سامح عمرو: التزام قانوني على إثيوبيا بعدم بدء ملء بحيرة السد قبل التوصل لاتفاق
أ ش أ
أكد الدكتور محمد سامح عمرو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة القاهرة أن هناك التزامًا قانونيًا يقع على عاتق الجانب الإثيوبي مفاده بعدم التحرك ببدء ملء البحيرة الواقعة خلف سد النهضة إلا بعد التوصل إلى اتفاق يحكم قواعد ملء بحيرة السد وتشغيله ويضم جميع الأطراف المعنية.
وقال الدكتور محمد سامح عمرو - على هامش مشاركته في جلسة نقاشية حول الأبعاد القانونية لقضية سد النهضة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية - إن التوصل إلى اتفاق يتعلق بملء سد النهضة وتشغيله مطلب مشروع وأساسي؛ لأن مصر عندما قبلت التوقيع على إعلان المبادئ - وهو اتفاق دولي - جاء ذلك انطلاقًا من مبدأ حسن النية ومبدأ حسن الجوار ومبادئ التعاون الدولي واحتراما منها لحقوق الشعوب المشاركة في ذات النهر الدولى في التنمية، وهي جميعا اعتبارات تعكس التطبيق الصحيح لقواعد القانون الدولي وتستجيب لاعتبارات التعايش السلمى الدولى المشترك.
وأكد أن إعلان المبادئ تضمن الأسس التي يجب مراعاتها وتضمينها في أي اتفاق دولي يعقد بين الدول الثلاث المعنية المشاركة في النهر الدولي وهى مصر والسودان وإثيوبيا، مشددًا على أن أهم هذه الأسس والالتزامات التي قام عليها اعلان المبادئ هي عدم تحرك إثيوبيا بالبدء في ملء بحيرة السد وتشغيله بشكل منفرد وآحادى الجانب.
وأضاف أن مصر تعمل في ظل خطة دبلوماسية وسياسية ثابتة وواضحة، ومن هنا تحركت مصر للتواصل مع الدول الأعضاء بمجلس الأمن لعرض رؤيتها وموقفها القانوني والسياسى والفني الذي يعكس سلامة موقفها في ضوء الحقائق الثابتة والخاصة بملف سد النهضة الإثيوبي وكان مفاده استمرار الجهود الدبلوماسية والتفاوضية التي حرصت عليها مصر لعدة سنوات.
وفيما يتعلق بفحوى الجهود المصرية التي بُذلت في هذا السياق، أوضح عمرو أن مصر بذلت كل الجهود الممكنة من خلال مسيرة التفاوض المباشر بينها وبين السودان وإثيوبيا التي استمرت خمس سنوات، كما قبلت جميع الدول المعنية جهود الوساطة الأمريكية - بدفع من مصر - بعد ما وصل التفاوض المباشر إلى طريق شبه مسدود، وعليه فكان "لابد من تدخل وسيط دولى ليساعد على تحريك المياه الراكدة" وهى الغاية التي تحققت في ضوء الاتفاق المتكامل والمتوازن الذي تم التوصل اليه في ضوء المناقشات والمفاوضات التي تمت تحت رعاية كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى.
وقال "الجميع يعلم علم اليقين أن نهر النيل هو المصدر الرئيسى والوحيد للمياه العذبة في مصر، وبالتالي تعاملت مصر مع هذا الملف في ضوء هذا الاعتبار وحرصت على التوصل الى اتفاق ليس فقط لما يمثله هذا المورد الحيوي لتحقيق خطط التنمية المستدامة بل لاعتباره ركن من الأركان الأساسية لاستمرار تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مصر".
وتابع: لا يمكن أن يتحقق هذا الاستقرار في مصر أو فى المنطقة دون وضع قواعد واضحة تحكم عملية ملء البحيرة الواقعة خلف السد وتشغيل السد والتي لا يجوز قانونا أن تنفرد بها دولة واحدة - وهي أثيوبيا - عند التعامل مع هذا النهر الدولي الذي يضم ثلاث دول وهي مصر والسودان وأثيوبيا؛ وبالتالي حرصت مصر على اتباع كافة الوسائل السلمية والدبلوماسية الممكنة سواء من خلال جولات التفاوض السياسى والفنى بشكل مباشر بما يتفق مع المبادئ الدولية المستقرة، والمشاركة بشكل فعال وبناء في كافة جهود الوساطة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى خاصة في ضوء ما جاء في إعلان المبادئ وتصريحات إثيوبيا المستمرة وبشكل أحادي ومنفرد بأنها سوف تبدأ في ملء بحيرة السد خلال شهر يوليو القادم.
وأردف قائلا: "قامت مصر - منذ أكثر من أسبوعين - بإرسال خطاب ومذكرة توضيحية وشارحة للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بعد أن اتبعت كل الوسائل المتاحة لمدة خمس سنوات والتي انتهت بالتوصل إلى اتفاق متوازن ويعكس قواعد القانون الدولي، والذي رفضت أثيوبيا قبوله في اللحظات الأخيرة وهو سلوك لا يعكس مبادئ حسن النية في التفاوض الدولى"؛ ويأتي اتخاذ المبادرة المذكورة من جانب مصر تأكيدا لسياستها المستقرة والثابتة لاحترام قواعد القانون الدولي ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة ووعيها الكامل باختصاصات مجلس الأمن الدولي خاصة ان الوقت يمر بشكل سريع و إصرار أثيوبيا على ان تعلن دائما عن نيتها في البدء لملء بحيرة السد مستغلة في ذلك حالة الاضطراب التي يشهدها العالم بسبب تفشى فيروس كورونا (كوفيد19).
