صبحى شبانة
العيد فى زمن الكورونا
تشابهت الأيام لا فرق، كلها أضحت سواء، ساح الزمن فالجمعة باتت تشبه باقى الأيام، يحل عيد الفطر هذا العام فى زمن «الكورونا»، والأحزان تخيم على من فقدوا عزيزا وهم كثر، والفقر والفاقة تبيت معها بطون تتضور جوعًا بعدما فقدت عملها أو عايلها، والأطفال لن يخرجوا إلى الملاهى والمنتزهات، ولن يبتهجوا بالعيدية كما هو العرف فى كل الاعياد، فالوباء القاتل حبس الجميع كبارًا وصغارًا، فلم يعد احد فى مأمن من العدوى، ولا يعرف من أى صوب أو حدب سيأتيه الفيروس القاتل الذي يتسلل عبر أشياء لا تخطر على بال أحد، والحجر الصحي أو المنزلى لم يعد كافيًا للحماية من هذا الفيروس الخفى الذي يخترق الحجب، ويتخطى الحواجز، ويتناسل ويتحور إلى أجيال وأجيال فى أيام معدودات. يحل علينا العيد بعد أيام قليلة، ولكن أى عيد!،،، «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد»، هكذا قال أبى الطيب المتنبي، الذي عاش فى القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، الكل فى زمن الـ«كورونا» فى الهم سواء، الحكومة فى حيرة من أمرها هل تطبق حظر التجوال الشامل وسط ظروف اقتصادية صعبة؟، أم تسير فى ركب التعايش مع «كورونا» حرصًا على مصالح الناس، وتراهن على التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية التي سنتها منذ البداية؟، الحقيقة الموقف فى غاية الصعوبة، كان الله فى عون الحكومة التي تواجه تداعيات آثار كورونا السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والمجتمعية والاخلاقية والقانونية.
فى زمن كورونا تغيرت عادات الناس، وتبدلت أولوياتهم، وتجذرت مخاوفهم، فلم يسبق أن عصفت بنا الحياة بمثل هذه القسوة، لكن فيما يبدو ان قرب حلول العيد يحمل معه من بشاير التفاؤل ما يجعله ان يكون حدا فاصلا ونهاية لحقبة كورونا التي افقدت البشرية توازنها، وأوقفت عجلة تطورها، وطبعت مسحة من الحزن على جباهها، فالعالم بدا يخرج من نفق الجايحة، ويقهر حالة الخوف والهلع من الفيروس الذي لايزال يراوغ ويتحور ويستعصي، تعددت أنباء قرب اكتشاف العالم للعديد من اللقاحات، هى مسألة وقت ويمضى كورونا كما انتهت كل الأوبئة، وتنتصر البشرية لتستمر معها صيرورة الحياة. استراتيجية التعايش الحذر التي انتهجتها الحكومة المصرية منذ بدايات كورونا والتي سبقت بها الدنيا هى التي تنتهجها دول العالم اليوم بعد أن ايقنت انه لا خلاص من الوباء إلا بمواجهته بالعمل والنماء، فكما ان مصر اختارت مبكرا إعادة دوران عجلة الحياة من جديد فان الاخبار المبشرة تتقاطر من دول العالم التي بدات الرفع التدريجى لقيود الحجر والعزل، فقد عاد تلاميذ نيوزيلندا إلى المدارس، واعادت اليونان فتح المواقع الاثرية. وشهدت إيطاليا وهى الدولة الاكثر تضررا فى العالم من كورونا عودة مظاهر الحياة الدينية فى الفاتيكان، كما اعيد فتح معظم الشركات والمتاجر، بما فى ذلك المطاعم والمقاهى وصالونات الحلاقة ومتاجر البيع بالتجزية، وتتهيا مطاراتها لعودة حركة الطيران الدولى مطلع الشهر المقبل، واستانفت المانيا مباريات دوري كرة القدم، واعادت فرنسا فتح الشواطي، وطالب رييس وزراء بريطانيا يوريس جونسون المتعاف من كورونا بعودة المدارس، وفتح الاقتصاد، وفى الولايات المتحـــدة، التي لديها حتى الآن اكبر عدد من حالات الوفيات بدات العديد مـــن الولايات فى تخفيف القيـــود، ما يعنى ان العالم يعيش اجواء التحرر من قيود الوباء، وان مواجهة كورونا ليست بالحجر المنزلي، وتعطيل دواليب العمل وانما بالتعايش مع اتباع كافة الإجراءات الاحترازية والوقايية. أدرك العالم ان التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لعمليات الاغلاق باهظة، تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية إلى ان كل شـــهر يمر على فرض القيود المتعلقـــة بالوباء سيقلص اقتصادات الدول بنسبة2%، وان اقتصادات كل من فرنسا والمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ستنخفض باكثر من 25% فى غضون عام وهو ما يرفع نسب البطالة لديها إلى مستويات الثلاثينات من القرن الماضي، فى نفس الوقت التي تشير فيه أرقام الاصابات بوباء كورونا الى أن السويد التي لم تفرض حظر التجوال ولم تغلق المدارس أو المطاعم وانتهجت استراتيجية مناعة القطيع جاءت معدلات الوفيات فيها اقل من بلجيكا وفرنسا وإيطاليـــا وهولنـــدا وإســـبانيا وبريطانيا التي اغلقت اقتصاداتها ومدارسها والزمت شعوبها بالحجر المنزلى لمدد طويلة.
مصر سبقت دول العالم باستراتيجيتها، أدارت ازمة كورونا بعلم وفكر وروية وموضوعية، منهجية مصر جعلت العالم يقتفى خطاها فهى التي ادركت منذ البداية أن السيناريو الافضل هو فى مواجهة تداعيات كورونا لا الهروب منها، أدركت أن العمل فى ظل اجراءات احترازية أفضل واجدى واكثر وقاية من الكسل والخمول والحجر الذي يصيب الناس بما هو اخطر من كورونا من أمراض مثل الجوع والفقر والسمنة والضغط والسكرى التي تقدم المواطن فريسة سهلة لفيروس كورونا وغيره من الفيروسات التي ستتابع بحكم التحول البييى الذي تشهده الطبيعة، وربما نتاج التنافس الاقتصادى والسياسى على تسيد عرش العالم، فإن كانت نسخة كورونا الحالية قد فاجات العالم فإن القادم منها سيجد العالم اكثر استعدادا ومناعة.