛
6ـ « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض».
(ب)- أدلة عقلية:
1ـ تكاليف العمل للإسلام أكبر من أن يتصدى لها إنسان بمفرده.. فالعمل للإسلام يستهدف [هدم الجاهلية] برمتها، وإقامة الإسلام مكانها.. وهذا يتطلب من التكاليف والإمكانيات والجهود ما يعجز عن القيام بأعبائه فرد؛
2ـ حرص الرسول من أول يوم على إقامة (جماعة) كان يختار عناصرها اختيارًا؛ لتكون أداة فى عملية التغيير؛
3ـ الطريق طويلة شاقة، والتحديات كبيرة، والقوى المتربصة كثيرة.. وهذا يفرض وجود [تنظيم حركى] عريض: (كيفًا وكمًّا)؛ لمواجهة كل مراحل العمل واحتمالاته».
ولنا- هنا- أن نتخذ ما أجملته الوثيقة من أدلة (نقلية وعقلية) موجهة لأفراد صفها، كدليل إضافى على دقة ما أثبتناه سابقًا (وفى أكثر من موضع بحلقات الدراسة، كذلك) عن أن المنهج الأخير للتنظيم- فضلًا عن جملة المناهج المعتمدة بداية من منتصف التسعينيات- يعتمد بشكل رئيس على تغذية مفاهيم «جاهلية المجتمع» التي أرساها «سيد قطب».. إذ يتعين على أفراد التنظيم، وفقًا للتوجيه الأخير، العمل على [هدم الجاهلية] برمتها، وإقامة الإسلام(!).. وترسيخ صورة «شيطانية» عن الآخر (المتربص بالإسلام، وفقًا للقناعة الإخوانية!).. وأن هذا الأمر يفرض- بالضرورة- نوعًا من أنواع التخندق داخل [تنظيم حركى] يُنظم جوانب العمل واحتمالاته، فى مواجهة كل من هو خارج الإطار التنظيمى للجماعة الإرهابية(!).
4 البرمجة العقلية:
يُبنَى الهدفُ الرابع من الأهداف الإجرائية (أى: أن يعرف وسائل جمْع القلوب وكيفية تحقيقها) على ما تم ترسيخه من قناعات بالأهداف السابقة عليه.. إلّا أنَّ الوثيقة تضيف هنا جانبًا آخر من النصائح؛ لإحكام «البرمجة العقلية» على أفراد الصف.. إذ يُمكننا- هنا- أن نُجمل تلك النصائح فى الآتى:
(أ)- يَلزم لجمْع القلوب معرفة مفاتيحها: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة».. وهذه البصيرة تستلزم المعرفة بأحوال الطلاب (أى أعضاء الأسر المتلقين للخطاب الإخوانى): الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والنفسية.. فالتعامل مع المجهول أمرٌ غير ميسور.
(ب)- وتأتى هذه المعرفة من خلال المعايشة والنشاط الاجتماعى.. ويجب أن تتم بطريقة لا تثير نفورَهم. ومن هذه المعرفة يعلم متى يكون «الطالب» مشغولًا ومتى يكون خاليًا.. وإن كان معسرًا كانت معاونته مدخلًا طيبًا.. وإن كان مريضًا كانت مواساته وإرشاده إلى الطبيب المناسب مدخلًا طيبًا.. وإن كان فى نزاع مع أقربائه كان الإصلاح بينهم مدخلًا طيبًا كذلك.
(ج)- أن يستمع المربى لرأى طلابه فيقبل على المتحدث ولا يقاطعه ويصحح بلطف إذا لزم التصحيح.
(د)- وعلى المربى أن يعلم جوازَ تعدُّد الصواب.
(هـ)- وألّا يضيق صدرُه لما يراه من تقصير أو ضعف ويتذكر دائمًا قول عمر بن الخطاب: «لا تعينوا الشيطان على أخيكم ولكن أعينوه على شيطانه».
(و)- وعلى المربى ألّا يتسلط على طلابه ويظهر دائمًا بمظهر الآمر الناهى.. والأفضل له من أن يقول: افعلوا كذا أن يقول: هيا نفعل كذا.
(ز)- ويُلزم المربى بأن يسعى فى خدمة طلابه (بما يتوافق والهدف الثالث من الأهداف الإجرائية).
5 غسل الأدمغة:
يُركز الهدف الخامس من الأهداف الإجرائية (أى: أن يلم بطبيعة النفس البشرية وكيفية التعامل معها) على الاستفادة من بعض مخرجات «علم النفس» فى المقام الأول؛ وذلك لإحكام قبضة التنظيم على «رءوس الأتباع»، عبر إدراك وتوظيف مناطق الخلل عندهم لضمان مزيد من «السمع والطاعة»، أو إعادة توجيهها وفقًا لتوجهات التنظيم إذا اقتضى الأمر ذلك.. وهو ما أفرز بدوره ثلاثة توجيهات رئيسة لـ«المربين» يتحتم عليهم أن يتحركوا فى إطارها عند التعامل مع المستهدفين من الطلاب (أى طلاب أسر التنظيم).. إذ يُمكننا- هنا- حصر تلك التوجيهات وفقًا للآتى:
أولًا: أن يلزم المدرس (المربى) بمعرفة النقاط التالية، بشكل كامل: (سلوكيات الطلاب ونفسياتهم/ وآرائهم ووجهات نظرهم/ ومعتقداتهم وتصوراتهم وأفكارهم/ والعوامل التي تؤثر عليهم سلبًا وإيجابًا/ والبيئة التي يعيشون فيها، وظروفهم الاجتماعية، وظروف عملهم، وقضاء أوقات فراغهم بعد العمل/ والمستوى الاقتصادى والثقافى والاجتماعى لكل منهم). ثانيًا: المعرفة بمبدأ الفروق الفردية: (لا يوجد فردان متشابهان تمام التشابه/ وأن يُعامل كل دارس حسب ظروفه).
ثالثًا: معرفة أن الطلاب لهم مداخل لشخصياتهم ولهم دوافع وحاجات: (من الأفراد من يؤثر فيه الترغيب/ ومن الأفراد من لا يتأثر إلا بالترهيب والتخويف من العقاب).. مع ملاحظة أن وضع أحد الأسلوبين- الترهيب والترغيب- مكان الآخر وفى غير موضعه ربما يفسد الطالب.
لكن.. يقينًا، لم تتوقف عجلة [التوجيهات الإخوانية]، وآليات البرمجة العقلية لأفراد الصف، عند هذا الحد.. إذ لم تزل المراحل التالية أكثر صخبًا. (.. يتبع)