وأكد عمرو أنه إذا ما بدأت أثيوبيا في ملء بحيرة هذا السد - بشكل منفرد ودون التوصل إلى قواعد حاكمة وملزمة - سوف يتسبب في تحقيق ضرر جوهري لمصر، وهذا أمر لا يمكن قبوله في ضوء القواعد العرفية والاتفاقيات الدولية وما استقر عليه العمل الدولى وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الدولية، حيث لا تملك أي دولة من دول المنابع في التحكم والتصرف في أي نهر دولي بإرادتها المنفردة .
وردًا على تساؤل البعض حول مدى وجود مخالفات من جانب إثيوبيا لقواعد القانون الدولي المستقرة في تعاملها مع ملف سد النهضة الإثيوبي، أكد الدكتور محمد سامح عمرو أن إثيوبيا دولة من دول المجتمع الدولي وعليها أن تلتزم وتحترم وتطبق قواعد القانون الدولي بشكل عام، مشددًا على ضرورة أن تمتثل إثيوبيا لقواعد القانون الدولى المستقرة ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف أن أثيوبيا دأبت على مخالفة قواعد القانون الدولي منذ أن أعلنت بشكل منفرد بالشروع في بناء السد منذ حوالي 9 سنوات دون أن تقوم بإخطار باقى الدول المشاركة في النهر بشكل مسبق وهو أدنى الالتزامات الدولية المستقرة، كما انها لم توفر البيانات والمعلومات اللازمة ولم تقدم أي دراسات علمية دقيقة خاصة بالتقييم والاثر البيئي وتأثير السد على كميات وجودة المياه التي تصل إلى مصر والسودان ودون أن تقدم ما يفيد بمتانة وسلامة جسم السد، وهى جميعا مخالفات ثبتت في حق أثيوبيا قبل التوقيع على إعلان المبادئ عام 2015.
وأوضح أنه عندما توصلت مصر مع إثيوبيا والسودان لاتفاق لتشكيل لجنة فنية محايدة للنظر في آثار وتداعيات هذا السد، انتهت اللجنة الفنية بشكل علمي إلى تقرير يؤكد أن هناك نواقص كثيرة لابد من استكمالها وتتطلب استمرار الدراسات، لكن إثيوبيا لم تنفذ هذا التقرير وتوصياته، وهذه مخالفة أخرى للقانون الدولي؛ وهو ما دفع مصر للتوقيع على إعلان المبادئ لوضع الأمور في نصابها الصحيح والطبيعي إلا أن أثيوبيا استمرت في مخالفتها لما جرى الاتفاق عليه بموجب إعلان المبادئ، حيث لم تظهر أي احترام لقواعد التفاوض أو الجهود المبذولة من خلال عملية الوساطة التي توجت بصياغة اتفاق دولى يعكس قواعد القانون الدولى تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى الذي له خبرة دولية كبيرة في هذا المجال.
واستطرد "الغريب في الأمر أنه بعد نفاد كل هذه الجهود التي أسفرت للتوصل إلى اتفاق متوازن وعادل؛ تصرفت أثيوبيا بشكل غير مقبول برفضها قبول الاتفاق والتوقيع عليه بل أكثر من ذلك استمرت في التلويح بنيتها في بدء ملء بحيرة السد وتشغيله خلال هذا العام حتى قبل التوصل الى اتفاق حسبما ورد صراحة بإعلان المبادئ."
واختتم الدكتور محمد سامح عمرو بأن على أثيوبيا التزاما منها بقواعد القانون الدولي ألا تبدأ في ملء بحيرة السد أو تشغيله قبل التوصل إلى اتفاق والتوقف عن أي إجراء منفرد في شأن هذا النهر الدولى والتوقف عن تصريحاتها المستمرة بأنها ستقوم بالبدء في ملء بحيرة السد وتشغيله هذا العام، مؤكدا أن استمرار إثيوبيا في اتباع نهجها والتصرف بشكل منفرد للبدء فى ملء بحيرة السد وتشغيله هو تصرف يحمل تهديداً لاستقرار وأمن مصر وتهديدا للسلم والأمن الدوليين في منطقة شرق إفريقيا.
وشدد على أنه يحق لمصر في هذه الحالة أن تتقدم بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي؛ بما يحافظ على حقوقها طبقا لقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية وأحكام ميثاق الأمم المتحدة التي تلتزم بها جميع الدول أعضاء المجتمع الدولي، وأن لجوء مصر لمجلس الأمن بشكل رسمي هو بمثابة ممارسة حقها المشروع بموجب قواعد ميثاق الأمم المتحدة وحرصا منها على قيام مجلس الأمن - إزاء التصرف المنفرد من أثيوبيا - بمباشرة اختصاصاته طبقا لأحكام وقواعد الميثاق.